خامنئي تحت الضغط ويزداد ضعفا.. و7 أسابيع حاسمة في معركة «الولي المقيد»

مصدر إيراني إصلاحي لـ«الشرق الأوسط»: إذا كان لديك رصاصة تهدد بها ثم أطلقتها.. تصبح أضعف لا أقوى * كروبي: مافيا غيرت نتيجة الانتخابات.. والحكومة الجديدة غير شرعية

ايرانيون يتظاهرون تضامنا مع ضحايا الاضطرابات في إيران في لوس انجليس أمس (أ ف ب)
TT

فيما قال المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي إنه «لن ترضخ المؤسسة ولا الأمة للضغوط مهما كان الثمن.. لأننا إذا فعلنا ذلك ستتعقد كل الأمور» وذلك في كلمة له حول أزمة الانتخابات الإيرانية أمس، صعدت المعارضة الإصلاحية في إيران لهجتها، قائلة على لسان زعيم حزب «اعتماد ملي» مهدي كروبي إن «مافيا غيرت نتيجة الانتخابات» وأن «الحكومة الجديدة غير شرعية». قالت مصادر إيرانية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن المرشد الأعلى لإيران «واقع تحت ضغط كبير» من مؤسسات وشخصيات سياسية ودينية نافذة في إيران، موضحة أن تصريحاته أمس التي قال فيها: «لن ترضخ المؤسسة ولا الأمة للضغوط مهما كان الثمن» تعكس تزايد الضغوط عليه. ويأتي ذلك فيما عاد رئيس مجلس الخبراء ورئيس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني إلى طهران بعد مشاورات أجراها خلال الأيام الماضية مع مراجع التقليد وآيات الله في حوزة قم العلمية. وقالت المصادر الإيرانية لـ«الشرق الأوسط» إن «التحالف الإصلاحي» الذي يضم تيار زعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوي وكروبي والرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، ورفسنجاني وعددا كبيرا من مراجع التقليد الكبار في قم، يتجهون لخوض 7 أسابيع حاسمة في المواجهة بين جناحي النظام في إيران، الإصلاحي والمحافظ. وقال مصدر إيراني إصلاحي مطلع أنه على الرغم من أن حركة الاحتجاجات في الشارع الإيراني خفت إلى حد كبير، فإنه «سياسيا اشتدت التوترات في المؤسسات الحاكمة في البلاد». فيما أوضح مصدر إيراني آخر أن رفسنجاني سعى خلال مشاوراته مع أعضاء مجلس الخبراء وآيات الله في قم ومسؤولين بالنظام إلى وضع أسس جديدة يكون بموجبها «الولي الفقيه» مسؤولا أمام مجلس الخبراء، وليس مطلق الصلاحيات، مشيرا إلى أن هذه الأزمة يمكن وصفها بـ«الثورة الخضراء المشروطة» على غرار «ثورة المشروطية الأولى» التي قادها الإيرانيون قبل نحو 100 عام لتقييد سلطات الشاه. وتابع: «هناك مطالب الآن لأن يكون الولي الفقيه (مراقبا) للنظام وليس قائدا لأركان النظام»، موضحا أن رفسنجاني وآيات الله يرون أنه يمكن عبر الدستور الإيراني والقوانين المنظمة أن يتم جعل المرشد مسؤولا أمام مجلس الخبراء، وأن تكون صلاحياته مشروطة وليست مطلقة. وأوضح المصدر الإيراني، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته، أن الأزمة الحالية أضعفت خامنئي بالفعل، موضحا: «إذا كان لديك رصاصة