التيار الصدري: 129 حكما بالإعدام صدرت بموجب معلومات من مخبرين سريين

القضاء العراقي يقرر عدم الاكتفاء بمعلوماتهم ومعاقبتهم على الكاذبة

رجل أمن عراقي يراقب طابورا من السجناء في طريقهم للإفراج عنهم ببغداد (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي وجه فيه مجلس القضاء الأعلى قضاة التحقيق، بعدم الاكتفاء بمعلومات المخبر السري، لإصدار الأحكام والمطالبة بأدلة وإثباتات، اعتبر نواب الكتلة الصدرية هذا التوجيه بأنه جاء متأخرا، وان هناك مئات من العراقيين يواجهون حكم الإعدام بسبب مخبرين «غير مستقلين بل كانوا أدوات من قبل بعض الأحزاب النافذة للإيقاع بخصومهم».

ووجه مجلس القضاء الأعلى بجلسته الأخيرة، قضاة التحقيق كافة، بوجوب التثبت من مصداقية المعلومات التي يدلي بها المخبر السري، واعتبار أقواله «مجرد إخبار لا يقوم بمفرده دليل لإصدار أمر بالقبض أو الاستقدام، ما لم يدعم هذا الإخبار بدليل أو قرينة»، وأضاف التوجيه، أن «في حالة تبليغ المخبر السري لتدوين أقواله قضائيا،ً وعدم حضوره من دون عذر مشروع، فللمحكمة أن تستخلص من ذلك قرينة على عدم صحة الإخبار المجرد».

كما أكد المجلس وجوب التثبت من صحة أوامر القبض، التي تقدم للتنفيذ ولزوم تدوين هوية من قدمها بالكامل؛ لاتخاذ الإجراءات الجزائية ضده إذا ظهرت أنها مزورة.

وحكاية المخبرين السريين مع العراقيين ليست حديثة العهد، بل سبق وان عانوا هذا الأمر منذ عقود طويلة، ومع وصول الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين إلى السلطة، وصل الأمر إلى أن الجميع كان يخشى التحدث بأمور السياسة في أي مكان حتى داخل البيوت. ويقول سائق تاكسي عراقي، انه تعامل مع المخبرين، الذين كانوا يزودون القوات الأميركية بالمعلومات، فقد كانوا مضطرين إلى استخدام سائق يثقون به فانكشافهم يعني القتل. وأكد انه «في بداية 2004 وما تلاها كان هناك نساء ورجال يجمعون المعلومات، ويتقاضون مبالغ بحسب نوعية المعلومة ودقتها، ويرتفع المبلغ كلما كانت المعلومة دسمة، وتأتي بنتائج ايجابية مثل إعطاء معلومة عن مكان شخص مطارد من قبل الأميركيين أو التخطيط لعملية ضد قواتهم». البرلمانية المستقلة صفية السهيل، والمطلعة على ملف حقوق الإنسان داخل البرلمان، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «توجيه مجلس القضاء الأعلى الأخير نابع من ضرورة التعامل مع موضوع المخبر السري بحساسية كاملة، لان الكثير من القضايا التي واجهها القضاء كانت بسبب معلومات كيدية، قدمها مخبرون لم يقدموا أي إثباتات، بل أن أخبارهم كيدية، وهذا ما تسبب في دخول العديد للسجون من دون أي ذنب مقترف. وهذا الأمر أرهق القضاة أيضا، ناهيك عن كونه انتهاكا لحقوق الإنسان العراقي».

وبشأن إمكانية تعويض المتضرر من المعلومات الكيدية، قالت السهيل، إن «من حق المتضرر رفع قضية ضد الجهة التي اتخذت إجراءات خاطئة ضده من دون التأكد من الثبوتات، وأيضا من حق المتضرر مقاضاة مجلس القضاء الأعلى، وعلى الدولة إلغاء هذه الحلقة بعد تحقق الأمن، والاعتماد على أجهزتها الأمنية الاستخباراتية، فلماذا وجدت هذه الأجهزة أصلا، إذا بقي الاعتماد على مخبرين سياسيين؟».

ضابط تحقيق وهو برتبة مقدم حقوقي، أكد أن «موضوع المخبر السري، وإن كان حلقة مهمة للحصول على المعلومات، التي تعتمد في الاستدلال على جرائم وقضايا تخص الإرهاب، لكن هذه الحلقة تسببت في مشاكل في بعض الأحيان»، مشيرا إلى أن «هذه المشاكل تتعلق بالشخص الذي قدمت المعلومات ضده، فهناك أمر بإلقاء القبض سيصدر ضده وسيحقق معه ويعرض على القضاء مرة واثنتين، وهنا يطلب القاضي حضور المخبر، لكن في أكثر المرات لا يحضر، وبذلك لا يتم اعتماد كلامه كدليل، وفي الجانب الآخر يقضي المعتقل أسبوعين أو أكثر في السجن من دون ذنب، فنحن جهة تنفيذية وننفذ أوامر القضاء فحسب».

من جانبه، قال أحمد المسعودي، المتحدث باسم الكتلة الصدرية داخل البرلمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «توجيه مجلس القضاء هي خطوة بالاتجاه الصحيح، لكنها جاءت متأخرة جدا، إذ إن هنالك عشرات الآلاف من أبناء العراق بصورة عامة، وليس من أبناء التيار الصدري، فقط، يرزحون داخل السجون ويعذبون بشدة بسبب مخبر سري، والتي كانت ورقة سياسية استخدمت من قبل بعض الأحزاب المهيمنة على السلطة في سبيل الانقضاض على الجهات السياسية المنافسة لها».

وقال المسعودي، إن المخبر السري أحيانا شخص ليس مستقلا بل منتم لجهة سياسية، وأضاف متسائلا «هل من المعقول أن يحاكم 150 شخصا مرة واحدة عن قضية واحدة وجميعهم ابلغ عنهم مخبر سري واحد؟»، وأوضح أن «هذا حدث في منطقة الديوانية، وتبين أن 70% من المخبرين هم ليسوا من أهل الديوانية، بل من مدن أخرى ولم يزوروا المنطقة أبدا، إذ إن هذا الأمر استخدم بطريقة سياسية، ولهذا نجد عشرات الآلاف من أبناء التيار الصدري في السجون».

وقال المسعودي، إن «هناك 129 حكما بالإعدام صدرت بحق أبناء التيار في مدينة الديوانية وحدها، ناهيك عن الأحكام الأخرى في بقية المدن، جميعها بنيت على أساس المخبر السري».

جميع هذه التساؤلات وضعت أمام احد قضاة محاكم الاستئناف، الذي بين انه على الرغم من أن هذا التوجيه صدر مؤخرا، لكنه معمول به ضمنيا في المحاكم العراقية منذ سنتين تقريبا، أي منذ صدور قانون المخبر السري.

وأضاف القاضي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، أن «المخبر يعتبر مصدرا ضمن مصادر الأجهزة الأمنية، لكن الأجهزة القضائية لا يمكنها الاعتماد على كلام المخبر لإصدار مذكرة إلقاء قبض، فعليه جلب شاهدين وأيضا يتم تدوين كافة المعلومات عن المخبر، وبخلافه لا نصدر مذكرة قبض، وهذا الأمر مطبق منذ سنتين، حتى مع عدم وجود توجيه، بل العمل القضائي يتطلب ذلك».