الاشتراكي المغربي يعرب عن خيبة أمل من تتويج حزب خارج لتوه من رحم السلطة

قيادته حذرت من العودة إلى تكرار سيناريوهات الماضي

TT

شكل البيان الذي أصدره حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (مشارك في الحكومة) بخصوص موقفه من نتائج الانتخابات البلدية ليوم الجمعة الماضي، ونشرته أمس جريدته على ثمانية أعمدة وبخط أحمر، ما يشبه العودة إلى مفردات القاموس السياسي التي دأب عليها الاتحاد الاشتراكي خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، حينما كان الحزب مصطفا في صفوف المعارضة، إلى جانب حليفيه الحاليين في الحكومة والكتلة الديمقراطية، أي حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية، والثلاثة نسقوا نضالهم في الماضي، مما أدى إلى إجراء تعديل للدستور، صوتت لصالحه غالبية الأحزاب المغربية، الأمر الذي سهل حصول توافق تاريخي مع الملك الراحل الحسن الثاني، أسفر عام 1998 عن تشكيل الحكومة الائتلافية الانتقالية التي رأسها عبد الرحمن اليوسفي، الأمين العام الأسبق للاتحاد الاشتراكي، الذي اعتزل الحياة السياسية، رافضا الخروج عن ما أسماه حزبه الخروج عن «المنهجية الديمقراطية» التي كانت تقتضي أن يكلف اليوسفي ثانية بتشكيل الحكومة عام 2003، بناء على نتائج الانتخابات التشريعية التي منحت الاتحاد الاشتراكي المرتبة الأولى، ولو بفارق صغير عن الأحزاب الأخرى.

ويمكن القول إن مشاكل الاتحاد التنظيمية الداخلية، بدأت مع قبوله المشاركة في الحكومة التي رأسها التكنوقراطي إدريس جطو. وفي رأي تيار كبير من المنتسبين للحزب، فإنه كان حريا بالحزب أن يتشبث بحقه في تشكيل الحكومة، أو التحول إلى المعارضة، بناء على العرف الذي دشنه الملك الراحل الحسن الثاني عام 1998، على الرغم من أن الدستور الحالي يخول الملك كل الصلاحيات لتكليف من يشاء بتشكيل الحكومة، بصرف النظر عن ترتيب الأحزاب في سباق الانتخابات التشريعية.

ولوحظ أن الملك محمد السادس، عاد إلى التقليد الذي لم يتقيد به عام 2003، فأسند بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في خريف 2007 مسؤولية قيادة الحكومة إلى عباس الفاسي، أمين عام حزب الاستقلال الذي حصل على المرتبة الأولى، مع تكرار تقلص الفرق بينه وبين الأحزاب الأخرى، في حين تراجع الاتحاد الاشتراكي في الاستحقاقات نفسها إلى مرتبة خامسة، لتكرر قيادته الخطأ نفسه الذي حذرتها منه القواعد الحزبية. وبدل أن ينتهز الفرصة للعودة قويا إلى المعارضة، فإنه قبل المشاركة في حكومة الفاسي، بحقائب لا تتناسب مع أهميته في الساحة السياسية، من وجهة نظر أنصاره، مما أفسح المجال أمام بروز مواقف حزبية متضاربة، اعتبرت مؤشرا على بوادر أزمة عميقة يجتازها الحزب، ظهرت جلية في سحب الثقة من الأمين العام السابق محمد اليازغي، الوزير بدون حقيبة في الحكومة الحالية، ثم تفاقمت الأزمة في المؤتمر العام للحزب الذي لم يستطع إكمال أشغاله، مما اضطره إلى الدعوة لجولة ثانية انتهت باختيار عبد الواحد الراضي، أمينا عاما جديدا، من بين خمسة مرشحين، جرى التصويت عليهم بالاقتراع السري، حيث اتضح لأول مرة في تاريخ الحزب، أن أعضاء المؤتمر غير متفقين جميعهم على اسم واحد، بل توزعت أكثر الأصوات بين أربعة مرشحين، هم أعضاء المكتب السياسي الحالي. ويتعلق الأمر بالراضي وزير العدل الحالي، الذي حصل على أعلى الأصوات، يليه بفارق بسيط، فتح الله ولعلو وزير المالية السابق، ثم إدريس لشكر رئيس الفريق النيابي في البرلمان السابق، والحبيب المالكي وزير التربية والتعليم السابق.

