رسالة رئيس الوزراء العراقي لمعارضيه: تعاونوا معي أو واجهوا غضبي

مقرب من المالكي يقول إن قوته يكفلها له الدستور.. ونائبه الكردي يحذر: الاعتقالات تقوض الأمن

TT

في أحد أيام شهر مايو (أيار)، وفي الساعة الحادية عشرة صباحا، تحركت ثماني سيارات همفي تابعة للجيش العراقي بسرعة إلى داخل مقر حكومي بمحافظة ديالى، التي تسودها الاضطرابات، مخلفة وراءها سحبا من الغبار. كانت قد تلقت تعليمات بإلقاء القبض على عضو في مجلس المحافظة ينتمي إلى حزب يعارض نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، الذي يزداد حزما وقوة يوما بعد آخر. وعلت الصرخات بينما كان زملاء الرجل يوجهون تساؤلات عدة للرائد المسؤول عن تنفيذ أمر إلقاء القبض. واتصل رئيس المجلس الغاضب بالمشرعين في بغداد وطلب من رئيس الأمن داخل المحافظ بالتدخل. وفي حالة من اليأس، هرع خلف الرائد وهو يقتاد عضو المجلس عبد الجبار إبراهيم إلى السيارة التي تنتظر. ووعد الرائد بأن يعيد إبراهيم خلال ساعة، أو ساعتين على الأكثر. وما زال إبراهيم، الذي اختير في انتخابات يناير (كانون الثاني) ليمثل المحافظة، داخل السجن منذ 18 مايو (أيار). ويقول عمر التقي، وهو أحد زملاء إبراهيم في المجلس: «هذه رسالة».

وعلى الرغم من أن الانتخابات البرلمانية في العراق لن تجرى قبل يناير (كانون الثاني)، فقد بدأت الحملة بالفعل، ويبدي المالكي إصرارا على القتال يحدوه عناد وقسوة يقتبسها من الرجل القوي السابق في العراق: صدام حسين. ومن ديالى، حيث قام رجال تابعون للمالكي بإلقاء القبض على عدد من منافسيه وتوجيه تهديدات لهم، إلى البصرة، حيث قامت القوات الأمنية بتوقيف العشرات من مناوئيه منذ يناير (كانون الثاني)، ثمة رسالة واضحة مفادها: إما التعاون أو المخاطرة لمواجهة غضب المالكي. ويلجأ المالكي إلى منحى تقليدي في دنيا السياسة يستخدم في إطاره العنف كشكل آخر من النفوذ، ليضمن ببساطة أن يكون رئيسا للوزراء بعد الانتخابات. وبالنسبة للحلفاء، فإنه الرجل الذي يحتاجه العراق: شخص يؤيد تطبيق القانون فيما ينظر إليها على أنها دولة من دون نظام. ويقول سامي العسكري، وهو مساعد لرئيس الوزراء: «هل قوة المالكي سمة شخصية وكفلها له الدستور أم أنه دكتاتور؟» «المالكي قوي الشخصية، ويعطيه الدستور سلطات كبيرة، ولو لم يكن هو هذا الرجل القوي، لما قام بما يسمح له الدستور القيام به». أما الخصوم، الذين يقول بعضهم إن عمليات إلقاء القبض «حملة منظمة»، فيحذرون من أن الشقاق الذي يتسبب فيه النزاع يمكن أن يعم ويصبح خارج نطاق السيطرة. ويقول برهم صالح، نائب رئيس الوزراء، وهو قيادي كردي: «تقوض هذه التوترات السياسية أمن البلاد، وأشعر بالقلق من ذلك».

وقد أصبح صعود المالكي حكاية مألوفة داخل العراق. وفي عام 2006، ساعد القول بأنه ضعيف على تولي المنصب. ويقول خصومه إنه قابل للتغير. ومنذ ذلك فإنه، بعد تعزيز وضعه بصورة جزئية بسبب نجاحه في الانتخابات المحلية، تمكن من تركيز السلطة داخل ما يصفه المنتقدون بأنها «دائرة لا يمكن اختراقها» كما استحوذ على عدد من وحدات الجيش العراقي، التي قدمت له ولحزب الدعوة، الذي يترأسه ما كانوا يحتاجون إليه ويفتقدونه منذ عام 2003: رجال مسلحون. لكن، ما زالت الحكاية تحتوي على جانب، كيف أن العراق يعاني من التعقيد في هذه الأيام. ويبدو أن الجميع يبحثون عن وجهة نظر في المساعي التي تهدف لتشكيل ائتلاف يمكن أن يحقق انتصارا خلال انتخابات يناير (كانون الثاني). ولدى الجميع الكثير من الشكاوى.

