قرية أفغانية في قلب الريف البريطاني للتدريب على محاربة طالبان

بازار ومسجد ومجلس شورى بين هضاب نورفولك الخضراء

مواطن أفغاني يرحب بجندي بريطاني في السوق الذي أقيم وسط القرية الأفغانية في نورفورلك («الشرق الأوسط»)
TT

لم يصدق الإنجليز صورة شاهدوها لقرية بريطانية في نورفولك وقد تحولت إلى قرية أفغانية بعدما لجأ الجيش البريطاني إلى تحويل شوارعها ومحلاتها إلى الطابع الأفغاني من دون أن ينسى حتى المتاجر الصغيرة التي تعرض الخرفان المعلقة في الخارج أمام الناس من دون غطاء أو احتراز من الأمراض، وكذلك العربيات الخشبية الصغيرة التي تبيع الفاكهة والمثلجات لاتقاء حرارة صيف العاصمة كابل، وفي داخل القرية مسجد صغير يرفع فيه الأذان خمس مرات في اليوم، وسيدات أفغانيات منتقبات ومحجبات وأخريات يرتدين الشادور ورجال أفغان من طالبي اللجوء السياسي في بريطانيا جاءوا لتمثيل الحياة اليومية في المدن الأفغانية وشكلوا أيضا مجلسا للويا جيركا أو مجلسا للشورى يتباحثون فيه مع الجنود البريطانيين وعبر مترجمين عن أخطاء في العمليات أو مداهمات المنازل، وآخرون مثلوا عناصر طالبان وارتدوا عمامات سوداء، وحول الشوارع المتربة داخل القرية تنتشر الدراجات النارية، وإطارات السيارات والعربات وفرن بلدي يخبز «النان» الخبز الأفغاني الطازج، ومقهى في البازار يقدم شراب الإيران المثلج ونرجيلة برائحة معسل التفاح. ويبدو المكان شبيها بشارع السوق القديم الصاخب وسط مدينة كابل. ولكن من المدهش أنه ليس في أفغانستان، ولكن داخل نورفولك. لقد أقام الجيش ما يشبه صورة مدينة أفغانية تبعد مسافة 5000 ميل لمساعدة قواته على التدريب في الحرب الراهنة ضد حركة طالبان. والقرية بأكملها في قلب الريف البريطاني بالقرب من نورفولك ايست انغليا وسط المروج والهضاب الخضراء، والهدف منها محاكاة قرية أفغانية وتعويد الجنود البريطانيين الذاهبين إلى أفغانستان على كيفية التعامل مع الفروق الثقافية والدينية للأفغان واحترامها. وقال ناطق باسم الجيش البريطاني إن كلفة قرية التدريب بلغت حتى الآن 14 مليون إسترليني وأنها تستهدف جعل الجنود يتدربون على الحياة الأفغانية كما هي قبل إرسالهم في مهام قتالية. واستعان الجيش بمتطوعين بريطانيين وألبسهم الزي الأفغاني، كما ساعده في ذلك بعض الأفغانيين اللاجئين في بريطانيا. وأضاف المتحدث باسم الجيش البريطاني أن الهدف من القرية هو التدريب على الحرب مع حركة طالبان وللتعود على طبيعة الأراضي الأفغانية، وإعطاء الجنود البريطانيين جرعة لمدة أسبوع على الثقافة والتقاليد الأفغانية. وأوضح: «أعتقد أن القرية الجديدة تعطينا أفضل تجهيز لموقع التدريب في المملكة المتحدة. نحن فخورون بها، القوات ستواجه كل السيناريوهات المحتملة على الأرض في قرية وهمية من السلام والهدوء لتفجيرات انتحارية». وقال ضابط كبير في وزارة الدفاع البريطانية: «لا يوجد شك على الإطلاق في أن الجيش يركز في الوقت الحالي بشكل كامل على أفغانستان.

