البحرين: وقف أقدم الصحف المحلية بعد مقال وجه انتقادات لاذعة لإيران

كاتبة المقال وعضو مجلس الشورى لـ«الشرق الأوسط»: ما قلته يتداول على نطاق واسع في طهران

صحافيون يعملون في مكاتب الصحيفة (رويترز)
TT

فاجأت السلطات البحرينية الوسط الإعلامي في بلادها، بإيقاف صحيفة «أخبار الخليج» أقدم الصحف المحلية عن الصدور أمس، قبل أن يصدر قرار آخر، بالسماح بعودتها للصدور من جديد اليوم، وذلك بسبب مقال نشرته الصحيفة أول من أمس لكاتبة بحرينية وعضوة في مجلس الشورى، اعتبر أنه «يمس بعلاقات البحرين بدولة جارة» كما قالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» بالعاصمة البحرينية المنامة.

وفيما لم تصدر الصحيفة أيضا على موقعها على الإنترنت، اكتفت الصحيفة، على الموقع ذاته، بنشر خبر مقتضب قالت فيه «على ضوء أوامر من السلطات المختصة تم إبلاغها إلى الأستاذ أنور عبد الرحمن رئيس تحرير «أخبار الخليج» بعد منتصف ليلة أمس تقرر وقف صدور جريدة «أخبار الخليج» حتى إشعار آخر لأمور لها علاقة بمخالفة قانون المطبوعات.. وعلى ضوء ما تقدم تم حجب الجريدة عن الصدور ليلة أمس بعد أن كان العدد الذي من المفترض أن يصدر صباح اليوم على وشك الطبع».

وفيما لم تفصح السلطات البحرينية رسميا عن السبب في إيقاف الصحيفة، يقول المسؤولون عن الصحيفة إن مقال الكاتبة سميرة رجب والذي كان تحت عنوان «الجمهورية الإسلامية.. الغضب الشعبي العارم»، هو السبب في إيقاف الصحيفة، وقال أنور عبد الرحمن في تصريحات صحافية أمس إن موقف صحيفته من إيران هو سبب حجب الصحيفة.

وراجت أنباء غير مؤكدة، أن السفارة الإيرانية في المنامة، قدمت احتجاجا لوزارة الخارجية البحرينية، عن ما سمته «تجني» المقال على المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وعلى الرئيس الإيراني وعلماء الدين الشيعة.

وتعد صحيفة «أخبار الخليج» التي صدرت في فبراير 1976 إحدى أقرب الصحف اليومية في البحرين للتوجهات الحكومية، وهو ما كان مفاجئا للشارع البحريني من عدم الاكتفاء بإنذار الصحيفة، كما تنص المادة 84 من قانون تنظيم الصحافة، قبل إيقافها عن الصدور، وهي حالة شبه نادرة في الوسط الصحافي البحريني، علما بأن هذه هي المرة الثانية التي يتم إيقاف الصحيفة ذاتها منذ صدورها قبل ثلاثة وثلاثين عاما.

وفي اتصال هاتفي مع الكاتبة البحرينية وعضوة مجلس الشورى سميرة رجب، التي تسببت بمقالها في إيقاف صحيفة «أخبار الخليج»، قالت إن أيا من مسؤولي الدولة لم يتصل بها «كما أني لم أتلق أي موقف رسمي حول المقال المثير للجدل»، مضيفة «لكن إذا كانت الدولة تراعي مصالحها في هذا الإيقاف فهذا من حقها، لكن في كل الأحوال مثل هذا القرار (إيقاف الصحيفة) أستطيع أن أؤكد، يمس بحرية الصحافة وحرية الرأي».

