حرب إلكترونية وخداع بين الصحافة الدولية والسلطات الإيرانية لتغطية الأحداث

الاعتماد أكثر على الإيرانيين والأسماء المستعارة وبرامج ترشدهم لكيفية التحايل على الرقابة

صحافيون في باريس خلال تظاهرة ضد منع زملائهم في طهران من مزاولة عملهم (أ.ب)
TT

تحولت تغطية حركة الاحتجاجات في إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلى ما يشبه حربا إلكترونية بين وسائل الإعلام العالمية والمحتجين أنفسهم أنصار المرشح الذي أعلن أنه خسر؛ مير حسين موسوي، والسلطات الإيرانية التي تحاول كبح جماح التغطيات والمواد التي تخرج من إيران.

وكمثال فإن صوت أميركا الذي يوجد ليه برنامج شبابي تلفزيوني كل مساء عادة ما يضم خليطا من إنتاج هوليوود وموسيقى ومعلومات عن الأجهزة الإلكترونية الحديثة تحول إلى موضوع جاد هذا الأسبوع وهو كيف يمكنك التحايل على جهود منع حرية التعبير وقال معد البرنامج غارث كونوي إن ما نراه اليوم هو حرب إلكترونية متمثلة في وقف السلطات الإيرانية خدمة الرسائل النصية الهاتفية وإغلاق مواقع الإنترنت من جهة وتصدي الإيرانيين لذلك من الجهة الأخرى. وخلافا لخدمات البث الأخرى المدعومة حكوميا من أميركا إلى الشرق الأوسط فإن خدمة الأخبار الإيرانية لديها شعبية وفقا لمحللين وقد تلقت الشبكة الفضائية هذا الأسبوع سيلا من الرسائل وأشرطة الفيديو للاحتجاجات من إيرانيين داخل إيران بينما حاولت السلطات الإيرانية التشويش عليها مع الـ«بي بي سي» البريطانية. إلا أن البعض انتقد الخدمة الفارسية قائلين إنها كانت بطيئة في الاستفادة من الأحداث فبعد إعلان نتيجة الانتخابات التي جرت يوم الجمعة تم التوقف عن بث مواد حية لمدة 16 ساعة. وكانت الخدمة قد زادت إرسالها خلال العامين الأخيرين من ساعة واحدة يوميا إلى سبع ساعات وبلغت ميزانيتها العام الماضي 16 مليون دولار. والمعروف أن الصحون اللاقطة لإرسال الفضائيات ممنوعة في إيران إلا أنها موجودة بالملايين. وتقدر الشبكة أن ثلث الإيرانيين يشاهدونها.

ومع التقييد على أنشطة الصحافيين الأجانب في طهران لجأت شبكات التلفزيون الدولية ووسائل الإعلام إلى الإيرانيين أنفسهم لتزويدها بالأخبار والصور ولعبت مواقع الانترنت دورا رئيسيا في ذلك.

ولجأ أهل الصحافة الدولية إلى المناورات والخدع للالتفاف على القيود أمام تغطية التظاهرات في إيران، تتراوح بين استخدام أسماء مستعارة وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت أو أيضا كر وفر مع السلطات في شوارع طهران. وقال ريتشارد بيستون مسؤول الشؤون الدولية في صحيفة «التايمز» البريطانية لوكالة الصحافة الفرنسية: «إننا نستخدم إيرانيين وأجانب في الوقت الحاضر للعمل في شوارع طهران لكن العمل بشكل طبيعي أصبح صعبا أكثر وأكثر». وتمنع السلطات الإيرانية منذ الثلاثاء الصحافة الأجنبية من تغطية جميع التظاهرات نصا وصورة.

ومنذ انتهاء صلاحية تأشيرة لعشرة أيام، الاثنين، منحت لاثنين من صحافييها لتغطية الانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي، تعمل الصحيفة مع أشخاص يستخدمون أسماء مستعارة.

وعدم كشف الهوية هو الخيار الذي اعتمدته صحيفة «الموندو» الإسبانية التي تنسب لصورة «اسما مستعارا يخفي وراءه هوية مصدرنا» كما كتبت موضحة أن الصحافية المستقلة (فري لانس) التي تتعامل معها تتدبر أمرها لـ«خداع الرقابة».

كما تراقب «التايمز» مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل «فيس بوك» و«تويتر» لكن «بحذر».

وفي هذا الصدد قال بيستون: «إننا نعي تماما أن معارضين للنظام سيضعون عناصر لا يمكن التحقق منها وعلى الأرجح دعاية، فإن كان هناك أمرا ما مهما فإننا ننقله إلى مراسلينا على الأرض».

ويتم تفحص «تويتر» بشكل خاص من قبل محطة التلفزيون الفرنسية «فرانس 24»، التي لم تحصل على تأشيرة، أو البريطانيتين «بي بي سي» و«سكاي نيوز».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن راث بارنت المسؤول عن قسم الوسائط المتعددة (مالتيميديا) لدى «سكاي نيوز»: «لدينا شعور بأننا توصلنا إلى التعرف على أشخاص نعتبر أنهم يتمتعون بصدقية كافية إما لان ما كتبوه أكدته مصادر أخرى أو مصادرنا، أو لأنهم أصلا من مستخدمي تويتر في إيران».

كذلك يستعين التلفزيون الهولندي العام «نوس» بـ«تويتر» خصوصا منذ توقيف صحافيين اثنين الأحد وطلب منهما المغادرة.

لكن على الرغم من العراقيل في شبكات الاتصال تعتمد الـ«بي بي سي» إلى حد كبير على شرائط الفيديو عبر البريد الإلكتروني (أكثر من أربعة آلاف ترد يوميا من إيران)، والرسائل النصية القصيرة (إس إم إس) والشهادات التي يتم تلقيها مباشرة.

