إيران قد تخفض العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا.. ولندن تعتبر القرار مؤسفا ولا أساس له

وزير الاستخبارات الإيراني يقول إن حاملي جوازات سفر بريطانية شاركوا في الاحتجاجات

وزير الاستخبارات الايراني غلام حسين محسن ايجائي يتحدث للصحافيين اثر اجتماع لمجلس الوزراء في طهران أمس (أ ف ب)
TT

أسفت بريطانيا، أمس، لتدهور العلاقات بينها وبين إيران، وانتقدت رد طهران «المؤسف جدا» في مواجهة الاضطرابات الناجمة عن نتائج الانتخابات بعد إعلان إيران أنها تدرس تخفيض مستوى علاقاتها معها، إلا أنها أكدت أنها تريد علاقات «بنّاءة» مع الجمهورية الإسلامية. وجاء الموقف البريطاني على لسان متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء غوردن براون، ردا على تقارير نقلت عن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي قوله إن طهران تدرس مسألة تخفيض مستوى علاقاتها مع بريطانيا. وقال المتحدث «إننا نراقب الوضع. لقد أخذنا علما بتلك التقارير. وقد أوضحنا دائما أننا نسعى إلى علاقة ثنائية بناءة مع إيران تقوم على الاحترام المتبادل». وأضاف أن «قرار إيران تحويل ما هو بوضوح شأن داخلي إيراني إلى صراع مع المملكة المتحدة وغيرها، هو أمر مؤسف جدا ولا أساس له».

وانتقدت وزارة الخارجية البريطانية، الثلاثاء، محاولة إيران «تحميل المملكة المتحدة وجهات خارجية أخرى مسؤولية ما هو رد فعل إيراني على مسألة إيرانية» مضيفة أن هذا «غير مقبول».

وكانت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، قد نقلت عن وزير الخارجية الإيراني قوله، أمس، إن طهران تفكر في خفض علاقاتها مع بريطانيا، التي تتهمها بلاده بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع عليها. وأكد متقي أيضا أنه لا يعتزم المشاركة في اجتماع مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى بشأن أفغانستان، والمقرر في العاصمة الإيطالية خلال أيام. ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن متقي قوله «لا أعتزم الذهاب (إلى روما)».

ويرى المراقبون أن قرار متقي بعدم حضور الاجتماع يرجع إلى التوترات مع الغرب بسبب الأزمة الداخلية التي تعاني منها إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية وما أعقبها من أعمال عنف احتجاجا على نتائجها. ونقلت أيضا وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء، أمس، عن غلام حسين محسني اجئي، وزير الاستخبارات والأمن الداخلي، قوله إن بعض الأشخاص الذين يحملون جوازات سفر بريطانية شاركوا في أعمال العنف التي وقعت في الجمهورية الإسلامية بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها. وأضاف أن أحد المعتقلين كان «متخفيا في هيئة صحافي وأنه كان يجمع معلومات يحتاجها الأعداء».

وذكرت الوكالة نفسها، أمس، أن صحافيا يونانيا يغطي الانتخابات لصحيفة «واشنطن تايمز» الأميركية اعتقل. وقال محسني اجئي «كل من يجمع معلومات في إيران تحت أي اسم أو صفة سيعتقل، وحتى الآن اعتقل صحافي أجنبي». وأضاف أيضا بأن «شخصا آخر» اعتقل واستجوب وصودرت المعدات التي كانت معه دون أن يعطي أي تفاصيل. وتتهم إيران المحتجين بأنهم مدعومون من الغرب والولايات المتحدة وبريطانيا على وجه الخصوص وألقت القبض على متظاهرين شبان وعرضت صورهم على شاشات التلفزيون وهم يعترفون بأن قنوات إخبارية أجنبية حرضتهم على هذا. وقالت صحيفة «كيهان» الدولية المحافظة في صدر صفحاتها أمس «مثيرو الشغب يعترفون.. وسائل الإعلام الغربية خدعتنا». ورفضت لندن وواشنطن الاتهامات. وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن الولايات المتحدة لن تتدخل في الاحتجاجات ووصف اتهام بلاده بالتحريض عليها بأنه «كاذب وغير منطقي».