وخرج الاتحاد الاشتراكي، متضررا من الاستحقاقات البلدية الأخيرة، إذ وضعته النتائج النهائية في المرتبة الرابعة. وعلى الرغم من حصوله على أكثر من ثلاثة آلاف مقعد في المجالس البلدية، فإن خيبة الحزب كانت كبيرة في المدن الكبرى التي سحب الناخبون تأييدهم له، علما أن قوة الحزب الجماهيرية كانت في الماضي متمركزة في الحواضر، حيث يدور الصراع الاجتماعي وحيث توجد طبقة متوسطة ناهضة طموحة إلى التغيير.

ومن المفارقات أن تراجع الحزب، سجل في أغلب المدن المغربية باستثناء مدينة أغادير (جنوب) التي تعد إحدى قلاعه التاريخية، حيث حصل فيها وفي الدوائر القريبة منها على نسبة متقدمة.

وأمام تلك النتيجة السلبية غير المسبوقة، فإن أنظار المراقبين تركزت في الأيام الأخيرة، على الموقف الذي سيتخذه الاتحاد الاشتراكي من مجمل العملية الانتخابية. وبعد صمت استمر ثلاثة أيام، عبر المكتب السياسي للحزب (أعلى هيئة) عن رفضه الكامل، ليس للنتائج، وإنما لما أسماه الشعور بالخيبة الكبيرة من العودة إلى سيناريوهات الماضي التي توجت، بأغلبية ساحقة، حزبا جديدا خرج لتوه من رحم النفوذ والسلطة، في إشارة واضحة إلى المرتبة الأولى التي حصل عليها حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي أسسه قبل أقل من سنة، فؤاد علي الهمة، الوزير السابق في الداخلية الذي يوصف بأنه صديق العاهل المغربي الملك محمد السادس، كونه رفيق دراسته، ومدير ديوانه حين كان وليا للعهد.

ووصف بيان الاتحاد الاشتراكي، الممارسة السياسية التي بوأت «الأصالة والمعاصرة» صدارة المشهد الحزبي المغربي، بأنها تعيد البلاد إلى الوراء وتعيق البناء الديمقراطي وتحكم على الحقل السياسي المغربي بتكرار تجارب نعرف جميعا ما أضاعته على المغرب من فرص الإصلاح والتقدم، فضلا عما تشيعه الممارسة نفسها من إحباط ويأس وتجهز عليه من مصداقية في تكوين المؤسسات وفي ممارستها.

ودعا بيان الحزب، بعد تأكيد رفضه الكامل العودة إلى أساليب الماضي، من أسماها مكونات الصف الديمقراطي، لمواجهة الوضع الجديد بما يلزم من حزم وموضوعية، دفاعا عن الديمقراطية وعن المصداقية والجدية والوضوح في المؤسسات.

ولم يفت الاتحاد الاشتراكي دعوة المنتسبين إليه للإسراع بتقييم النتائج وتحديد المسؤوليات الذاتية والموضوعية التي أدت إليها والقيام بما يلزم من نقد ونقد ذاتي والإنصات إلى المواطنين.

ولوحظ أن تقييم النتائج، يختلف عن ذلك الذي أعرب عنه أمين عام الاتحاد الاشتراكي، في تصريحات عقب إعلان النتائج، مما جعل المراقبين يعتبرون البيان الأخير بمثابة تصحيح لتصريحات الراضي، التي لم تعكس من وجهة نظرهم المزاج العام للمنتسبين للحزب، كما يشار في السياق نفسه إلى أن حليفي الاتحاد في الكتلة الديمقراطية، انفردا بتقييم مختلف، فببنما عبر أمين عام التقدم والاشتراكية عن خيبة أمله بدوره من النتائج وانتقاد حزب الأصالة والمعاصرة، مال حزب الاستقلال إلى أسلوب الرضا عن النفس، ناسيا أن «الأصالة والمعاصرة»، أخذ منه المرتبة الأولى في البلديات السابقة بعدما شن عليه وعلى الحكومة التي يقودها حملة قاسية.