ولفت لوكا ريغوني رئيس تحرير نشرة الأخبار في القناة التلفزيونية الخامسة الإيطالية إلى أن «شروط العمل باتت أصعب فأصعب» لموفدينا الخاصين بسبب مشكلات الاتصال و«عمليات التفتيش المستمرة من قبل الشرطة».

وقال الموفد الخاص لصحيفة «لافانغوارديا» الإسبانية توماس الكوفيرو «أختبئ في أحد الأزقة لأسجل ملاحظاتي» وأوضح في إحدى مقالاته «أن قلما ودفترا صغيرا لا يلفتان الأنظار».

لكن مواطنته انخيليس اسبينوزا من صحيفة «الباييس» «اضطرت للبقاء في المنزل» بعد سحب كل التراخيص الأربعاء كما أوضح مصدر في الصحيفة. وهي لم تعد تغطي الأحداث خوفا من طردها.

أما البعض أمثال هيوز هويت الممثل الوحيد لتلفزيونات فرنسا في إيران فيتدبرون أمورهم بطريقة أو بأخرى. فهو لم يعد يرسل صورا للشوارع منذ الاثنين لكنه يستفيد من إمكانية التنقل بحرية ويعمل من مكتبه.

إلى ذلك تستخدم الشبكة الألمانية العامة (إيه آر دي) أسلوبا مماثلا، فقد حصل مراسلها على حق بث مداخلاته من سقف التلفزيون الإيراني، ثم يتم تسلم صور للتظاهرات في برلين عبر وكالات إخبارية.

لكن وكالات الأنباء نفسها ليست في منأى وقد تأثرت بدورها. فوكالة الصحافة الفرنسية موجودة في طهران حيث يخضع صحافيوها للقيود نفسها المفروضة على بقية الصحافيين الأجانب.

وإضافة إلى ذلك هناك إعلام الجاليات الإيرانية الضخمة المقيمة في الخارج، وأشارت «رويترز» في تقرير لها إلى استوديو للتلفزيون في شارع تجاري في إحدى ضواحي لوس انجليس حيث يعرض عاملون في وسائل إعلام تبث إرسالها بالفارسية مئات الصور ولقطات الفيديو التي تم تسريبها من إيران بواسطة محتجين يشككون في نتيجة انتخابات الرئاسة التي أجريت مؤخرا.

وتلفزيون القناة الأولى واحد من عدة قنوات تلفزيونية وإذاعية تبث إرسالها بالفارسية في المدينة وتعرض أنباء أو صورا للاضطرابات السياسية في إيران للجماهير في العالم ومن بينهم الإيرانيون الذين فرضت عليهم الحكومة الإيرانية تعتيما إعلاميا في بلدهم.

وتمثل هذه المحطات التلفزيونية والإذاعية الفضائية شيئا ثابتا في النسيج الاجتماعي للجالية الإيرانية الثرية في لوس انجليس التي أصبح يطلق عليها (طهرانجليس) لأنها تضم أكبر تجمع للإيرانيين في العالم خارج إيران. وعلى مدى الأسبوع المنصرم حشدت وسائل الإعلام تلك الأميركيين من أصل إيراني لدعم المظاهرات التي اندلعت في إيران بعد أن أعلنت السلطات فوز الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد بشكل ساحق في الانتخابات التي أجريت 12 يونيو (حزيران).

وتحث القناة الأولى التي تنتقد النظام الإسلامي في إيران علانية المشاهدين في إيران على العصيان المدني. كما روجت القناة لتجمع حاشد من طلبة إيرانيين في الولايات المتحدة دعما للمحتجين يوم الأحد وسعت لزيادة عدد الحاضرين في تجمع مماثل مقرر في لوس انجليس في 20 يونيو (حزيران).

وفي حين لا تتوفر أرقام محددة فإن ما يقدر بما بين 300 ألف و500 ألف ممن لهم أصول إيرانية يقيمون في جنوب كاليفورنيا وأغلبهم داخل لوس انجليس أو حولها. وجذبهم للمنطقة إما الروابط العائلية أو المناخ المماثل لمناخ طهران.

كما تم الترويج للتجمع المرتقب في لوس انجليس عبر إعلانات على الإنترنت تحت عنوان «توقفوا عن قتل الأبرياء في إيران» إلى جانب صورة لاحتجاجات حاشدة وقعت مؤخرا في ساحة الحرية بطهران.

ومن ضمن اللقطات التي عرضتها القناة الأولى هذا الأسبوع لقطة فيديو لمحتجة تضرب ضابط شرطة، وهناك لقطة أخرى أظهرت قوة أمنية موالية للحكومة فيما يبدو وهي تفتح النار على متظاهرين من مبنى.

وهناك صورة أخرى مروعة لمتظاهرين يقدمون العون لشاب ينزف من رقبته.

وقالت أسال بهلوان وهي مراسلة ومقدمة برامج في القناة الأولى: «هذا مروع.. مروع لأننا نراه يموت رغم أن الناس يحاولون مساعدته». وأضافت أن الشبان من طليعة المتظاهرين في إيران يقولون لها إن قضيتهم تتخطى مجرد دعم موسوي.

وأضافت: «قالوا لي.. أتعرفين يا أسال يمكنني أن أضحي بحياتي ولن يهمني هذا. ولكنني أعلم أننا سنصل لما نريد من البداية وهو الحرية والديمقراطية».

وعلى الرغم من المحاولات المتزايدة من إيران للتشويش على القناة الأولى خلال الشهور القليلة الماضية فإنها تقدر أنها تتمكن من الوصول لما لا يقل عن 15 في المائة من سكان إيران الذين يزيد عددهم عن 70 مليون نسمة.