تهدد بإطلاقها، ثم أطلقتها تصبح أضعف لا أقوى. هذا ما حدث للقائد. لقد استخدم الطلقة التي كانت بيده، قوات الأمن والمؤسسات السياسية التابعة له، ولم يعد لديه شيء يهدد به الآن. وبالتالي أصبح أضعف. واستمرار الأزمة سيجعله أكثر ضعفا خاصة عندما تتزايد الضغوط خلال الفترة المقبلة. هو لا يشعر بالاطمئنان وقلق جدا ويشعر بالوحدة». وشدد المصدر الإيراني على أن الإصلاحيين سيواصلون الضغط بكل الوسائل لإعادة الانتخابات، موضحا أن موسوي وكروبي يعتقدان أن «هذا هو الطريق الوحيد» الآن. وتابع: «هذه الحكومة، (في إشارة إلى حكومة احمدي نجاد) لا يمكن أن تدوم. هناك حالة رفض ليس فقط من قبل الإصلاحيين، بل من قبل رجال الدين». وتسعى المعارضة الإصلاحية إلى إعادة إجراء الانتخابات الإيرانية التي تؤكد أنها شهدت تجاوزات كبيرة غيرت النتيجة. ومن المقرر أن يؤدي محمود أحمدي نجاد اليمين الدستورية أمام البرلمان في وقت ما بين 26 يوليو و19 أغسطس بحسب ما أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، ويتوقع أن تكون الـ7 أسابيع المقبلة فترة شد وجذب سياسي هائل بحسب ما ذكرت مصادر «الشرق الأوسط». وظهرت مؤشرات ذلك بجلاء أمس، فرغم قول خامنئي أن نتائج الانتخابات المتنازع عليها ستبقى كما هي رغم احتجاجات الشوارع، موضحا في كلمته أمام البرلمان الإيراني أمس: «لقد أكدت وسأظل أؤكد تنفيذ القانون في المسألة الانتخابية.. لن ترضخ المؤسسة ولا الأمة للضغوط مهما كان الثمن.. لأننا إذا فعلنا ذلك ستتعقد كل الأمور». رافضا تشكيل لجنة مستقلة لمراجعة النتائج. وأضاف خامنئي: «على السادة (موسوي والخاسر الآخر مهدي كروبي) أن يفهما أن القانون لم يوضع لأوقات الاستقرار فقط، وإنما لجميع الأيام»، بينما قال التلفزيون الحكومي الإيراني أمس إن إعادة الفرز الجزئي للأصوات للانتخابات أكدت نتيجتها، إلا أن مهدي كروبي احد المرشحين الإصلاحيين الخاسرين صعد أمس من حملته ضد نتيجة الانتخابات وتحدى المرشد بقوله في بيان على موقعه الإلكتروني إنه يرفض نتيجة انتخابات الرئاسة وأن الحكومة الجديدة «غير شرعية» وأن «مافيا» غيرت نتيجة الانتخابات. وأضاف «لا أقبل النتيجة ولذا أعتبر الحكومة الجديدة غير شرعية. ونتيجة للمخالفات يتعين الغاء الانتخابات». بدوره تمسك زعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوي بموقفه من أن أفضل سبيل للخروج من المأزق الحالي هو تشكيل لجنة مستقلة. وأوضح موسوي في بيان بثه موقعه على الإنترنت «ومن ثم فإن علينا تشكيل لجنة تقصي حقائق يتعين أن تكون نزيهة وكفئا وشجاعة ومعترفا بها من قبل كافة الأطراف المعنية». وقال البيان على اللجنة أن تحقق بعناية في كل ما أحاط بالعملية الانتخابية. وأضاف البيان «أن التقرير النهائي للجنة لن يعيد الهدوء إلى المجتمع فحسب بل المصداقية للنظام كما أنه سيظهر إيران من جديد كمتصدرة للديمقراطية الإسلامية في العالم».

