خامنئي يفتح باب المواجهة: لن أرضخ للشارع.. وعلى المعارضين الانتباه

اعتذر لرفسنجاني في محاولة لتحييده في الأزمة * مسؤول إصلاحي لـ الشرق الأوسط» : المرشد يدافع عن موقعه .. ولا يرى المد قادما * غياب موسوي وخاتمي ورفسنجاني عن خطبة الجمعة في مظهر نادر للانقسام

خامنئي خلال توجهه لإلقاء خطبة الجمعة في جامع جامعة طهران أمس (رويترز)
TT

صعد المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي من احتمالات المواجهة بين المؤسسات الحاكمة في البلاد والشارع الإيراني الغاضب من نتيجة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها محمود احمدي نجاد بولاية ثانية، وذلك بعدما ألقى خامنئي خطبة صلاة الجمعة أمس وحملت رؤية المؤسسة الحاكمة ولم تتضمن أي «تسويات أو حلول وسط» بشأن الأزمة الحالية. وفي لغة مباشرة من دون رتوش حذر خامنئي المتظاهرين من مواصلة التظاهرات، وقال إن قادة الاحتجاجات سيتحملون المسؤولية عن أي عواقب وذلك في رسالة ضمنية إلى زعيم الحركة الإصلاحية مير حسين موسوي الذي يستعد أنصاره للقيام بمظاهرة الساعة الرابعة بالتوقيت المحلي في ميدان «انقلاب» أو ميدان الثورة وسط طهران. وقال خامنئي في خطابه الذي لم يتضمن تراجعا عن أي من مواقفه السابقة، وإن تضمن محاولة مصالحة مع الرجل الذي يمكن أن يقيله من منصبه وهو رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني، إن «الشعب اختار من يريد» لرئاسته. ودافع خامنئي عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي قال إنه الفائز الحقيقي بالانتخابات الرئاسية، ونفى أي احتمال أن تكون الانتخابات زورت. وقال في أول خطاب له للإيرانيين منذ بداية الاضطرابات «نتيجة الانتخابات تأتي من صناديق الاقتراع لا من الشارع»، موضحا أنه لن يرضخ للشارع الإيراني. وتابع أن «النزال الدائر في الشارع خطأ، وأريده أن ينتهي». وحذر من أنه «إذا اختار البعض طريقا آخر غير المشاركة في الاحتفال بالانتخاب»، فسيتدخل عندها للتنديد بهم أمام الشعب. كما قال: «على المسؤولين السياسيين الذين لديهم نفوذ على الشعب أن ينتبهوا جيدا إلى سلوكهم. لأنهم إذا تصرفوا بشكل متطرف، فإن هذا التطرف سيبلغ حد اللاعودة.. وسيكونون مسؤولين عن إراقة الدماء والعنف والفوضى.. اليوم تحتاج الأمة الإيرانية إلى الهدوء». ورد المرشح الإصلاحي الرئاسي الخاسر في الانتخابات مهدي كروبي على خامنئي فورا داعيا إلى إعادة إجراء الانتخابات، قائلا: «اقبلوا إرادة الأمة الإيرانية بإلغاء الانتخابات وضمان نجاة المؤسسة».

وقال مسؤول إيراني إصلاحي كبير إن الإيرانيين الذين يعرفون خامنئي لم يفاجأوا بما قال، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «الذين يعرفونه كانوا يتوقعون ما قاله اليوم. فالتشدد في المواقف معروف عنه. لقد تحدث كقائد تيار وليس كقائد أمة». وأوضح المسؤول الإيراني الذي لا يستطيع الكشف عن هويته أن موقف خامنئي المتشدد يأتي من أن «الصراع يدور حول موقعه، هو يدافع عن موقعه.. ودائما ما ينظر للشعب من برج عال ولا يرى المد قادما». ودافع خامنئي عن نتائج الانتخابات الرئاسية، قائلا إن «نظام الجمهورية الإسلامية لا يسمح بالتزوير وارتكاب الخيانة». وأضاف المرشد الأعلى: «كيف يمكن أن يكون هناك تزوير والفارق بين المرشحين وصل 11 مليون صوت.. وليس بفارق ضئيل». واعتبر أن «الانتخابات أظهرت ثقة الشعب في النظام الإسلامي»، مستشهدا بنسبة المشاركة الاستثنائية فيها التي بلغت 85%. وقدم خامنئي دعمه الكامل لاحمدي نجاد، مؤكدا أن «آراء الرئيس أقرب إلى آرائي» من آراء الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي دعم موسوي خلال الحملة الانتخابية. وأضاف «أرى بعض الرجال أكثر كفاءة من غيرهم لخدمة البلد. ولكن الشعب قال كلمته». وشدد المرشد الأعلى على أنه لم يتدخل خلال الحملة الانتخابية لمصلحة احمدي نجاد، مؤكدا أن «ما كنت أريده لم يقل للشعب»، قائلا إنه لن يسمح بأي إجراءات غير قانونية، وأن على الذين يريدون الاعتراض أن يسلكوا الطرق الدستورية. وحضر صلاة الجمعة مع خامنئي الآلاف من الإيرانيين من بينهم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ومحسن رضائي أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية ورئيس السلطة القضائية آية الله شهرودي، في حين دعا المرشحان الآخران مير حسين موسوي ومهدي كروبي إلى مقاطعة خطبة المرشد الأعلى. ولم يظهر موسوي أو أي من الرئيسين السابقين اللذين دعماه خلال حملته؛ الإصلاحي محمد خاتمي وأكبر هاشمي رافسنجاني ـ الذي اصطدم بأحمدي نجاد قبل الانتخابات ـ في خطبة خامنئي، في مظهر نادر لانقسام القيادة في إيران.

