رفسنجاني في قم يبحث الأزمة مع آيات الله.. واعتقال 5 أفراد من عائلته في طهران

رئيس مجلس الخبراء يبحث كل الخيارات من بينها تشكيل مجلس قيادة من آيات الله

جانب من المظاهرات التي نظمت دعما للمعارضة الإيرانية في برلين أمس (رويترز)
TT

في مؤشر على تفاقم حدة الخلافات داخل إيران، أعلنت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية اعتقال 5 أشخاص من عائلة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ورئيس مجلس الخبراء، وأحد أكثر المسؤولين نفوذا في النظام الإيراني، على أكبر هاشمي رفسنجاني. وأوضحت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، أن أفراد عائلة رفسنجاني اعتقلوا خلال مشاركتهم في مظاهرة مؤيدة لزعيم التيار الإصلاحي مير حسين موسوي، أثناء التظاهرات العنيفة التي شهدتها إيران أول من أمس. وجاء الاعتقال فيما قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن رفسنجاني الذي يزور مدينة قم منذ عدة أيام، التقى مع كبار آيات الله في الحوزة، لبحث الأزمة السياسية الراهنة. وأوضحت المصادر أن رفسنجاني يحمل أفكارا عديدة يبحثها مع آيات الله، وأعضاء مجلس الخبراء، الذي يترأسه للخروج من الأزمة. فيما قالت مصادر أخرى، إن رفسنجاني يحمل أفكارا من بينها تشكيل مجلس للقيادة من كبار آيات الله في قم، و«ذلك لحماية النظام من مخاطر جمة قد تؤدي إلى تهديده» إذا استمرت الأزمة السياسية الحالية، والاستقطاب المفتوح بين التيارين الإصلاحي والمحافظ. وقالت تلك المصادر: «في ضوء الصلاحيات الدستورية، التي يتمتع بها رفسنجاني ومجلس الخبراء، فمن واجبه أن ينظر في كل المقترحات. فمجلس الخبراء مناط به الإشراف على أداء المرشد الأعلى، وإذا ساهم ذلك الأداء في تعزيز الخلافات بين أبناء الجمهورية الإسلامية، يجب أن يحاول مجلس الخبراء استعمال صلاحياته لدعم النظام». وحول اعتقال أفراد عائلة رفسنجاني أمس، ذكرت مصادر رسمية إيرانية من بينها قناة «العالم» الإخبارية، أن السلطات الإيرانية اعتقلت خمسة من أفراد عائلة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، بسبب مشاركتهم في مظاهرة غير مرخص بها. فيما قال موقع «تابناك» الإلكتروني على شبكة الإنترنت، والقريب من سكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محسن رضائي، المقرب من رفسنجاني، أن « خمسة أشخاص من أعضاء أسرة الشيخ رفسنجاني اعتقلوا أمس، بمن فيهم ابنته فائزة هاشمي». وأوضح الموقع أن «من بين الأشخاص الذين اعتقلتهم السلطات الإيرانية ابنته فائزة هاشمي، وزوجة حسين مرعشي، وهى إحدى أقارب العائلة وابنتها وشقيقتها». وذكرت بعض المواقع الإخبارية الأخرى أن «هؤلاء الخمسة وجدوا أمس، في التظاهرة غير القانونية، التي نظمت في شارع آزادي وسط طهران، وكانوا يقومون بتحريض مثيري الشغب أمس. إلا أن وكالة «فارس للأنباء» نقلت عن مسؤول أمني قوله، إن فائزة رفسنجاني وبعض أقاربها كانوا يشاركون في الاحتجاج، وتم التحفظ عليهم «حفاظا على سلامتهم من الأعمال الإرهابية التي يرتكبها مثيرو الشغب» .وقالت الوكالة إنهم نقلوا إلى أقرب «قاعدة عسكرية»، وتم التحفظ عليهم هناك إلى حين انتهاء الاضطرابات، في إشارة إلى أنه تم إطلاق سراحهم. وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بمكتب مهدي رفسنجاني، مسؤول العلاقات العامة لوالده ومدير مكتبه، بدون جدوى بسبب تعطل التليفونات في إيران. يذكر أن فائزة رفسنجاني، تعد أنشط أبناء رئيس مجلس الخبراء الإيراني سياسيا واجتماعيا. وقد أسست في التسعينيات أول صحيفة متخصصة لشؤون النساء وهي «زن» وكان لها فيما بعد دور كبير في تشجيع الصحافة النسائية المستقلة. وخلال حملة الانتخابات الرئاسية ساندت بشكل علني حملة المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، وخرجت في تظاهرات علنية مؤيدة له. كما خرجت في مظاهرات أخرى مؤيدة له بعد إعلان النتيجة، وخطبت في تجمع لأنصار موسوي وسط طهران قبل أيام، مما أدى إلى إعلان منعها من السفر هي وشقيقها مهدي رفسنجاني. إلا أن وكالة «ارنا» الرسمية بعد يومين من إعلان منعها من السفر، عادت ونفت الخبر. وجاء نفي الخبر يوم الجمعة، متزامنا مع محاولة المرشد الأعلى لإيران تهدئة التوترات مع رفسنجاني بقوله في خطبة الجمعة، إن رفسنجاني «سيد من الأسياد» وإن اتهامات الفساد التي وجهت له، على لسان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لم يكن ينبغي أن تذكر. ويأتي ذلك فيما قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن رفسنجاني الموجود حاليا في مدينة قم، قلب المؤسسة الدينية في إيران، يبحث مع أعضاء في مجلس الخبراء، الذي يرأسه، ومراجع دينية في الحوزة العلمية بقم، أفكارا لعلاج الأزمة السياسية المحتدمة في طهران. ومن ضمن الأفكار المطروحة، تشكيل مجلس قيادة جماعي، أو مواصلة الضغط على المرشد الأعلى لإيران حتى يقبل بجولة انتخابات ثانية. وقال مصدر مطلع، إن أكثر من 50 عضوا من مجلس الخبراء، الذي يتكون من 88 عضوا، يدعمون رفسنجاني. وبالتالي فإنه إذا فضل رئيس مجلس الخبراء خيارا فوق خيار آخر في التعامل مع هذه الأزمة، فإنه سيجد دعم أغلبية مجلس الخبراء. ومن المعروف أن مجلس الخبراء الذي تشكل عام 1982 ويتكون من 88 عضوا، مناط به مراقبة أداء المرشد، ومساءلته وعزله إذا أساء استخدام سلطاته، أو كان مريضا أو غير قادر على الوفاء بمتطلبات المنصب. وقال مصدر آخر: إن «لرفسنجاني نفوذا كبيرا في قم، وتململ رجال دين كبار في قم من الطريقة التي أدار بها خامنئي البلاد خلال السنوات العشر الماضية، ليس خافيا على أحد. حتى كبار آيات الله، الذين لم يكونوا يتحدثون علانية، وجدوا أنفسهم مرغمين على الإعلان عن أفكارهم بسبب عدم رضائهم عن ما يحدث. خامنئي لديه سلطة في طهران، والحرس الثوري حوله والمؤسسة التنفيذية تطيعه بشكل مطلق. لكنه لا يستطيع المغامرة بخسارة تأييد ودعم كبار آيات الله. ربما عندما يجد تحركات جدية في قم ضده، يغير انحيازه لأحمدي نجاد». ومن المعروف أن لآيات الله في قم نفوذا روحيا كبيرا، خصوصا بين مقلديهم. وكان للفتاوى، التي أطلقها رجال الدين من قم خلال حكم شاه إيران، دور كبير في الإطاحة به. ومن الواضح أن تحركات رفسنجاني غير خفية على السلطات في طهران، فالكثير من السياسيين المحافظين انتقدوا رفسنجاني بسبب صمته خلال الأزمة. كما أن أسرته تعرضت لانتقادات متزايدة. أما في قم فإن النقمة الأكبر هي على الطريقة التي أدارت بها السلطات الرسمية المواجهات مع المتظاهرين في الشارع، مما أدي إلى مقتل العشرات وإصابة المئات. وكان آية الله العظمي يوسف صانعي، قد «حرم شرعا» التعامل مع حكومة أحمدي نجاد، مشككا في نتائج الانتخابات. أما آية الله العظمى علي منتظري، فقد انضم إلى المنتقدين للانتخابات ونتائجها. وأصدر بيانا على موقعه قال فيه: «لا أحد يمكن أن يصدق الأرقام التي ذكرت حول نتائج الانتخابات»، موضحا أن النظام يعالج اتهامات موسوي بحدوث تزوير ثم المظاهرات العارمة في المدن الإيرانية بـ«أسوأ طريقة ممكنة.. الحكومة التي لا تحترم أصوات الناس ليست لها شرعية دينية أو سياسية، وأسأل الشرطة ورجال الأمن ألا يبيعوا دينهم. إن تلقي الأوامر من القيادات لن يعفيهم من المسؤولية أمام الله»، واختتم منتظري بقوله: «إن المسألة أصبحت مصداقية النظام في أعين الشعب». من جهته، دعا أية الله عبد الكريم موسوي اردبيلي «المسؤولين المعنيين» إلى التعامل مع اعتراضات المرشحين «بشكل محايد» وإصدار «حكم مقنع». يذكر أن العديد من كبار آيات الله في قم، يعارضون مبدأ ولاية الفقيه مثل آية الله وحيد خروساني، فيما يميل آخرون إلى «مجلس فقهي» من 3 أو 4 من كبار آيات الله، تحكم بدلا من شخص واحد. على أن تقوم المراجع الدينية باختيار مجلس الحكم هذا. ومن آيات الله الذين يدعمون هذه النظرية، آية الله جواد آملي، والراحل آية الله بهشتي، وآية الله طاهر خرام آبادى. كما أن هناك آيات الله يؤيدون نظرية الولاية المشروطة للفقيه، وهي تعني أن يكون الولي الفقيه محاسبا من قبل الشعب، وسلطاته مقيدة. ومن مؤيديها آية الله منتظري، وآية الله مطهراني.