وأعلنت بريطانيا، أول من أمس، أنها ستطرد اثنين من الدبلوماسيين الإيرانيين ردا على طرد طهران اثنين من الدبلوماسيين البريطانيين مع تراجع العلاقات بين البلدين إلى مستويات متدنية عقب الانتخابات الإيرانية. ويقول محللون إن طرد إيران لاثنين من الدبلوماسيين البريطانيين يشير إلى أن طهران تحاول استغلال شكوك عميقة في البريطانيين لتفادي إلقاء اللوم عليها في الاحتجاجات الدموية. والخطوة التي ردت عليها بريطانيا بأن أمرت اثنين من الدبلوماسيين الإيرانيين بمغادرة لندن، تمثل مزيدا من التدهور في العلاقات المتوترة بالفعل بسبب دعم بريطانيا لفرض عقوبات أكثر صرامة ضد إيران بشأن برنامجها النووي. ويبرز طرد الدبلوماسيين أيضا غضب إيران من قناة فضائية تلفزيونية باللغة الفارسية أطلقتها هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي» وتمولها الحكومة البريطانية، تبث أخبارا عن الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات في إيران. وقالت كلير سبنسر رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة «تشاتام هاوس» لوكالة «رويترز» «أعتقد أن لهذا علاقة كبيرة بمحاولة إيجاد وحدة وطنية من خلال خلق عدو خارجي مشترك وهم البريطانيون تقليديا».

وترجع الشكوك الإيرانية في لندن إلى فترة حكمها الاستعماري في الشرق الأوسط ودعمها لانقلاب من تدبير الولايات المتحدة أطاح برئيس الوزراء الذي كان يتمتع بشعبية، محمد مصدق، الذي أمم شركة النفط البريطانية الإيرانية. وقال سياسي بريطاني إن إيران تتحرك ضد بريطانيا لأنها «تريد كبش فداء أجنبيا دون مواجهة الولايات المتحدة مباشرة».

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد قال إن أميركا مستعدة لمد يد السلام لإيران إذا «أرخت قبضتها»، وكان حريصا على ألا يبدو أنه يتدخل في شؤونها. وشدد من حدة انتقاده لإيران أول من أمس، حيث وصف مشهد موت الشابة ندا التي قتلت بالرصاص خلال مشاركتها بالاحتجاجات في طهران، بأنها «تفطر القلب». وقال مايك غيبس، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان البريطاني، لـ«رويترز» «صد أوباما في هذه المرحلة المبكرة لن يكون سياسة حكيمة». وقطعت إيران العلاقات مع بريطانيا قبل 20 عاما بعد أن أهدر الزعيم الثوري آية الله روح الله الخميني دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي بعد نشر كتابه «آيات شيطانية». وتم رفع مستوى العلاقات إلى تبادل السفراء عام 1999 لكن مسألة رشدي ظلت مصدرا للتوتر. وقالت روزميري هوليس، الخبيرة في الشرق الأوسط بجامعة سيتي في لندن، لقناة «سكاي نيوز» التلفزيونية، إن دعم بريطانيا للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق المجاور عام 2003 وإطلاق «بي.بي.سي» قناة باللغة الفارسية في الآونة الأخيرة، يغذيان الشكوك الإيرانية في التدخل البريطاني.

وتم تدشين الخدمة الفارسية بتلفزيون «بي.بي.سي» في يناير (كانون الثاني) الماضي، بتمويل قدره 15 مليون جنيه استرليني (24.7 مليون دولار) في العام من الحكومة البريطانية. وزادت «بي.بي.سي» من عدد الأقمار الاصطناعية التي تبث القناة بعد أن شوشت إيران على إرسالها. وطردت إيران مراسل «بي.بي.سي» في طهران جون لين بسبب تغطيته للانتخابات. وفي الأسبوع الماضي قال الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، إن بريطانيا هي «الأكثر غدرا» بين أعداء إيران.

وانخفض حجم التجارة بين الدولتين بسبب العقوبات التي تم فرضها على إيران في الأعوام الأخيرة. لكن غرفة التجارة البريطانية الإيرانية أشارت إلى أن صادرات السلع البريطانية لإيران ارتفعت بنسبة واحد في المائة في الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2008 إلى 363.4 مليون جنيه استرليني. وزادت الواردات البريطانية من إيران بنسبة ثلاثة في المائة إلى 63.9 مليون جنيه استرليني. غير أن التجارة بين بريطانيا وإيران أقل كثيرا من التجارة بين إيران ودول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا. ويقول علي الأنصاري، مدير معهد الدراسات الإيرانية بجامعة «سانت أندروز» في اسكوتلندا، إن «العلاقات بين بريطانيا وإيران ستأخذ منعطفا حادا نحو التراجع لأنهم (إيران) بحاجة لكبش فداء».