إيران يلفها السواد حدادا على قتلى المواجهات.. وحملة اعتقالات لـ«قصم ظهر» الحركة الإصلاحية

اعتقال زعيم المعارضة الليبرالية إبراهيم يزدي.. ومنع 2 من أبناء رفسنجاني من السفر * الأنظار تتجه إلى خطاب خامنئي

إيرانية تنتحب عند قبر أحد أقربائها قتل في التظاهرات في طهران يوم الاثنين (أ.ب)
TT

بملابس الحداد السوداء والشموع المضاءة خرج أمس عشرات الآلاف من الإيرانيين من ميدان «فردوسي» إلى بازار طهران الكبير بجنوب العاصمة الإيرانية، في مسيرة جماعية صامتة، حدادا على الذين قتلوا في المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين الإيرانيين المؤيدين لرئيس الوزراء الإيراني السابق والسياسي الإصلاحي مير حسين موسوي. ولم تقتصر مسيرات الحداد على طهران فقط بل شملت مدنا إيرانية أخرى مثل شيراز وكرمان. وبينما تنتظر إيران اليوم خطاب المرشد الأعلى آية الله على خامنئي في صلاة الجمعة حول الأزمة الذي من المنتظر أن يدعو فيه إلى الوحدة الوطنية وإنهاء أعمال «الشغب» والحفاظ على «مبادئ الثورة الإسلامية وولاية الفقيه»، سادت أوساط الإصلاحيين وأنصار موسوي موجة من الغضب مع استمرار اعتقال رموز الحركة الإصلاحية في البلاد ومن بينهم زعيم «حركة تحرير إيران» إبراهيم يزدي. وباعتقال يزدي يكون غالبية رموز الحركة الإصلاحية قد تم إسكاتهم وإبعادهم عن تحركات الشارع الإيراني وهو ما قالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن السلطات ستسعى إليه لإخماد المظاهرات الحالية تدريجيا، قبل الانقضاض على من تسميهم «قادة ومحركي الشغب» في الشارع الإيراني. وقال مصدر إيراني قريب من الإصلاحيين و«حركة تحرير إيران» بقيادة الدكتور يزدي لـ«الشرق الأوسط» إن كثافة الاعتقالات بين كبار الإصلاحيين والمتظاهرين والصحافيين والمحللين تشير إلى أن الدوائر التي تتخذ القرار الآن في إيران «تريد أن تقضي على حركة المعارضة الواسعة النطاق ولا تريد أن تتحاور معها حول مطالبها». وتابع: «السلطات تراهن الآن على أن الاعتقالات المستمرة وعمليات القتل ستؤدي إلى تراجع الشارع، خصوصا إذا تحدث خامنئي غدا (اليوم) بلغة تهديد ضد التظاهرات وسماها شغبا وتخريبا. إلا أن هذا الرهان لن ينجح لأن المرشد الأعلى يجري حساباته بشكل خاطئ. هذه ليست أزمة اليد الطولى. هذه أزمة لا بد من الحوار حولها». وقال المصدر الإصلاحي إن «حلقات الدائرة تضييق» على خامنئي من قبل آيات الله في الحوزة العلمية قي قم وكبار السياسيين الإصلاحيين، وذلك في إشارة إلى رفض الكثير من آيات الله الكبار في الحوزة العلمية لنتائج الانتخابات ومن بينهم آية الله صانعي الذي حرم التعامل مع الحكومة الإيرانية الجديدة، وآية الله العظمى عبد الكريم موسوي اردبيلي الذي دعا أمس النظام إلى درس شكاوى المرشحين المحتجين على نتائج الانتخابات بعناية وإصدار قرار مقنع بشأنها. كما عزز الضغط على خامنئي أن مجمع رجال الدين المناضلين (روحانيون مبارز) الذي يضم رجال دين إصلاحيين طلب الترخيص له في تنظيم مسيرة كبرى غدا تزامنا مع خطاب يلقيه موسوي في ميدان «ازادي» أو «الحرية» وسط طهران بحضور الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي الذي سيتحدث أيضا خلال