مصورو الشوارع.. يختفون في أفغانستان

الكاميرات الرقمية تغزو التقليدية وتجبر أصحابها على التحول إلى مهن أخرى

TT

يملك حبيب الله آخر كاميرا صندوقية ما زالت موجودة في شارع «شاري سادرت» بكابل. إنه صندوق كلاسيكي: مهترئ ومدهون بألوان براقة في نهايته عدسات مغبرة وحجرة تحميض مظلمة وبدائية. وأخيرا، قبل نحو العام، كان حبيب الله البالغ من العمر 42 عاما، واحدا من مئات المصورين المحترفين بدأوا مهنتهم بكاميرات صندوقية يدوية الصنع، ونوع من الصور بطيئة الحركة تستخدم تقنيات القرن التاسع عشر. كانت تلك الكاميرات تنتصب بشموخ في شوارع المدينة المزدحمة، تلتقط صورا فوتوغرافية للأشخاص الذين يحتاجون للصور لإتمام استخراج الوثائق من الوزارات الحكومية المجاورة.

ولكن الكاميرات الرقمية غزت كابل وقضت على تلك الكاميرات التقليدية أو الكاميرات الفورية السريعة. وأصبحت هذه الأجهزة العتيقة هي أجهزة لا تنتمي إلى المكان عدا بالنسبة للموديل المزخرف بالأحمر والأزرق الذي يستخدمه حبيب الله والذي ما زال بعض الزبائن يفضلونه نظرا للصور الرقيقة ذات الإحساس المختلف التي تنتجها.

يقول حبيب الله، وهو يمسح التراب العالق على الكاميرا أثناء انتظاره للزبائن «إنهم يحبون التقاط الصور بالطريقة التقليدية. فبالنسبة لهم، يمثل ذلك الحنين للماضي». وقد أذعن حبيب الله بعد مقاومة، إلى التكنولوجيا، حيث فتح استوديو صغيرا مجهزا بكاميرا «سوني سايبر» الرقمية وطابعتين. وفي الوقت نفسه، ما زال ينصب صندوق الكاميرا بالخارج ولكنه يقول إن نحو 95% من عملائه يفضلون الصور الأسرع (والأرخص) التي تنتجها الكاميرات الرقمية.

فصورة الكاميرا الصندوقية تعادل 40 أفغانيا (عملة أفغانستان) أي ما يوازي 80 سنتا، ويستغرق التقاطها وتحميضها وطباعتها حوالي 5 إلى 10 دقائق فقط. وكل كاميرا مصنوعة من صندوق خشبي مزود بعدسة 35 ملليمترا، وبدلا من الضغط على ذر لتحريك مصراع الكاميرا فإن المصور يزيل غطاء العدسة لمدة ثانية ويستبدله.

وبداخل الصندوق غرفة كاملة لتظهير الأفلام ـ أوراق، مظهّر الأفلام الفوتوغرافية والسائل الخاص بعملية التظهير. وبعد أن يتم إظهار الصورة الخفية على ورقة من ورق الصور الفوتوغرافية، يقوم المصور بوضع يده داخل الصندوق من خلال رجل بنطلون مصممة لحجب الضوء كي لا يفسد الطباعة ويحمض الصورة عن طريق تحريك الورقة في طبقين، أحدهما به المظهّر والآخر به سائل التحميض لإنتاج الصورة السلبية (النيجاتيف). ثم يعرض الصورة مرة أخرى لكي يحول الصورة السلبية (النيجاتيف) إلى صورة إيجابية صالحة للطباعة.

اختفاء ظاهرة الكاميرا الصندوقية أمر موجع بالنسبة لرجال مثل حبيب المصور الهزيل النشيط الذي ورث تلك المهنة عن أبيه وعمه. بدأ حبيب البالغ 39 عاما، في التقاط الصور في الشوارع عندما كان يبلغ 11 عاما، ثم ورث كاميرا أبيه واستمر في التقاط الصور بها لمدة 28 عاما.