لكن وفي محاولة رمزية لسد الفجوة وإنهاء الخلافات العميقة بينه وبين رفسنجاني، عبر المرشد الأعلى عن رفضه التام للاتهامات التي وجهت عبر وسائل الإعلام لرفسنجاني بالفساد، وقال إن الأخير «قائد مخلص وسيد من السادة، ولا يجوز توجيه تلك الاتهامات له». ويبدو أن الاعتذار الضمني الذي وجهه خامنئي إلى رفسنجاني، هدف إلى تحييد رفسنجاني خلال الصراع الحالي. يذكر أن رفسنجاني يمكن بحسب صلاحياته الحالية كرئيس لمجلس الخبراء مساءلة المرشد الأعلى وإطاحته من منصبه. وبينما لم يتحدث رفسنجاني علانية منذ الأزمة الحالية، إلا أنه يتحرك بتنسيق مع قادة الإصلاحيين كما أن ابنته فائزة رفسنجاني حضرت وخاطبت تجمعا لأنصار موسوي في طهران قبل أيام. والسيناريو الذي يقلق كبار الإصلاحيين هو أن تؤدي جهود خامنئي، خصوصا تلك التي من وراء الستار، إلى تفاهم ضمني بين المرشد ورفسنجاني مما يفقد معسكر مير حسين موسوي حليفا أساسيا وأحد أقوى رجال النظام الإيراني سواء في حوزة قم أو في البازار. إلا أن عدم حضور رفسنجاني خطاب خامنئي يظهر حجم الشقاق بين الرجلين. كما انتقد خامنئي الإساءات التي وجهت لأحمدي نجاد خلال الحملات الانتخابية، قائلا: «إن ذلك لا يليق برئيس قانوني وشرعي للبلاد»، كما وجه انتقادات إلى جميع الأطراف في الانتخابات قائلا إن «الحملات الانتخابية حوت شتائم مخجلة». وقال إن جميع المرشحين الأربعة الذين تقدموا للانتخابات هم أبناء الجمهورية الإسلامية، «وجميعهم مخلصون للنظام الإسلامي والثورة»، واصفا الرئيس الإيراني احمدي نجاد بأنه «خادم مخلص لأمته وقائد موثوق به».