التظاهرة. وكان لافتا أيضا أن مجلس الخبراء الإيراني وهو أعلى سلطة دينية في النظام، أشاد أمس بالمشاركة المكثفة في الانتخابات الرئاسية، لكنه لم يذكر شيئا عن إعادة انتخاب احمدي نجاد. مما أعطى انطباعا أن الحركة الإصلاحية بأطيافها المختلفة، من رجال دين وسياسيين ومثقفين بدأت تنسق بجدية فيما بينها، وهو ما سيشكل ضغطا كبيرا على خامنئي إذا استمر ذلك لأسابيع مع استمرار التظاهرات. وأثار موقف رجال الدين في قم بالذات أعصاب السلطات في طهران، مما دفع وكالة أنباء «بورنا» الإيرانية، التابعة للمنظمة الوطنية للشبيبة إلى إصدار بيان غير اعتيادي يتضمن نقد عدد من كبار رجال الدين في قم لعدم تهنئتهم الرئيس محمود احمدي نجاد على فوزه بولاية ثانية. وقالت الوكالة بحسب ما نقلت عنها صحيفة «سرماية» الإيرانية أمس «ماذا يعني هذا الصمت؟ هل مشاركة 85% من الناخبين في الانتخابات حدث صغير (لم يكن كافيا) لدفع هؤلاء السادة إلى الكلام للترحيب بهذا الإقبال؟». وأضافت «بورنا» الممولة من وكالة الأنباء الرسمية «أم أن الأربعة والعشرين مليون صوت التي حازها الرئيس لم تكن مهمة (كافية) لكي يرسلوا رسالة تهنئة؟». وتابعت: «ماذا يعني هذا الصمت؟ أيها الأعزاء أعطونا تفسيرا لصمتكم قبل أن يفعل آخرون ذلك». وخلافا للانتخابات السابقة، لم يهنئ عدد من كبار رجال الدين الرئيس محمود احمدي نجاد على الفوز بولاية ثانية. كما انضم نجاد بعدما عاد من منتدى شنغهاي في روسيا إلى قائمة المنتقدين العلنيين لمطالب الإصلاحيين. ودافع نجاد بحسب ما نقلت عنه وكالة «مهر» للأنباء عن شرعية الانتخابات، وقال في اجتماع لمجلس الوزراء إنها «مثلت تحديا كبيرا لديمقراطية الغرب». وأضاف: «مثل الثورة الإسلامية هي الفائزة في الانتخابات»، مشيرا إلى أن 25 مليون ناخب من الناخبين البالغ عددهم 42 مليونا يوافقون على الطريقة التي يدير بها البلاد.

ويبدو أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في كيف ستتطور الأمور في إيران. فبينما يشتد ضغط السلطات على الإصلاحيين ويتزايد استهداف المتظاهرين، فإن هناك شعورا وسط الحركة الإصلاحية أنه لو استمرت التظاهرات اليومية في الشوارع والمدن الإيرانية لمدة أسبوع آخر، فإن المرشد الأعلى لإيران سيجد نفسه مضطرا للاستجابة لطلبات المعارضة الإصلاحية فيما يتعلق بإعادة الانتخابات. وقالت هنيا وهى شابة إيرانية في مطلع العشرينات شاركت في كل التظاهرات في طهران على مدار الأيام الستة الماضية لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن أن يطلبوا منا أن نخرس.. فنحن أبناء هؤلاء الذين أطاحوا بالشاه وجاءوا بهم للحكم». وفي تظاهراتهم أمس في جنوب طهران حمل أنصار موسوي لافتات كتب عليها «لم نقدم أمواتا لنقبل بصناديق اقتراع مزورة»، في حين كتب على أخرى «موسوي: تظاهروا بصمت وهدوء»، في إشارة إلى التعليمات التي أصدرها موسوي لأنصاره بعدم إطلاق الشعارات منعا لاستفزاز الأمن. وكتب على لافتة أخرى «أين إخواننا» و«لماذا قتلتم إخواننا». وفيما ذكرت قناة التلفزيون الحكومي الإيراني الناطقة بالإنجليزية أن ثمانية أشخاص قتلوا في الاحتجاجات، فإن مصادر أخرى قالت إن العدد الحقيقي يفوق ذلك. ومع تولي قوات