السينما الإيرانية تنبأت بالتوترات الحالية

شهدت ازدهارا في عهد خاتمي.. ومخرج سينمائي أحد المتحدثين باسم موسوي

TT

منذ بداية التسعينات وحتى منتصف العقد الحالي، اجتذبت أعمال صناع الأفلام الإيرانيين اهتمام النقاد ومحبي السينما ولجان التحكيم في المهرجانات في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي دخلت فيه الثقافة السينمائية الإيرانية الثرية تاريخيا، والخاملة إلى حد كبير في ظل الثورة الإسلامية والحرب الطويلة مع العراق، مرحلة مميزة من إعادة التجدد. وقد حقق مخرجان على وجه التحديد وهما عباس كيارستمي، ومحسن مخملباف، شهرة عالمية بفضل أفلامهما الغنائية البارعة، التي تعكس الذات وتتناول الحياة الإيرانية.

وتعد ثلاثية أفلام كيارستمي عن بلدة كوكر المحلية قبل أن يضربها زلزال مدمر وبعده – «أين هو منزل الصديق؟» (1987)، و«الحياة ولا شيء أكثر من ذلك» (1991)، و«عبر أشجار الزيتون» (1994) ـ تأملات فلسفية ثرية في ذاكرة السينما وتجاربها وطبيعتها، وفي الوقت ذاته أعمال تهدف إلى الاستكشاف الاجتماعي في أسلوب واقعي جديد.

وتتميز أفلام مخملباف، بأنها على درجة كبيرة من الوعي بحقيقة مكانتها كأعمال فنية سردية وملتزمة بالتفتيش في بعض من الحقائق الشائكة في الحياة الإيرانية. وفي السياق الحالي، ربما يكون الفيلم الذي أخرجه عام 1996 «لحظة براءة» مهما بصورة خاصة، حيث إنه عبارة عن مقال درامي متعدد الطبقات عن القتال والمصالحة، يستكشف تبعات حادثة عنيفة وقعت في فترة شباب مخملباف الثورية. «وليست مصادفة أن مخملباف في الوقت الحالي واحد من أهم المتحدثين باسم مير حسين موسوي، رئيس الوزراء الأسبق والمرشح الرئاسي، الذي أشعل الإعلان رسميا عن خسارته المشكوك فيها على مستوى واسع في الانتخابات في الأسبوع الماضي مظاهرات الاحتجاج الحالية».

وكان نطاق الموضوعات، التي كان هذان المخرجان وزملاؤهما قادرين على التطرق إليها، وأنواع الصور التي يستخدمونها، مقيدا بنظام رقابي صارم غير مرن على الإطلاق. وكان يتم التعامل مع القضايا السياسية بصورة غير مباشرة، بل وكان المزيد من الحذر ضروريا في تناول أي شيء يتعلق بالجنس أو حياة النساء. ونتجت عن تلك القيود سلسلة من الأفلام المميزة عن الأطفال، التي يتم تصوير أحداثها في مساحات طبيعية مفتوحة، وأحياء حضرية تنبض بالحياة، بسبب التابوهات المفروضة على كيفية ظهور تعامل الرجال والنساء معا خلف الأبواب المغلقة. وكان ازدهار السينما الإيرانية في التسعينات دليلا على التخفف من بعض الصرامة الثقافية والسياسية، وشعور مؤقت بالحاجة إلى التغيير. وكان محمد خاتمي في منصب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ما بين عامي 1989 و1992 يشجع على التوسع في إنتاج الأفلام، وجاء انتخابه للرئاسة في عام 1997 (في فوز ساحق غير متوقع) بعد أقل من أسبوع من فوز كيارستمي بالسعفة الذهبية مناصفة في مهرجان كان عن فيلم «مذاق الكرز.» وكان هذان الانتصاران، اللذان تزامنا تقريبا، وباسترجاعهما اليوم، يرمزان إلى إمكانية أن تصبح إيران ليبرالية وعالمية نسبيا، أو على الأقل إلى صعود سياسي لقوى ذات نظرة أكثر خارجية وتصالحية داخل المجتمع الإيراني. ولكن أصبح الواقع أكثر غموضا، حيث تميزت فترة خاتمي في الرئاسة بالإحباط الذي أصاب الطموحات الإصلاحية أكثر من تنفيذها.

ولكن في الأعوام الثمانية ما بين انتخابه وانتخاب محمود أحمدي نجاد، استمرت السينما الإيرانية، بمصادقة رسمية أو بدون، في الإثمار. وبرز مخرجون شبان أمثال جعفر بناهي، تلميذ كيارستمي، وسميرة ابنة مخملباف، بأعمال كانت توجه النقد بصورة مباشرة للظروف الاجتماعية الإيرانية أكثر من أسلافهم. وتحول تركيز الأفلام من الريف إلى المدن ومن الأطفال إلى النساء والمحاربين القدامى واللاجئين والفقراء، وحقق الوعي بالذات توازنا مع شعور قوي متزايد بالواقع.

ولا يمكن الإيجاز في الحديث عن أي سينما قومية، ودائما ما تكون الأفلام نافذة غير كاملة على العالم. ولكن عند مشاهدة أفلام مثل: «التفاحة» (1998) أول أفلام سميرة مخملباف؛ و«الدائرة» (2000)، و«الذهب القرمزي» (2003) و«تسلل» (2006)، لبناهي، وأفلام عاطفية للمخرج مجيد مجيدي (ومنها «لون الجنة» و«باران»)؛ وأفلام باهمان غوبادي الشاعرية عن كردستان، نرى صورا وقصصا تضيف عمقا ومعنى لملفات الفيديو التي التقطها الهواة، وللرسائل الواردة على موقع «تويتر» في الأسابيع الماضية. ونرى فيها الفوارق بين الطبقات، وقسوة الدولة، واضطهاد المرأة ووسائل مقاومتها، وتقاليد الكرم والضيافة، وفوق كل ذلك رغبة في الجدال.

ويمكن أن يبدو الفيلم الإيراني النموذجي سلسلة طويلة من المشاحنات العائلية ـ في جلبة من الآراء والمصالح المتعارضة، تتميز بالخصومة والتهذيب، وبالعنف والأبوية في الوقت ذاته، ولكن يبدو أنها لا تنتهي أبدا. وكذلك يبدو الشعور بالديمقراطية أيضا. وفي هذا الصدد تقدم لنا السينما الإيرانية في الأعوام الأخيرة توقعا بما يحدث في الوقت الحالي، خلف الشاشة.

* خدمة «نيويورك تايمز»