آية الله علي خامنئي يتمتع بسلطات واسعة.. لكن هل هي مطلقة؟

المرشد كان عنيدا وأساء قراءة الحالة المزاجية للشارع الإيراني

صورة لوكالة (إ. ب. أ) أخذتها من خدمة صور موتكس المستقلة تظهر الشرطة الايرانية تتصدى لحشود المتظاهرين في طهران أمس
TT

طلب آية الله على خامنئي مرشد الجمهورية الإيرانية بوقف احتجاجات الشوارع على نتيجة انتخابات رئاسة مثيرة للجدل في إيران مما وضعه في واجهة صراع على القوة قد يتحول إلى أعمال عنف دامية في إيران. وبعد كلمة خامنئي أول من أمس والتي حذر فيها بلهجة شديدة المتظاهرين من مواصلة التظاهر، توجهت الأنظار إلى إيران أمس لمعرفة شيئين أولا: ما إذا كان الشارع الإيراني سيستجيب للتهديدات. وثانيا: حدود سلطة خامنئي.

ففي خطبته الفريدة من نوعها والتي تعد أشد خطاب له منذ توليه منصب الولي الفقيه، تطرق خامنئي (69 عاما) إلى قانون مكافحة الشغب موجها حديثه لأي شخص يشكك في نزاهة الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي، وفاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد بفارق كبير على منافسه المعتدل مير حسين موسوي. وقال خامنئي لعشرات الآلاف من المصلين في طهران في كلمة نقلها التلفزيون ولم تحصل المعارضة من ورائها على أي تنازلات «إذا كانت هناك أي إراقة للدماء، فإن قادة الاحتجاجات سيتحملون المسؤولية المباشرة». وقال أنوش احتشامي وهو خبير في الشؤون الإيرانية بجامعة ديرام البريطانية لـ«رويترز» إن خامنئي أوضح أن الأمور أصبحت خطيرة. وأضاف «كان عنيدا للغاية وبإمكاني القول إنه أساء تماما قراءة الحالة المزاجية للناس لأنه لم يبد أي اهتمام بمطالبهم الأساسية». وبدا أن خامنئي الذي لا يمكن من الناحية النظرية الاعتراض على سلطته وفقا للنظام المعقد في إيران والقائم على ولاية الفقيه والديمقراطية المحدودة، كأنه يقدم حياته فداء للجمهورية الإسلامية في كلمات اختتم بها خطبته التي غلبت عليها العاطفة وجلبت الدموع إلى عيون أنصاره. يذكر أن اليد اليمنى لخامنئي شلت في محاولة اغتيال عام 1981.

وقال خامنئي «سنفعل ما يجب علينا فعله. أملك حياة لا قيمة لها وجسدا عليلا وشرفا ضئيلا منحتموني إياه. إنني أضع كل هذه الأشياء في قبضة يدي لكي أستخدمها في طريق الثورة والإسلام». وقال محللون إن الرسالة التي أراد خامنئي إيصالها هي أن تحدي رغبته يرقى إلى حد ارتكاب عمل مناوئ للثورة. ويمنح تأييد خامنئي المعلن لأحمدي نجاد معسكر موسوي خيارا شاقا وهو إما الرضوخ أو مواجهة الأجهزة الأمنية والتشريعية بكامل قوتها. ويشمل معسكر موسوي الكثير من عناصر النخبة الدينية والسياسية في البلاد مثل الرئيسين السابقين أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. ولم ترد أي أنباء بشأن كيف سيرد موسوي رئيس الوزراء السابق وأنصاره البارزون على هذا الأمر. وقال احتشامي إنه يشكك في قدرة الأشخاص المحسوبين على المؤسسة الرسمية على تحدي خامنئي الذي اتهم من يجزمون بأن الانتخابات تعرضت للتزوير بأنهم لعبة في يد أعداء إيران في الخارج.

وأضاف «لكن إذا أصر موسوي على موقفه فستكون هناك أعمال عنف.. إذا شعرت المعارضة أنه ليس هناك أمل من خلال الإجراءات القانونية المعروفة فهل ستقرر حمل السلاح.. نحن بالفعل في مرحلة صعبة». ولتعزيز مطلبه وقف الاحتجاجات فإن بإمكان خامنئي استدعاء الحرس الثوري الإيراني وميليشيا الباسيج وقوات أخرى، لكن محللين يقولون إن هذا الأمر ستكون له كلفة سياسية. وقال علي أنصاري وهو محلل لشؤون إيران بجامعة سانت أندروز «كل ما ستؤدي إليه هذه الخطوة هو وضع الزعيم في قلب الصراع». وأضاف «ستؤدي إلى طمأنة قاعدته ودوائره الانتخابية الأساسية التي ستعتقد أن هذه القيادة هي الأقوى، أما من سيظلون غير مقتنعين فسيشعرون بالاشمئزاز كما كانوا من قبل». وقال أنصاري «بالنسبة لشخص يدعو إلى الهدوء في أنحاء البلاد، فإنه سيكون ببساطة قد عزز سياسات الاستقطاب في البلاد». ويتحكم خامنئي الذي اختير لخلافة الزعيم الثوري الإيراني آية الله روح الله الخميني عند وفاته عام 1989 في القوات المسلحة وله القول الفصل في كل شؤون الدولة بما في ذلك السياسة النووية والعلاقات مع الولايات المتحدة. لكن الأحداث التي شهدها الأسبوع المنصرم عندما تجاهل مئات الآلاف من الإيرانيين دعوات خامنئي لتأييد أحمدي نجاد وقبول النتيجة الرسمية للانتخابات وعدم النزول إلى الشارع ربما تكون قد أضرت بسلطته بصفته من يملك القول الأخير.

وقال مهرداد خونصاري وهو ناشط إيراني معارض يعيش في المنفى في لندن «خامنئي لا يمكنه اتخاذ موقف محايد. وأيا كان ما سيفعله فإنه سينحاز إلى أحد الطرفين». ورأى كريم سجادبور وهو زميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن الصراع على السلطة الذي زادت حدته الانتخابات ينقل إيران إلى أراض لم تدخلها من قبل. وكتب عشية خطبة خامنئي قائلا «الخطوط الحمراء التي كانت مقدسة في السابق في إيران تقابل بتحد الآن. لم يحدث في السابق أن بدأ الناس يتحدون علنا شرعية خامنئي بصفته الزعيم الأعلى أو أن يشككوا بالفعل في شرعية مؤسسة الزعيم الأعلى».

وقد يشعر خامنئي فيما تتعرض سلطته للخطر أنه مضطر لقمع الاحتجاجات ضد الحكومة وهي الأكثر انتشارا في إيران منذ الثورة حتى إن كان هذا يعني مواجهة ائتلاف موسوي الواسع الذي يضم زعماء معتدلين ومحافظين. وقال أنصاري «أمامنا صيف طويل. والمشكلة هي أنه سيحصل على استقرار في المدى القصير ولكن على حساب انعدام الأمن في المدى البعيد». ويظهر استمرار المظاهرات العنيفة اليوم في الشارع الإيراني أن خامنئي وإن كان يتمتع بأقوى سلطة في إيران، فإن هذه السلطات لم تعد مطلقة وأن التحدي له يأتي من الجيل الثاني للثورة.