وبرأي ملاحظين، فإن بيان الاتحاد الاشتراكي، يحمل كل المؤشرات الدالة على توجس عميق وحيرة من مجريات التطور السياسي في المغرب، مضيفين أن الحزب وإن كان يقر بمسؤوليته الذاتية في النكسة التي مني بها، فإنه لا يبدو مستعدا لقبول «الأصالة والمعاصرة» الذي أطلق عليه منذ البداية نعت «الوافد الجديد» بالشكل الذي نزل به. ويستدل المراقبون في هذا الصدد برسائل الغزل السياسي المتبادل حاليا بين الاتحاد وحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية والذي سيتجلى في تنسيق الحزبين لمواقفهما أثناء التصويت على تشكيل مكاتب البلديات، مع الإشارة إلى أن العدالة يمسك بمفاتيح مجموعة من المدن المهمة.

ويمكن أن يسهم التحالف الاضطراري بين حزب (الاتحاد) مشارك في الحكومة وآخر (العدالة) في المعارضة، في خلط مزيد من الأوراق بالساحة السياسية المغربية. وسيزداد الموقف التباسا إذا ما وضع في الحسبان أن غالبية الأحزاب السياسية المغربية التي فازت أو أخفقت في الانتخابات الأخيرة، لا تنظر بارتياح إلى «الأصالة والمعاصرة»، ولكنها غير متفقة في الوقت نفسه على تحديد موقف مشترك منه، بل لربما يشير في نظر البعض إلى مزية له تتمثل في كونه نبه الأحزاب بمختلف ألوانها إلى مشاكلها الداخلية وقصورها التنظيمي الذاتي عن مواكبة التحولات السياسية والاجتماعية في البلاد، لكنهم في الوقت ذاته متفقون على استنكار الطريقة التي اقتحم بها الوافد الجديد ميدان السياسة في المغرب ويستكثرون عليه ممارسة تأثير بالشكل الذي أفرزته نتائج الانتخابات، على الناخبين، رغم حداثة الحزب (أقل من سنة) وعدم توفره على وسائل الإعلام لإبلاغ خطابه إلى الشرائح والجهات التي صوتت لصالحه، مع التذكير بأن قوة الحزب برزت بشكل أقوى في الدوائر القروية، وليس في سائر المدن التي تصدر نتائج الكثير منها «العدالة والتنمية»، والتي طبق فيها نظام الاقتراع النسبي، بينما صوتت الأرياف حسب النظام الأحادي الاسمي، مع احتساب الأغلبية النسبية، وليس أكثر من 50 في المائة من مجموع الأصوات. وتلك تقنية استفاد منها كثيرا الأصالة والمعاصرة.

ويلقي بيان الاتحاد الاشتراكي الرافض، مزيدا من ظلال الصعوبة على عملية تشكيل مكاتب بلديات المدن، على اعتبار أن موقف الأحزاب الأخرى من «الأصالة والمعاصرة»، سيكون حاسما في تحديد العلاقات بينها وبين الاتحاد الاشتراكي، الذي بات قريبا من المعارضة.

تجدر الإشارة كذلك إلى أن تململا ما، سجل في صفوف الاتحاد الاشتراكي، لغاية توجيه النقد لقيادة الحزب وتحميلها مسؤولية ما وقع، لكن ذلك يبقى حتى الآن في حدود النقد الغاضب من جراء صدمة اقتراع الجمعة الأخير، دون استبعاد احتمالات أخرى قد تنجم عنها أزمة تنظيمية يصعب التكهن بمداها.