ثورة إيران.. ثورة الإنترنت

تخطت دورها كوسيلة إعلام وتحولت إلى أداة تنسيق بين المشاركين في الاحتجاجات

TT

في مثل هذا الشهر منذ عشرين عاما، كان توماس في طريقه إلى واشنطن، بينما كان يضع جهاز راديو ترانزستور قرب أذنه اليسرى في أثناء جلوسه بالقرب من النافذة بهدف التقاط إرسال أفضل. ورغم أنه أميركي من أصول صينية ويمثل الجيل الرابع من أسرته داخل الولايات المتحدة، لم يتمكن من كبح رغبته في الاستماع إلى آخر أنباء الأزمة القائمة في ميدان تيانامين. قال إن الأمر الوحيد الذي كان باستطاعته القيام به آنذاك «الاستماع». إلا أن الحال اختلف هذه المرة عندما أراد أن يتتبع أخبار إيران. فبمجرد أن نما إلى مسامعه أنباء خروج الإيرانيين في مسيرات في الشوارع في أعقاب إعلان فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد، سارع توماس البالغ من العمر 60 عاما، والذي يسكن في إنديانابوليس، إلى الدخول على شبكة الإنترنت. وإلى جانب استعراض ما أوردته المواقع الإخبارية البارزة، عمد إلى التجول بمختلف المدونات بحثا عن مواد تتعلق بالانتخابات الإيرانية المتنازع حولها. على موقع «فيسبوك»، حيث يحظى بـ260 صديقا، غير صورته الرئيسة إلى شعار يحمل عبارة «أين أصواتهم؟» ـ سعيا من جانبه لإظهار التضامن مع أنصار زعيم المعارضة مير حسين موسوي. بعد ذلك، اشترك في موقع Error! Hyperlink reference not valid.، حيث يمكن للمستخدمين عرض محتوى يتنوع ما بين صور ومقاطع فيديو وأجزاء من مدونات ورسائل من «تويتر». وأطلق على الصفحة الخاصة به اسم «أزادي من أجل إيران». يُذكر أن لفظ «أزادي» يعني «الحرية» بالفارسية.

طوال الأسبوع الماضي، انتشرت على شبكة الإنترنت فكرة مفادها أن «تيانامين + تويتر = إيران». بيد أن الأمر في حقيقته لا يتعلق بما يطلق عليه «ثورة تويتر» فحسب. إنها مجرد عبارة شهيرة ـ على غرار «انتخابات يوتيوب» و«تأثير فيسبوك»، وما إلى غير ذلك ـ تحاول الكثير من وسائل الإعلام التي تمثل التيار الرئيس من خلالها تفهم كيفية تمكن الأفراد من ممارسة حياتهم في ظل هذا العصر المتميز بالشبكات الاجتماعية. في ظل هذا العالم ينتج عن بعث رسالة بموقع «تويتر» من كندا إنشاء صفحة تأييد على موقع «فيسبوك» في الولايات المتحدة، الأمر الذي يقود بدوره بعد ذلك إلى عرض مقطع مصور من إيران على موقع «يوتيوب». إلا أن هذه المواقع لا تعدو كونها أدوات تسمح للأشخاص بالتواصل بشأن عدد من الأفكار. يعتقد توماس الذي يتولى تدريس تكنولوجيا المعلومات في جامعة إنديانا، بجامعة بوردو بإنديانا بوليس، أن المعادلة الأدق تتمثل في «تيانامين + شبكة الإنترنت = طهران». إلا أنه من غير الواضح بعد ما ستتمخض عنه هذه النشاطات على شبكة الإنترنت من تداعيات داخل وخارج إيران. وأكد توماس أن «الأمر الوحيد الذي لا يروقني بشأن هذا التشابه أنني آمل في أن ينتهي الوضع الراهن في طهران على نحو أفضل عما حدث في تيانامين». ومن بين التساؤلات التي تفرض نفسها حاليا: هل ستتفاقم الأوضاع داخل إيران على مثل هذا النحو بما يدفع الرئيس باراك أوباما الذي يتمتع بخبرة شخصية في مجال الحملات الشعبية، لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد أحمدي نجاد؟ وهل سيثبت مشهد المقتل البشع لندا أغا سلطان البالغة من العمر 26 عاما، أنه صيحة استنفار حقيقية ودائمة، وأنه أكثر من مجرد تفاعل من قِبل «يوتيوب» مع لحظة انفعالية معينة؟ (سُئل أوباما في المؤتمر الصحافي الذي عقده أول من أمس في البيت الأبيض إذا كان شاهد مقطع الفيديو الخاص بمقتل ندا، أجاب أوباما بأنه شاهده، وقال: «إنه يدمي القلب». وكرر يقول: «إنه يدمي القلب. وأعتقد أن كل من يشاهده يدرك أن في هذا الشأن أمرا بالغ الظلم»).

