«بي بي سي» الفارسية تواصل بفاعلية.. رغم رفض تعيين مراسل لها في طهران

إيرانيون اتصلوا بها بسبب سهولة التواصل بلغتهم

صحف ايرانية من بينها صحيفة الاصلاحيين الناطقة بأسم المرشح مير حسين موسوي الذي اعتقل منها 25 صحافيا (أ.ف.ب)
TT

على بعد آلاف الكيلومترات عن إيران، أصبح تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الناطق بالفارسية في لندن نقطة تركيز الإيرانيين الذين يرفضون تصديق نتائج الانتخابات التي جرت هذا الشهر. ولم تكن «بي بي سي» تدرك عندما أطلقت القناة التلفزيونية قبل ستة أشهر، أنها ستبصر النور بالتزامن مع انتخابات أعقبتها اضطرابات لم تشهد إيران مثيلا لها منذ الثورة الإيرانية في 1979. وسرعان ما جذبت القناة الناطقة بالفارسية ملايين المشاهدين، رغم منعها من تعيين أي مراسل في إيران. والموظفون البالغ عددهم 140 يعملون في الجناح الحديث لمبنى البث (برودكاستينغ هاوس) التابع لـ«بي بي سي» في وسط لندن. وتتلقى القناة تمويلا مقداره 15 مليون جنيه إسترليني (18 مليون يورو/24.5 مليون دولار) سنويا من قِبل الحكومة البريطانية، ما يثير غضب السلطات الإيرانية.

واتصل آلاف الإيرانيين بالقناة قبل انتخابات الثاني عشر من يونيو (حزيران)، لكن الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية انهمرت بالفعل بعد نزول أنصار المرشح المهزوم مير حسين موسوي إلى الشوارع احتجاجا على نتائج الانتخابات. ومنذ ذلك الحين تتلقى القناة أكثر من ستة آلاف رسالة إلكترونية يوميا. وقالت بونيه غودوسي مقدمة البرنامج التفاعلي في القناة، إنه قبل الانتخابات كانت الاتصالات الهاتفية ترد من أنصار جميع المرشحين ومن بينهم الرئيس محمود أحمدي نجاد. وأضافت لوكالة الصحافة الفرنسية: «وبسبب الاحتجاجات فإن المتصلين الآن هم في غالبيتهم من المعارضين لنتائج الانتخابات ولإعادة انتخاب أحمدي نجاد». وليس جميع المتصلين من أنصار موسوي. وتوضح: «إنهم أشخاص عاديون محبَطون حيال ما يحدث في البلاد حاليا».

ومع تزايد صعوبة الاتصالات الهاتفية مؤخرا، لجأ الإيرانيون إلى الإنترنت لإيصال رسالتهم. وفي ذروة الاحتجاجات، تم تحميل ستة فيديوهات في الدقيقة على بوابة القناة وعلى موقع «يوتيوب». وتأخذ «بي بي سي» الفارسية الأصوات وصور التظاهرات وتقوم بالمونتاج ثم البث لمشاهدين من غير المرجح أن يتلقوا هذه المشاهد على التلفزيون الحكومي الإيراني.

ويُظهِر العديد من الصور ولقطات الفيديو التي صُورت بهواتف نقالة، الاشتباكات بين المحتجين وعناصر قوات الأمن. وتقول غودوسي إن «العديد من لقطات الفيديو التي تَرِدُنا تصوّر المتظاهرين وهم يتعرضون للضرب أو يقعون أرضا أو يطلق عليهم النار». واستدركت: «غير أننا حساسون جدا وحريصون كثيرا حيال ما يمكننا بثه وما نحن متأكدون من صدقيته وما لا يمكننا تأكيده». وأقرت أن بعض الصور كانت «مروّعة ومخيفة وفظيعة». والقناة الفارسية في تلفزيون «بي بي سي» هي أحد العناصر التي تدفع إيران إلى اتهام بريطانيا بتأجيج التظاهرات، فيما تنفي لندن هذه الاتهامات. والأحد الماضي أمرت إيران جون لاين مراسل «بي بي سي» الدائم في طهران، بمغادرة البلاد خلال 24 ساعة. وسيكون لطرد لاين تأثير بسيط على القناة الفارسية، لأن إيران سبق أن منعته من مشاطرة مواده الإعلامية مع القناة.

وقال كسرى ناجي المراسل الخاص للمحطة: «نحن نعمل في قطاع المعلومات، إعلام الناس، ولهذا لا مفر من وجود تضارب في المصالح». وفي لحظة هدوء نادرة بين تسجيل الأحداث المتسارعة في بلاده التي عاش فيها حتى قبل عامين، قال ناجي إن «بي بي سي» الفارسية لعبت دورا رئيسيا في إيران. وأوضح: «حتى قبل الاضطرابات كان ملايين الأشخاص يشاهدوننا بسبب عدم وجود مصدر مستقل موثوق للمعلومات في إيران». وتابع: «يمكن للناس أن يشاهدوا (سي إن إن) أو (بي بي سي وورلد سرفيس)، لكن المشكلة في إيران أن كثيرين لا يتكلمون الإنكليزية».

ويقر صحافيو القناة أن حيزا كبيرا من وقتهم يذهب للتحقق من صدقية الفيديوهات وأقوال شهود العيان. ويقوم خبراء مدربون من أقسام أخرى في «بي بي سي» مع مخرجين بالتحقق من المواد. وتبقى الأنباء المتكررة للحدث نفسه أفضل دليل على صدقيتها. وتوضح غودوسي أنها مثل «قطع أحجية يتم جمعها وتركيبها». وتشدد على أن لا سبب يدعو إيران لتخشى «بي بي سي» الفارسية، ما لم يكن لديها شيء تخفيه. وتعرب عن اعتقادها أن القناة يمكن أن تكون «ورقة رابحة إذا ما استفادت السلطات منها، ولا أعتقد أن هناك أي سبب للقلق منها إلا إذا كنت فعلا لا تريد خروج أي معلومات من البلاد ولا إيصال أي معلومات للناس داخل إيران من الخارج».