الحرس الثوري ملف إدارة الأزمة وأمن العاصمة طهران، صدرت تعليمات من فريق موسوي إلى أنصاره بأن لا يخرجوا في أي تجمعات في الليل تحسبا لاستفزازات أو مواجهات مع قوات الباسيج. كما أرسل موسوي خطابا إلى مجلس الأمن القومي الإيراني يشكو فيه من أن رجالا يرتدون ملابس مدنية استخدموا العصي والقضبان الحديدية وأحيانا الأسلحة النارية «لمهاجمة صفوف المشاركين المسالمين قبل وصول قوات الأمن»، كما ندد باعتقال حلفائه في الأيام القليلة الماضية. ونقلت وكالة أنباء «الطلبة» الإيرانية عن مسؤولين إقليميين قولهم إن 88 شخصا اعتقلوا في اضطرابات أعقبت الانتخابات في مدينة مشهد المحافظة بشمال شرقي البلاد وأنه تم إلقاء القبض على ما يصل إلى 60 شخصا في تبريز بالشمال الغربي وهي مسقط رأس موسوي. ووردت أنباء عن احتجاجات مؤيدة لموسوي في مدن أصفهان ورشت وارومية وزانجان وزاهدان، إلا أن المعلومات عن عدد المعتقلين أو المصابين المحتملين في هذه المدن قليلة بسبب عدم تغطيتها صحافيا. وفي إطار إسكات أصوات المعارضة خصوصا تلك التي تصل للعالم الخارجي، اعتقلت السلطات الإيرانية اثنين من كبار القادة الإصلاحيين وهما زعيم المعارضة الليبرالية إبراهيم يزدي وذلك بعد حوار مطول مع «الشرق الأوسط» حول الأزمة، كما اعتقلت المعارض محمد تواسلي. وبحسب معلومات غير رسمية فإن يزدي، موقوف في قسم الطوارئ في أحد المستشفيات حيث كان يتلقى علاجا من متاعب في المعدة ترافقه منذ فترة. وكان يزدي قد قال في مقابلته مع «الشرق الأوسط» أول من أمس، إن إيران تمر بمرحلة حرجة، موضحا أن الحل الوحيد للوضع الراهن هو إعادة الانتخابات بأكملها، موضحا أن الأرقام التي بحوزة الإصلاحيين تظهر من دون شكوك فوز موسوي بالانتخابات. كما قال يزدي إن الأزمة الحالية لم تعمق فقط الشقاق بين النخبة الحاكمة بل كشفته علانية لأول مرة. وحمل يزدي خامنئي مسؤولية تدهور الوضع قائلا إنه ارتكب أخطاء فادحة خلال الأزمة، أولها تسرعه بمباركته الانتخابات وتهنئته لاحمدي نجاد دون انتظار تصديق مجلس الأوصياء على النتائج. وقال حليف ليزدي من «حركة تحرير إيران» إن عناصر الأمن أخذت يزدي ليل أول من أمس بينما كان في مستشفى بطهران لإجراء فحوص طبية، بعدما توجهت قوات الباسيج إلى منزله ولم تجده. ولم تصدر تعليقات فورية من السلطات الإيرانية بهذا الشأن. وكان يزدي الذي يرأس «حركة تحرير إيران» المحظورة يشغل منصب وزير الخارجية في أول حكومة إيرانية تشكلت بعد الثورة الإسلامية عام 1979 التي أطاحت بالشاه لكنه أبعد بعد أن هيمن على السلطة رجال الدين. وقالت عفيفة يزدي حفيدته إن الاعتقال أمر سيئ لأنه يحتاج للعلاج بشكل مستمر بسبب إصابته بسرطان البروستاتا، موضحة في تصريحات لـ«رويترز» أن العائلة لا تعرف أين سجن. جاء ذلك التطور فيما قالت وكالة «فارس» شبه الرسمية للأنباء إن اثنين من أبناء الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي يعارض الرئيس محمود احمدي نجاد منعا من مغادرة إيران. وكانت فائزة ابنة رفسنجاني قد ألقت كلمة أمام أنصار مرشح الرئاسة المهزوم مير حسين موسوي يوم الثلاثاء. ودعا طلبة متشددون إلى إلقاء القبض عليها هي وأخيها مهدي، وهو الساعد الأيمن لأبيه.