وقال مصدر إيراني تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من طهران إن تأثير تهديدات خامنئي الضمنية للمتظاهرين ستظهر اليوم من خلال حجم وكثافة مشاركة الإيرانيين في مظاهرة «ميدان انقلاب» بوسط طهران. وأوضح المصدر الذي لا يريد الكشف عن هويته: «هذه أول مرة يتحدث فيها خامنئي حول عدم التظاهر منذ بدأت الأزمة. التحذير من التظاهر يمكن أن يؤثر في مظاهرات الشارع لأن هناك خوفا من أن تكون كلمة خامنئي هي الضوء الأخضر للتصعيد ضد المتظاهرين.. يجب أن ننتظر لنرى». وفي النهاية ندد خامنئي بشدة بموقف الدول الغربية من الانتخابات في بلاده. وقال إن «دبلوماسيي كثير من الدول الغربية الذين كانوا يتحدثون معنا حتى اليوم بلهجة دبلوماسية، كشفوا عن وجههم الحقيقي، وفي مقدمهم الحكومة البريطانية». كما حمل على وسائل الإعلام الدولية بشدة، قائلا إن «الصهاينة» يقفون خلفها، وإن «أعداء الجمهورية الإسلامية» يحاولون عبر تلك الوسائل هز ثقة الشعب الإيراني بقيادته ونظامه وإفقاده الشرعية الشعبية. وأضاف: «تصريحات المسؤولين الأميركيين عن حقوق الإنسان والقيود المفروضة على الشعب غير مقبولة لأنهم ليس لديهم أي فكرة عن حقوق الإنسان بعد ما فعلوه في أفغانستان والعراق ومناطق أخرى من العالم. لسنا بحاجة إلى أن نأخذ النصيحة منهم فيما يتعلق بحقوق الإنسان». وردد المصلون من وراء خامنئي «الله أكبر.. الموت لإسرائيل.. الموت لأميركا.. الموت لبريطانيا». وفي علامة على الغضب الإيراني الرسمي إزاء الانتقاد العالمي للعنف الذي أعقب الانتخابات كتب على إحدى اللافتات «لا تدعوا قلم الأجانب يكتب تاريخ إيران». ورد المرشح الرئاسي الإيراني المهزوم مهدي كروبي فورا على كلمة خامنئي داعيا إلى إلغاء نتيجة انتخابات إيران. وفي رسالة مفتوحة ستسلم إلى مجلس صيانة الدستور، أعلى هيئة تشريعية في البلاد، قال كروبي أمس: «اقبلوا إرادة الأمة الإيرانية بإلغاء الانتخابات وضمان نجاة المؤسسة». ونشر الخطاب بموقع كروبي على الإنترنت. وينظر مجلس صيانة الدستور في شكاوى من المرشحين الخاسرين الثلاثة، لكنه قال إنه سيعيد فقط فرز بعض صناديق الاقتراع المتنازع عليها لكنه لن يلغي الانتخابات حسبما يطالب به مير حسين موسوي المتحدي الرئيسي لاحمدي نجاد.

إلى ذلك أعلنت السلطات الإيرانية رفضها الترخيص لتظاهرة طلب أنصار موسوي تنظيمها اليوم. وأعلن محافظ طهران مرتضى تمدن أن التظاهرة التي يعتزم أنصار مير حسين موسوي تنظيمها في طهران لم يرخص لها، كما نقلت عنه وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (ايسنا). وقال تمدن إنه «لم يتم إصدار أي ترخيص.. آمل، على ضوء عدم صدور ترخيص، أن لا تجري هذه التظاهرة». وأضاف أن التظاهرات التي نظمها أنصار موسوي خلال الأيام الفائتة احتجاجا على إعادة انتخاب محمود احمدي نجاد كانت بدورها «غير شرعية». إلا أن جيلدا، شابة إيرانية في العشرينات، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن المتظاهرين سيخرجون كما هو مقرر ولن يتراجعوا، موضحة: «لم نأخذ تصريحا بالخروج من قبل. لم يقل لنا أحد تظاهروا. نحن قررنا التظاهر للإعراب عن رفضنا لنتائج الانتخابات وسنواصل ذلك». وتابعت: «التظاهرات ما زالت عفوية أكثر منها منظمة بإحكام.. الناس تخرج من أعمالها كل يوم وتتجه إلى مكان التظاهر لا إلى منازلها». وفي تطور آخر ندد المرشح المحافظ الذي حل ثالثا في الانتخابات محسن رضائي بالتجاوزات التي حصلت في هذه الانتخابات، مؤكدا أنه في بعض الدوائر الانتخابية بلغت نسبة الاقتراع 140%، بحسب ما أورد موقع «تبناك» الإلكتروني أمس. ونقل الموقع عن رضائي قوله إنه «عندما أقدم (لائحة) الدوائر الـ170 التي تراوحت فيها نسب المشاركة بين 95% و140%، هل يكون كلامي في العموميات أم يجب النظر في هذا الأمر». وكان كمران دانيشجو المسؤول عن الانتخابات في وزارة الداخلية أكد أن المرشحين الثلاثة الخاسرين في الانتخابات الرئاسية يتحدثون في «العموميات» عندما يتحدثون عن مخالفات وتجاوزات شابت العملية الانتخابية.

ولا توجد في إيران لوائح شطب للناخبين ويمكن للناخب نظريا أن يقترع في أية دائرة يريدها، ولكن أعداد الناخبين في الدوائر معروفة عمليا، والناخبون التابعون لدائرة ما يقترعون فيها. وتأتي تنديدات رضائي فيما تنتظر إيران اليوم رد فعل الإصلاحيين على خطاب خامنئي. وسيكون حجم المظاهرات والكلمة المقرر أن يلقيها موسوي مؤشرا على ما إذا كانت تحذيرات خامنئي قد أثرت على المد العام لتظاهرات الشارع أم أن المد بات خارج السيطرة. يذكر أن موسوي كرر لأنصاره أنه لن يرضى بإعادة فرز بعض الدوائر وأنه لا بد من إعادة الانتخابات كلها.