ونظرا لحاجته الماسة للعمل، قبل حبيب وظيفة كان يكرهها، وهي وظيفة الكاتب، فهو يملأ الأوراق الحكومية للأميين من الأفغان، الذين كان بعضهم زبائن سابقين للكاميرا الصندوقية.

حصل حبيب الله في إحدى المرات على ما يعادل 80 دولارا أميركيا في اليوم من العمل بالكاميرا ولكنه بالكاد يحصل حاليا على ثمانية دولارات أميركية في اليوم ككاتب. ويقول إنه تواق للعودة للوظيفة التي يحبها، فإذا كان فقط يستطيع إقناع الناس بأن صور الأبيض والأسود هي عمل فني مقارنة باللقطات الملونة غير الأصيلة التي تنتجها الكاميرات الرقمية. ويضيف حبيب الله وهو يشير إلى صور فوتوغرافية لوجوه أفغانية متجهمة كان قد التقطها بأحد كاميراته الأربع التي صنعها وما زال يمتلكها «هذه صور جميلة، ولكن الناس يفضلون الصور الحديثة».

اعتزل حبيب الله وآخرون من زملائه التصوير في الشوارع في أواخر العام الماضي، بعدما أغلق مسؤولون أمنيون ـ كرد فعل على انفجار سيارة ـ الرصيف خارج وزارة الداخلية حيث كانوا ينصبون كاميراتهم. وقد خسر مصورون آخرون عملهم بعدما أغلق الرصيف في إطار مشروع توسيع الشارع. وفي الوقت نفسه، ارتفعت تكلفة المواد الكيمائية التي تظهر الصور وورق التصوير الفوتوغرافي مما جعل زوال الكاميرات الصندوقية أمرا محتوما.

ويقول حبيب الله «إنه لشيء محزن، لأننا فنانون وننتج فنا جميلا، فقريبا، لن يكون هناك من يعرف ما نفعله». ويضيف أنه قبل عدة سنوات، قام مصور نيوزيلندي زائر كان متأثرا بأعماله بتتويجه كملك غير رسمي لمصوري الشارع. والتقط الرجل صورة لحبيب إلى جانب الكاميرا الصندوقية الخاصة به وأعطاه نسخة منها معنونة بـ «البطل».

ويقول حبيب الله إن ذلك المصور النيوزيلندي شجعه على الاستمرار في مهنته، حيث قال له إن صوره تفوق الصور الرقمية. وقد دفع المصور 150 دولارا لكل من الكاميرات الاثنتي عشرة التي أرشده إليها حبيب من خلال زملائه المصورين. ويضيف حبيب أنه في ذلك الوقت، أحصى 469 كاميرا في الشوارع في وسط البلد في مدينة كابل وحدها.

ويؤكد حبيب أن المصور عرض عليه أن يساعده على العمل كمصور بشوارع نيوزيلندا، وقد أعطى حبيب جواز السفر الخاص به للمترجم الأفغاني الذي وعده بالحصول على التأشيرة ولكنه لم ير أيا منهما مرة أخرى. وما زال يمتلك الكاميرا الصندوقية الملونة باللون الذهبي التي صنعها كهدية للمصور النيوزيلندي، حيث إن الرجل لديه إيمان بأن المصور سوف يعود ويفي بوعده.

وعلى الرغم من أنه قال إنه عرض عليه مبلغ 500 دولار في مقابل الكاميرا الذهبية، فإنه سوف يحتفظ بها حتى يموت ثم «يستطيعون حينها أن يدفنوها معي». وما زال حبيب يلتقط صورا عائلية في بعض الأحيان بكاميراته الأربع، كما أنه علّم اثنين من أبنائه التقاط الصورة وتحميضها باستخدام تلك الكاميرات. كما علمهم شيئا آخر يؤلمه حتى أن ينطق به، ثم تخرج الكلمات من فمه بصعوبة فيما يشبه الهمس «لقد علمتهم، أن يلتقطوا الصور الرقمية كذلك».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»