وقال الصحافي الإيراني ما شاء الله شمس الواعظين لـ«الشرق الأوسط» إنه فيما بدأت الأمور تهدأ على الأرض، فإنها سياسيا بدأت تتفاعل و«تشتد التوترات داخل المؤسسة الحاكمة». وتابع شمس الواعظين: «ليس هناك حل سياسي يلوح في الأفق بعد. وهناك رهانان: الأول أن السلطة تعتقد أنها يمكن أن تحسم المواجهة ميدانيا. والثاني هو رهان موسوي وهو يرى أنه بإمكانه أن يحشد الشارع كي يستمر في الاحتجاجات ويبدو أنه على حق، لأن الإيرانيين ما زالوا يخرجون ويحتشدون». وشدد شمس الواعظين على أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تطورات الأزمة، موضحا: «هناك محاولات سياسية جارية بين كبار شخصيات النظام. فالانقسام داخل النظام لم يبدأ مع الانتخابات بل قبله. وهذه هي الخطورة. فقبل الانتخابات قال رفسنجاني في رسالته الشهيرة للمرشد: أرى الدخان يتصاعد من النار التي تبدو أنها مشتعلة. المؤسسة السياسية كانت منقسمة. وكان الاعتقاد أن الانقسام سوف ينتهي بعد الانتخابات، إلا أن العكس هو الذي حدث، فالانقسام امتد من المؤسسة الحاكمة إلى الشارع ثم إلى المراجع الدينية.. القضية الآن تجاوزت الانتخابات وإعادة الانتخابات، القضية وصلت إلى موقع المرشد وكيف ينحاز إلى جهة على حساب أخرى. قضية ولاية الفقيه وضعت على نار حامية.. وهذا ما ستناقشه إيران في الفترة المقبلة». وأوضح شمس الواعظين أن أداء المرشد الأعلى بسبب الأزمة الراهنة سيتأثر في المستقبل. وتابع: «أعتقد أن الأزمة ستؤثر طبعا على أداء المرشد. الأزمة ستزيد النخبة انقساما، وهذا سينعكس على موقع المرشد ودوره. فقد تبين أن الصلاحيات المعطاة للمرشد أوسع من مستوى شخص واحد بدليل أنه في هذه الأزمة وحتى الآن لم يتمكن من قول الكلمة الفصل. هذا يؤكد أن صلاحياته أوسع من قدرته». وعلى الرغم من التضييقات الأمنية الشديدة وإغلاق غالبية الطرق والميادين الإيرانية وانتشار قوات الباسيج في كل مكان تقريبا، فإن المئات تمكنوا من التظاهر أمس. وقال شاهد عيان لـ«رويترز»: إن أكثر من 200 إيراني تجمعوا أمس في وسط طهران للاحتجاج على نتائج انتخابات الرئاسة. وأضاف أنه لم تقع اشتباكات حتى الآن. وتابع قوله: «تجمع نحو 200 شخص بالقرب من مبنى البرلمان للاحتجاج على نتيجة الانتخابات». وتحدث شهود عيان عن اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الباسيج. وأوضح شاهد عيان «اشتبكت الشرطة مع المحتجين واستخدمت القنابل المسيلة للدموع في تفريق الحشد». كما تحدث شهود عيان آخرون عن تظاهرة في مترو أنفاق طهران القريب من مبني البرلمان حيث كان يتحدث خامنئي، مما اضطر قوات الأمن أولا إلى إلقاء الغاز المسيل للدموع ثم إغلاق محطة المترو كليا. وقال شهود عيان آخرون إن انتشار المئات من عناصر شرطة مكافحة الشغب وميليشيا الباسيج في حي البرلمان في طهران حال دون تظاهر مئات الأشخاص الذين حضروا بقصد الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية، كما أفاد شهود. وطوقت قوات مكافحة الشغب الحي بأكمله اعتبارا من الساعة 00.15 (10.30 تغ)، وسبقت هذا الانتشار شائعات بشأن تظاهرة جديدة عند الساعة الرابعة بعد الظهر بالتوقيت المحلي. وأكد الشهود أن عناصر شرطة مكافحة الشغب الذين ارتدوا الخوذات والدروع وحملوا الهراوات، راحوا يطلبون من الأشخاص الموجودين في المكان الانصراف. وأضاف الشهود أن مئات الأشخاص الذين حضروا إلى المكان بقصد التظاهر اكتفوا بالسير على الرصيف جيئة وذهابا من دون إطلاق شعارات أو هتافات ولا رفع لافتات. وظلت ساحة بهرستان مفتوحة أمام حركة السير ولم تغلق المتاجر أبوابها. ومنعت وزارة الداخلية تنظيم أي تظاهرة خلال الأيام المقبلة. لكن سيكون أمام إيران يوم هام اليوم. إذ ان حجم المشاركة الشعبية في تظاهرات اليوم حدادا على الذين قتلوا خلال المظاهرات السلمية سيكون دليلا على طول نفس الشارع الإيراني في هذه الأزمة.