ويقاتل منافسو المالكي من الشيعة، أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، من أجل الفوز بالنفوذ داخل محافظة القادسية الجنوبية. وتعاني حركة أخرى، وهي تنظيم الصحوة، من حالة من التشرذم. ويُشار إلى أن هذا التنظيم يضم الكثير من المقاتلين السابقين السنة، ويدعمهم الجيش الأميركي منذ مدة. وقد اتخذ المالكي إجراءات ضد بعض من قيادات التنظيم، ولا سيما داخل بغداد. وأعلن آخرون في الأنبار وصلاح الدين وديالى ولاءهم للمالكي، وهم يراهنون على أنه سوف يكون على القمة في نهاية المطاف. وتفوق فصيل شيعي آخر على حزب المالكي في ديالى خلال المفاوضات المرتبطة بالأماكن القيادية هناك، لكن، ما زال هناك أحساس بأن المالكي يحوز القدرة على المبادرة، ولا سيما في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، حيث يحاول المزج بين الترغيب والترهيب، وهو مزيج تم تجربته هنا. ويقول جواد الحسناوي، وهو قيادي في حركة الصدر في مدينة كربلاء «من يحوز أدوات السلطة يمكنه الإبقاء على نفسه في الصدارة».

وتأتي المياه إلى ديالى، التي تتميز بأرض خصبة تزرع فيها الموالح والبلح، من نهر ديالى وتمتد إلى جانب الحدود الإيرانية، وما زالت المحافظة أرضا للمعارك على ضوء أغلبيتها السنية والأقليات الكردية والشيعية. وفي انتخابات يناير (كانون الثاني)، تمكّن مرشحون سنة تحالفوا مع الحزب الإسلامي العراقي، وهو حزب مناوئ للمالكي، من الفوز بالعدد الأكبر من المقاعد في المحافظة التي حرم فيها السنة من حقوقهم بعد أن قاطعوا التصويت بصورة كبيرة في عام 2005. ويقول مسؤول عراقي، إن المالكي أمر بإلقاء القبض على ستة على الأقل من مرشحي الحزب قبل أسبوع من انتخابات يناير (كانون الثاني). ويقول المسؤول إنه تم إيقافه فقط بعد أن تدخل الجنرال راي أوديرنو، قائد القوات الأميركية في العراق، شخصيا. ويقول مسؤولون أميركيون وعراقيون، إن أوامر التوقيف أصدرت مرة أخرى بعد الانتخابات، التي فاز خلالها الحزب الإسلامي بقرابة ثلث عدد المقاعد، وهو ما دفع بتدخل من جديد من قبل المسؤولين الأميركيين. ويقول مسؤولون في المحافظة، إن إبراهيم اعتقل من قبل «لواء بغداد»، التابع مع قوة مكافحة الإرهاب مباشرة لرئيس الوزراء العراقي. (وبعد حالة من الغضب داخل البرلمان، أعيد لواء بغداد رسميا على الأقل ليعمل تحت وزارة الدفاع) ويقول عضو المجلس تقي: «لماذا فرقة بغداد؟ هذا هو سؤالي».

ويدافع المسؤولون في حزب الدعوة، الذي يتزعمه المالكي، في بعقوبة وبغداد عن عمليات التوقيف بالقول إنها شرعية. ويقول العسكري، مساعد المالكي، إن اسم إبراهيم ظهر خلال استجواب أبو عمر البغدادي، القيادي الشهير في «القاعدة» في العراق الذي يقول المسؤولون إنهم يوقفونه منذ أبريل (نيسان). وهناك الكثير من الشكوك التي تكتنف عملية إلقاء القبض على البغدادي، وكذا الحال مع شخصيته ذاتها. ويبدو الحزب الإسلامي خصما عنيدا للمالكي، وهو يقود حملة ضد الفساد الحكومي الذي يعد أكبر نقطة ضعف يعاني منها المالكي خلال الانتخابات. وما زال الغموض يكتنف موقف حركة الصدر، فقد ساعدت الحركة على ضمان انتخاب المالكي رئيسا للوزراء، لكنها كانت ضحية إجراءات مشددة طبقها في بغداد والبصرة، وتشكو حاليا من أنه يحاول أن يفرض عليها تحالفا جديدا وفق شروطه. ويقول مسؤولو الحركة إن العشرات من الأتباع ألقي عليهم القبض داخل المحافظات الجنوبية كوسيلة للضغط عليه. ويقول صلاح العبيدي، وهو متحدث باسم الصدر في مدينة النجف: «لقد أعطاهم المالكي الضوء الأخضر كي يقوموا بذلك، فهو دائما ما يحاول استخدام حركتنا من أجل منفعته ومصلحة حكومته».

وثمة اعتقاد بأن تشكيل الائتلافات التي سوف تخوض الانتخابات ما زال أمامه شهور. ولكن، في الوقت الحالي فإن كل حزب وشخصية تشارك في مستوى ما من التفاوض، ويتحدث مسؤولون في حزب المالكي بثقة عن قدرتهم على البقاء، الحزب الأكثر شمولا، وينظر إليهم معارضوهم على أنهم متغطرسون. ويعتقدون بأنه يمكنهم إعادة بناء الائتلاف الشيعي الذي نافس في انتخابات 2005، لكنهم يعتمدون على عناصر من الصحوة والفصائل السنية الأخرى في شمال العراق. ومن الواضح أنهم يسقطون من حساباتهم الحزب الإسلامي العراقي والأحزاب الكردية البارزة.

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»