لا يملك مينه نغوين البالغ من العمر 31 عاما (مهندس البرمجيات في لوس أنجليس) إجابات قاطعة لهذه التساؤلات، لكنه الشخص الذي أنشأ صفحة ندا على موقع «ويكيبيديا» مساء السبت الماضي. وبعد أقل من يومين، جرى تعديل الصفحة 300 مرة على الأقل. وتساءل نغوين في إطار مقابلة أُجريت معه عبر الهاتف مساء الاثنين: «هل الكتابة على صفحة من (فيسبوك) بينما تجلس بسلام في عملك، وهل مشاهدة مقطع مصور على يوتيوب، كافية حقا؟ لا أدري». يعتقد علي رضا نغافي، الذي وُلد وترعرع في طهران، لكنه يعيش حاليا في هيوستون، أن ذلك أكثر مما يكفي. في الوقت نفسه الذي أنشأ نغوين فيه صفحة ندا على «ويكيبيديا»، أقام نغافي صفحة لها على «فيسبوك». بحلول الثالثة صباح الثلاثاء، كان عدد المشتركين بها 2.180. وبعد مرور اثنتي عشرة ساعة، وصل العدد إلى 16 ألفا. وقال نغافي البالغ من العمر 28 عاما، الذي يعمل في مجال العقارات: «جميعنا أفراد يرغبون في التواصل مع عائلات وأصدقاء وزملاء في العمل آخرين عبر شبكة الإنترنت، وإخبارهم بما حدث لندا. وهذا أمر قوي. تلقيت الكثير من رسائل البريد الإلكتروني. إنها قوية. والآن، تفكر المجموعة في التقدم بالتماس إلى الولايات المتحدة لإعلان 20 يونيو (حزيران) يوم ندا». في الواقع، التقنية الحديثة وحدها ليس بمقدورها خلق ثورة، لكن من الممكن أن تشكل أداة للديمقراطية. تدرك السلطات الإيرانية هذا الأمر، ولذلك فقد عمدت الحكومة الإيرانية إلى تقليص القدرة على الدخول إلى شبكة الإنترنت في أعقاب انتخابات 12 يونيو (حزيران). كما انهارت خدمة تبادل الرسائل النصية. ومع ذلك، لا يزال بعض الإيرانيين قادرين على تجاوز أجهزة الرقابة التابعة للحكومة من خلال عبقريتهم، وبمعاونة أنصارهم خارج إيران ممن يمتلكون دراية جيدة بشبكة الإنترنت والذين أنشأوا أجهزة خادمة تعمل في الوكالة كي يستخدمها الإيرانيون. لكنّ هناك تخبطا، حيث يعمل بعض الأجهزة، بينما لا يعمل البعض الآخر. صباح الاثنين، قام مشترك في «تويتر» ببعث رسالة إلى أنصاره البالغ عددهم 108، قال فيها: «إدارة جهاز يعمل بالوكالة؟ هل أنتم على ثقة من أن هذا العمل يجدي؟ عليكم اختبار هذا الأمر باتباع التعليمات الواردة هنا». كما يتبادل أعضاء الموقع إرشادات حول تغيير مواقعهم إلى طهران من أجل تشتيت السلطات الإيرانية التي تستهدف مستخدمي «تويتر» داخل البلاد. الأسبوع الماضي، بدل ديفيد جينكينز (45 عاما، محلل معني بالحاسب الآلي من كندا) موقعه داخل حسابه على موقع تويتر من أونتاريو إلى طهران. وقد تدفقت المحتويات على نحو مستمر لدرجة دفعت موقع Error! Hyperlink reference not valid.، الذي يتولى اقتفاء مواقع الشبكات الاجتماعية، إلى عرض «ترتيب زمني للإعلام الاجتماعي» يوم الاثنين، وهو عبارة عن تأريخ يومي للأحداث التي أعقبت الانتخابات، يظهر موقع شبكة الإنترنت الذي شكل المصدر الأول للمعلومات بالنسبة إلى الكثيرين. وفي اليوم الأول من التظاهرات في إيران، اشتكى بعض المشتركين بموقع «تويتر» من بطء القنوات الإخبارية البالغ في تغطية الأحداث. ومنذ ذلك الحين، أصبح من المستحيل تقريبا التوافق مع سرعة تدفق المعلومات عبر شبكة الإنترنت، وكذلك التعرف على المعلومات الدقيقة والأخرى المفتقرة إلى الدقة. إلا أن ذلك لم يمنع الحشود التي تستخدم شبكة الإنترنت من إبداء اهتمام شديد بهذه المعلومات، أو إسراع الكيانات العملاقة على شبكة الإنترنت لمحاولة اللحاق بتدفق المعلومات. جدير بالذكر أن محرك البحث «غوغل» أضاف مؤخرا اللغة الفارسية إلى خدمة الترجمة المجانية المتوافرة لديه. وبالمثل، أتاح «فيسبوك» نسخة باللغة الفارسية منه. في هذا الصدد، قال كلاي شيركي مؤلف كتاب «هنا يأتي الجميع: قوة التنظيم دون منظمات»: «تلك هي اللحظة التي يشارك فيها العالم في السياسات العالمية. إننا نشهد تناميا مستمرا للرغبة في المشاركة الفعلية في المشهد الإعلامي من قِبل أفراد اقتصر دورهم من قَبل على كونهم مستهلكين فحسب. من الآن فصاعدا، تعمل وسائل الإعلام ليس كمصدر للمعلومات فحسب، وإنما كأداة للتنسيق». ورغم أنه ليس جميع الأشخاص داخل إيران يتمتعون بقدرة الدخول إلى شبكة الإنترنت، تعد البلاد موطنا لحركة نشطة على صعيد المدونات، وهو أمر لا يثير الدهشة بالنظر إلى أن 70% من السكان أقل من 30 عاما. وأشار مقطع فيديو تبلغ مدته دقيقتين ويحمل اسم «إيران: بلد من المدونين»، أنتجه طلاب بكلية فانكوفر للأفلام نوفمبر (تشرين الثاني)، إلى أن إيران بها 700 ألف مدونة على الأقل. من بينها قرابة 100 ألف مدونة نشطة، ومعظمها باللغة الفارسية. في إطار هذه المدونات، يناقش المدونون «قضايا محظورة» مثل القضايا السياسية والعاطفية. ومع أن المدونات المحافظة تدعم أحمدي نجاد والدولة الإيرانية، تتحدث المدونات الليبرالية دفاعا عن حقوق المرأة وتطالب بالإصلاح السياسي، طبقا لدراسة أجراها مركز «بيركمان» للإنترنت والمجتمع داخل جامعة هارفارد حول المدونات الإيرانية. تقول كيت تريميلز التي كتبت نص مقطع الفيديو: «يمكنك أن ترى عبر الكتابات الموجودة في المدونات، وما يقوله الإيرانيون عبر شبكة الإنترنت، أن الإيرانيين المنتقدين للنظام الحالي يستغلون التقنية في تقديم أنفسهم بصورة مختلفة إلى العالم الخارجي». أول ما يقوم به تشاس دانر عندما ينزل من القطار الذي يستقله عادة بين مانهاتن وبروكلين تفحص جهاز آي فون الخاص به لقراءة أي رسائل جديدة من موقع «تويتر» ترد إليه بشأن إيران. انشغل دانر (30 عاما) بشدة عندما بدأ الإيرانيون عرض صور ومقاطع فيديو على موقع «تويتر» منذ ما يزيد على أسبوع مضى. وبدأ في الكتابة حول هذا الأمر في المدونة التي أنشأها منذ عدة شهور، لكنه نادرا ما كان يستخدمها. ثم أنشأ قناة على يوتيوب معنية بإيران قام من خلالها بتحميل مقاطع فيديو التقط معظمها إيرانيون. من بين المقاطع مقطع يستغرق عرضه دقيقتين ونصفا سجلته شابة إيرانية تتحدث خلاله باللغة الفارسية عن الأوضاع داخل بلادها، بينما يصيح جيرانها: «الله أكبر» من فوق أسطح المنازل. وحظي هذا المقطع بإقبال بالغ دفع دانر لتحميله على القناة الخاصة به ومرفق به ترجمة كاملة بالإنجليزية. وعلق دانر على الأمر بقوله: «عندما نسمع ـ نحن الأميركيين ـ الناس يقولون: (الله أكبر)، يثير هذا في أذهاننا عادة فكرة أن (تلك هي العبارة التي يقولها الإرهابيون قبل أن يهاجمونا). لكن هذا التفكير يتسم بقصر نظر بالغ. عندما سمعت عبارة (الله أكبر) في هذا المقطع، سمعت صوت الأمل في أمر أفضل، الأمل في حياة أفضل».