ونظرا لأنني ذهبت إلى هناك بنفسي، فهذه المنشأة أصلية تماما. ومن السهل أن نقول بعد فوات الأوان إنه كان يجب علينا فعل ذلك من قبل، ولكن من يدري طول الفترة التي سنمضيها هناك». وأضاف الكولونيل: «من الواضح حاليا أننا سنظل هناك لبعض الوقت، لذا نحتاج إلى المضي قدما وتطوير منشآتنا». وقد صممت المركز المجموعة الاستشارية للتدريب التنفيذي (أوبتاغ) لمحاكاة التحديات الثقافية والتكتيكية في أفغانستان. وقال ليفتنانت كولونيل أندرو فيلد، رئيس المدربين في «أوبتاغ»: «قبل أن تكون لدينا تلك المنشأة، كان الجنود يتدربون في مبان من النوع الذي نعيش فيه أنا وأنت. ولكن حاليا، أصبح لدينا شيء يحاكي البيئة التي سيجدها الجنود عندما يذهبون إلى أفغانستان». وتحتوي القرية على مجمعات مكونة من دور واحد متصلة عبر شبكة من الحارات الخانقة ذات الجدران العالية وسوق صاخبة، تمتلئ بالفواكه واللحوم البلاستيكية.

وفي التدريبات التي حضرتها «الشرق الأوسط» تم نزع سلاح مفجر انتحاري، واكتشاف قنبلة على جانب الطريق، واقتحام تفجيري لأحد مجمعات طالبان. ونظمت قوات المشاة الملكية أيضا اجتماعات مع كبار رجال القرية (مجلس شورى)، الذين قام بدورهم أفغان يقيمون في بريطانيا ويساعدون في عمليات تدريب الجنود على الوعي الثقافي. وقال أحدهم، وهو مستشار «أوبتاغ» الثقافي فاضل بيريا: «سيجد أي شخص كان في أفغانستان أن هذا مشابه للغاية لما لدينا هناك، وخاصة في هلمند. وهذا يمنح الجنود فكرة حقيقية عما يتوقعونه عندما يقابلون مسؤولين أفغانا وزعماء القرى. حيث إنه بالتعرف على عاداتهم وأسلوب حياتهم يمكنهم بسهولة التفاوض معهم». وأوضح ضابط كبير في القرية أهمية مثل هذا النوع من التدريب قبل مواجهة طالبان، قائلا: «يمكنني أن أضع طائرة من دون طيار لتحدد لي موقع العدو وترصد حركته، ولكن مهما كانت دقة التكنولوجيا فإنها لا تستطيع أن تخبرني بما يفكر به الأفغان». من جهته قال الكولونيل ريتشارد ويسلي مسؤول التدريب في القرية إن «القرية الأفغانية» تمنح الجنود البريطانيين «نوعا مختلفا من التدريب»، مشيرا إلى أن التعود على هذا النوع من التدريب يقلل من المخاطر في أرض العمليات، وقال إن الهدف هو كسب عقول وقلوب الأفغان داخل المدن الأفغانية. وأضاف كل جندي في الجيش أو في المارينز ذاهب إلى أفغانستان يمر من هنا قبل السفر إلى هناك. وأوضح أن هناك كثيرا من خطط التدريب يتم تغييرها فورا بما يتماشى من أحداث في أرض العمليات مثل نوعية العبوات الناسفة التي يستخدمها طالبان. وفي القرية نحو 60 مدربا من ضباط الجيش البريطاني خدموا من قبل في أفغانستان، بينهم 6 أو 7 حصلوا على أنواط شرف في الخدمة. فيما يقول فضل بيريا المستشار الثقافي بوزارة الدفاع البريطانية إن هناك 60 مواطنا أفغاني الأصل يعيشون داخل القرية. وفضل بيريا نفسه مواطن أفغاني الأصل هرب من حرب المجاهدين وعمره سبعة عشر عاما.