وردا على سؤال حول الألفاظ التي استخدمتها في المقال، والتي قد تثير حساسية سياسية بين بلادها وإيران، ردت رجب بالقول إن مقالها «لم يأت بشيء خارج عن المألوف، فما قلته عن إيران ونظامها الحاكم، ليس جديدا بل هو يتداول على نطاق واسع في طهران نفسها، بل حتى حديثي عن أصول الرئيس محمود أحمدي نجاد اليهودية، قاله مرشح الرئاسة في الانتخابات الأخيرة مهدي كروبي في مناظرة علنية».

غير أن سميرة رجب قالت في الوقت ذاته إنها لتكتب مقالاتها هذه «كوني عضوة في مجلس الشورى، فأنا صحافية وسأظل صحافية قبل أن أدخل لمجلس الشورى، وكتاباتي تعبر عن رأيي وليس عن كوني عضوة في البرلمان البحريني». وكانت المقالة قد احتوت على ما اعتبر هجوما شرسا على المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي الذي اعتبر المقال خطبته الجمعة الماضية بأنها «فصل من البكائيات»، وقالت سميرة رجب في مقالها «كم كان مؤسفا مشاهدة المرشد الأعلى ينهي خطابه السياسي بفصل من البكائيات عندما قال بالفارسية «مَن جان ناقابَلِي دارَم... مَن جسم ناقصي دارَم»، أي (أنا روحي فداؤكم، رغم أني أملك جسما ناقصا وضعيفا)، بعد فاصل خطابي كان يحوي الكثير من التهديد والوعيد للمعارضين، فقابله المصلون بالبكاء في مشهد مسرحي مترادف».

ولم يسلم الرئيس نجاد من قذائف الكاتبة رجب التي اعتبرته من أصول يهودية، عندما ذكرت في مقالها «فلأول مرة يطعن قادة الثورة الإيرانية في أصول بعضهم الدينية والمذهبية، عندما تعرض مهدي كروبي في مناظرة انتخابية على شاشات الفضائيات إلى جذور «الرئيس» نجاد قائلا: أنا اسمي الكامل مهدي بن فلان بن فلان كروبي، فما هو اسمك الكامل، فجاء جواب الطرف الثاني ليقول «أنا محمود أحمدي نجاد» متفاديا ذكر اسم عائلته التي يعرفها الإيرانيون أنها عائلة يهودية الأصل والاسم، وكان مهدي كروبي يحاول كشفه أمام الجماهير».

لكن اللافت في أن المقال المثير للجدل والذي تسبب في إيقاف الصحيفة، ظل متاحا على موقع الصحيفة على الشبكة العنكبوتية، ولم يتم سحب المقال من الموقع حتى وقت متأخر من أمس.

وسارعت جمعية الصحافيين البحرينية صباح أمس إلى إصدار بيان تضامني مع صحيفة «أخبار الخليج» بعد قرار وقفها عن الصدور، وقالت الجمعية إنها تشعر بقلق بالغ مما اتخذته وزارة الثقافة والإعلام من قرار بحق صحيفة «أخبار الخليج» عن الصدور حتى إشعار آخر، «وإن جمعية الصحافيين تدعو الوزارة إلى إعادة النظر في قرارها هذا، تعزيزا لأجواء الحرية والديمقراطية التي تشهدها البحرين في ظل قيادة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى». وأعربت الجمعية عن قلقها البالغ كذلك لكون قرار حجب صدور «أخبار الخليج» جاء إداريا وليس قضائيا كما ينص عليه مرسوم بقانون رقم 47 لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، «كما جاء القرار مفاجئا ومخالفا للقانون».

وشددت الجمعية على النهج المتوازن والمعتدل «الذي تنتهجه كل صحفنا الوطنية ومساهماتها الجمة في دفع مسيرة الحريات والديمقراطية وتنوير الرأي العام وتعزيز مكانة البحرين الصحافية في العالم»، مؤكدة أن حجب صحيفة «أخبار الخليج» عن الصدور «شكل مساسا بأجواء الحرية التي يطمح كافة الصحافيين والصحافيات في البحرين إلى تعزيزها مع صدور القانون الجديد للصحافة والنشر».