كان دانر أحد المتطوعين لصالح باراك أوباما. وأكد أنه شعر بالارتباط بـ«الإيرانيين الشباب الساعين نحو التغيير». مساء الجمعة، بعث دانر مقطع الفيديو المترجم إلى «هفنغتون بوست»، التي تستضيف مدونة حية مستمرة اجتذبت أكثر من 85 ألف تعليق. وكان المقطع واحدا من أكثر المقاطع التي جرت مشاهدتها على موقع «يوتيوب» خلال عطلة نهاية الأسبوع، وحتى الآن وصل عدد المشاهدات إلى 107 آلاف مشاهدة. يقول دانر، وهو طالب بـ«ذي نيو سكول»، خلال مقابلة أُجريت معه: «في نهاية الأمر، لا نعلم ماهية التأثير الذي نخلفه جميعا على شبكة الإنترنت. إن الأفراد من شتى أرجاء العالم يطّلعون على ما يجري في إيران. لكن عليك أن تأخذنا ـ نحن بقية العالم ـ خارج المعادلة. في نهاية اليوم، يرغب الناس في إيران في مجرد الاستماع إلى أصواتهم». وأضاف دانر: «تخيل ماذا كان يحدث لو تمكنت آن فرانك من الدخول إلى شبكة الإنترنت».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»