لم يطاول التعديل الوزاري الذي لجأ إليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وأعلن عنه مساء أول من أمس، الحقائب السيادية الرئيسية، إذ بقي وزير الخارجية برنار كوشنير ووزير الدفاع هيرفيه موران في منصبيهما، مما يدل على استمرار السياسة الخارجية والدفاعية على ما هي عليه. كذلك بقيت وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد في منصبها، مما يمكن أن يؤشر أيضا إلى استمرارية السياسة الاقتصادية والإصلاحية التي تنتهجها حكومة فرنسوا فيون الذي بدأ الشهر الماضي عامه الثالث على رأس الحكومة. وفي الأسابيع الماضية، بدأ فيون بالترويج لفكرة تلازم بقاء الحكومة زمنيا مع الولاية الرئاسية من خمس سنوات. غير أن التعديل الأخير الذي حصل تقريبا في منتصف ولاية الرئيس الفرنسي، جاء أوسع مما كان متوقعا، إذ خرج من الحكومة ثمانية وزراء، ودخل ثمانية جدد وتم تبديل واسع في الحقائب. وأهم الخارجين وزيرة العدل، رشيدة داتي، التي تنتقل من ساحة الفاندوم حيث مقر وزارة العدل إلى البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، مصحوبة بوزير الزراعة ميشال بارنيه المرشح لاحتلال منصب مفوض أوروبي في تركيبة المفوضية الجدية. وكان ساركوزي قد طلب من داتي الترشح للانتخابات الأوروبية في المرتبة الثانية بعد بارنيه على لائحة الاتحاد من أجل حركة شعبية، بعد أن أصيبت علاقاتها مع الرئيس ببعض النفور. واستعاض الرئيس الفرنسي عن داتي المتحدرة من أصول مهاجرة، بأخرى من أصول مهاجرة هي نورا براح التي عهد إليها بمنصب وزيرة الدولة لشؤون المتقدمين في السن. وبراح هي طبيبة ونائبة في البرلمان الأوروبي وهي ابنة مجند جزائري خدم في الجيش الفرنسي، وتبلغ من العمر 46 عاما. وتنضم نورا براح إلى زميلتها وزيرة الدولة لشؤون المدينة فاضلة عمارة المتحدرة أيضا من أصول جزائرية، وكانت تحتل المنصب نفسه قبل التعديل. لكن داتي تبقى الوزيرة من أصل مهاجر ومغاربي التي أعطيت أرفع منصب وزاري في الجمهورية الفرنسية.
ومع فراغ منصب وزير العدل، نجح ساركوزي في إقناع وزيرة الداخلية ميشال أليوماري في التخلي عن منصبها السابق والانتقال إلى العدل، مع رتبة وزيرة دولة التي تتقاسمها مع وزير البيئة جان لويس بورلو، وبذلك تكون الشخصية الثانية في الحكومة بعد فيون. وفائدة هذا التعيين أنه أتاح للرئيس الفرنسي أن يسند لصديقه بريس هورتفو، وزير العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة السابقة، وزارة الداخلية، وهي منصب حساس للغاية، مما حمل الحزب الاشتراكي على انتقاد ساركوزي واتهامه بوضع أصدقائه في المواقع الحكومية الأساسية. وعهد منصب وزير الدولة لشؤون الصناعة لصديق ساركوزي الآخر كريستيان أستروزي، رئيس بلدية مدينة نيس المتوسطية.
غير أن الرئيس الفرنسي استفاد من التعديل لضرب خصومه السياسيين وتحديدا الحزب الاشتراكي وحزب الوسط الذي يقوده فرنسوا بايرو. فقد نجح من جهة، في اجتذاب ميشال ميرسيه، عضو مجلس الشيوخ وأمين صندوق حزب ابيرو، وعينه وزيرا للشؤون الريفية وتأهيل المناطق. ويعد هذا التعيين ضربة إضافية للمرشح الرئاسي السابق بايرو الذي كان أكبر الخاسرين في الانتخابات الأوروبية الأخيرة. ومن جهة ثانية، عين ساركوزي رئيس المركز الثقافي الفرنسي ورجل الفن والسينما فريدريك ميتران، ابن أخ الرئيس الأسبق الاشتراكي فرنسوا ميتران وزيرا للثقافة مكان الوزيرة السابقة كريستين البانيل التي خرجت من الحكومة. وينظر إلى هذا التعيين على أنه «ضربة معلم» سياسية لما يحمله اسم ميتران من معان.
وفي باب الوافدين إلى الحكومة الجديدة يبرز اسم بيار لولوش، وزيرا للشؤون الأوروبية وهو مقرب من ساركوزي وسبق أن كلفه بمهمة الممثل الخاص لفرنسا للشؤون الأفغانية والباكستانية وهو معروف بميوله الأطلسية، وكان من أكثر المتحمسين لعودة فرنسا الكاملة إلى الحلف الأطلسي وهو ما تم بداية الشهر الماضي. ولولوش ولد في تونس في عائلة يهودية وتركها في سن الخامسة من عمره. وسيعمل لولوش تحت إشراف وزير الخارجية برنار كوشنير. وكان اسمه قد طرح أكثر من مرة في بورصة التداول وزيرا بما في ذلك مباشرة بعد انتخاب ساركوزي.