الفرق بين الاحتجاجات السابقة والحالية توحد البراغماتيين والإصلاحيين أمام المتشددين

خبراء ومحللون يعتبرون أن موسوي أشد عودا من خاتمي

TT

في صورة رمزية للمظاهرات المناهضة للحكومة في إيران، يظهر طالب ذو شعر أسود متدل وعصابة رأس وهو يحمل عاليا تي شيرت ملطخا بدماء متظاهر جريح. وبعد أن ظهر وجهه على غلاف مجلة «ذا إيكونومست» في يوليو (تموز) عام 1999، دفع أحمد باتيبي ثمنا غاليا في مقابل ذلك، ليتحمل حوالي عشرة أعوام من الاعتقال والتعذيب قبل أن يهرب إلى المنفى.

وفي يوم الثلاثاء، وبينما كان يشاهد المظاهرات المتزايدة المعارضة للحكومة في إيران من فيرجينيا، وصف باتيبي شعوره بالخوف مختلطا بالسعادة. وقال عن طريق مترجم: «على كل مجتمع أن يصنع نسخته الخاصة من الحرية والديمقراطية، وهذا ما يفعله الشعب الإيراني في الوقت الحالي. ولكني أعرف أن الناس تتعرض للضرب وبعضهم يؤخذ إلى السجون، وسيقتل البعض».

لقد تساهلت الحكومة الإيرانية مع انتفاضات الطلبة في عامي 1999 و2003 لمدة أيام قليلة فقط قبل أن تطلق العنان لإجراءات صارمة مخيفة، بإرسال لجان أمنية من الباسيج إلى الحرم الجامعي، حيث ألقوا أعدادا من الطلاب من النوافذ، وأدموا الكثيرين بالحجارة والسلاسل والعصي، واعتقلوا العشرات.

وتظهر مشاهد تخويف مماثلة على مدار الأيام القليلة الماضية مع قليل من النتائج، حيث لم تردع التقارير الإخبارية الحكومية الإيرانية بمقتل سبعة أشخاص في عدة مدن حشدا آخر كبيرا معارضا للحكومة عن الخروج يوم الثلاثاء. ويقول المحللون إنه في هذه المرة، ستواجه الحكومة مأزقا في وضع نهاية سريعة وحادة للمظاهرات، التي قامت بسبب نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، بالطريقة ذاتها التي قمعت بها التظاهرات السابقة.

أولا، تواجه الحكومة حجم تلك المظاهرات، حيث إنها غير محددة بالطلبة بل تجمع بين أجيال مختلفة وطبقات اقتصادية مختلفة. ثانيا، توجد قيادة أكثر وضوحا، وإن كانت ما زالت غامضة، تتمركز حول أبرز مرشحي المعارضة مير حسين موسوي، الذي تبنى موقفا علنيا أكثر حدة تجاه الحكومة. ثالثا، جاءت الأزمة الراهنة بوحي من الغضب العام من الانتخابات الوطنية، وليس قضايا محدودة انفعل بها الطلاب.

وتظل هناك علامة استفهام حول كم من الوقت سيتحمل حكام إيران المظاهرات، وكم من الوقت سيظل المتظاهرون في الشوارع حتى يحين ما يتوقع العديد من المحللين أن يكون «لحظة تيانانمين. إنهم يخشون إعادة لمشهد إخراج الحكومة الصينية للدبابات بلا رحمة لسحق المظاهرات التي كانت تنادي بالديمقراطية عام 1989، ويعد النمو الاقتصادي والحكم المركزي في الصين ما يشبه نموذجا للملالي».

ويقول جوان كول، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ميشيغان، الذي يتتبع حالة الاضطراب على مدونته: «يأتي هذا الحجم مختلفا عن المظاهرات السابقة. ففي مظاهرات الطلاب السابقة، كان الجميع يقولون إن المتشددين يفعلون أشياء خطأ. ولكن ما تقوله المظاهرات الحالية أن النظام أصبح فاسدا للغاية وديكتاتوريا للغاية لدرجة أن الفساد وصل إلى الصميم».

وفي المظاهرات السابقة، قدمت الطبقة المتوسطة دعما يشبه دعم المارة بالسيارات، حيث كانوا يطلقون أبواق سياراتهم أو يضيئون أنوارها الأمامية عند مرورهم بالطلاب الذين يرددون الهتافات. وكان المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي يتحدث مثل الأب الروحي الحزين، قائلا إنه يأسف لأعداد القتلى من الطلاب وأنه لا يجب معاقبة الأشخاص الذين ينتقدونه. وبعد اندلاع موجات العنف الأولى، رفض الرئيس في ذلك الوقت محمد خاتمي دعوة مؤيديه للخروج دعما له، خوفا من إراقة المزيد من الدماء.

وأشار إرفاند ابراهاميان، الخبير في شؤون حركات المعارضة الإيرانية في كلية باروخ، إلى أن الشعور العام حينها كان أنه يجب على الجميع العودة إلى منازلهم ومحاولة حل المشاكل عبر صناديق الاقتراع. ولكن ضاعت فرصة الوصول إلى مثل ذلك النوع من التسوية بسبب الشعور بأن انتخابات يوم الجمعة قد زورت.

ويقول ابراهاميان: «لن تفلح تلك الحجج حاليا لأن صناديق الاقتراع أثبتت أنها طريق مسدود».

وكان موسوي يساريا ثابتا في فترة كان القادة فيها معجبين بتشي غيفارا، وقد عمل رئيسا لوزراء إيران في فترة الثمانينات عندما، كما يقول البروفسور كول، أسفرت المعارك التي وقعت بعد الثورة مع حركات العصابات ما بين 10000 و20000 قتيل. ويرى أنه مقاتل أكثر صرامة من خاتمي، وهو آية الله الذي جاء من طبقة رجال الدين الذين يحكمون البلاد.

ويقول غاري سيك، كبير الدارسين في جامعة كولومبيا الذي يدير موقع أبحاث ومعلومات الخليج العربي الإلكتروني Gulf 2000: «لقد كان موسوي موجودا في بعض الأوقات العصيبة، ولكنه لم يظهر أية إشارات على أنه أصابه الخوف من كل ذلك». ويظل هناك سؤال آخر بلا إجابة يتعلق بالى أي مدى يتمسك موسوي بعباءة القيادة. ويضيف سيك إنه سيكون على المظاهرات الاستمرار حتى تؤتي المطالب بالتغيير ثمارها.

وأخيرا يوجد تحول خطير في التحالفات. ففي الانتفاضات السابقة، كان الإصلاحيون في الأساس هم من يدعون إلى التغيير، يعارضهم كل من المتشددين دينيا والمحافظين البراغماتيين. ولكن في هذه المرة، وحد البراغماتيون والإصلاحيون قواتهم أمام المتشددين، على حد قول المحللين.

ومع ذلك، يقول المحللون إنه من الصعب تخيل أية تسوية ممكنة للمطالب التي ينادي بها المتظاهرون بإجراء انتخابات جديدة. وأحد الأسباب الكامنة في حفاظ موسوي والقادة الآخرين على الهتافات التي تركز على نتائج الانتخابات هو تجنب منح الحكومة عذرا لفتح النار عليهم لأن المتظاهرين يريدون الإطاحة بالنظام.

ويعلق كول قائلا: «أتوقع أن يزداد الاستقطاب في الوضع الحالي، نظرا لطبيعة هذا النظام، وأعتقد أنها مسألة وقت فقط قبل خروج الدبابات».

* خدمة «نيويورك تايمز»