نبيه بري «الخامس».. خصم لا بد منه

الأكثرية انتخبته لأنه «شيعي لبناني وعربي.. رغم الاختلاف»

TT

قد يصح في انتخاب الرئيس نبيه بري رئيسا للبرلمان اللبناني للمرة الخامسة على التوالي، القول إنه مناف لأبسط معايير الديمقراطية التي تجعل من صاحب الأكثرية البرلمانية من يقرر اسم رئيسه، فكيف إذا انتخب البرلمان رئيسا له لا من الأقلية فحسب، بل رئيسا كانت الأكثرية «المتجددة» تشكو منه ليلا نهار لإقفاله البرلمان بوجه الحكومة لنحو عامين بتهمة «اللاميثاقية» بعد انسحاب الوزراء الشيعة منها خريف عام 2006. ومع هذا لم يجد نبيه بري المعارض صعوبة تذكر في أن يفرض نفسه مجددا رئيسا للبرلمان للمرة الخامسة، واعدا نفسه بأن يكون رئيسا للبرلمان في المرة السادسة بأصوات الذين صوتوا له والذين امتنعوا عن ذلك بالأوراق البيضاء التي وضعوها في صندوق الاقتراع.

لم تجد الأكثرية أمامها من ينافس بري في رئاسة البرلمان التي حصرها الدستور اللبناني بنواب الطائفة الشيعية في إطار تقاسم السلطة بين الطوائف، فالنواب الثلاثة الذين تضمهم الأكثرية (عقاب صقر وغازي يوسف وأمين وهبي) لا يمتلكون «شرعية» طائفتهم التي كادت أن تجمع على التصويت لنواب حركة «أمل» و«حزب الله» ولأن تصويتها لهؤلاء يمكن أن يكون مشروع حرب داخلية، ولأن بري «شيعي عربي وشيعي لبناني» كما يقول أحد قياديي فريق «14 آذار» ولأن هناك ضرورة لـ«صون الوحدة الوطنية والسلم الأهلي واستقرار لبنان الذي شهد خلال السنوات الأربع الماضية سلسلة من الأزمات السياسية والأحداث الأمنية» كما قال النائب سعد الحريري كان لا بد من إعادة انتخاب بري الذي وصفه القيادي بأنه «خصم لا بد منه». ويقول القيادي إن بري «صاحب قامة مدنية ومرن وليس صاحب طرح جذري بتغيير النظام السياسي» مضيفا: «إننا لا نستطيع افتعال أي تمثيل شيعي» وقد فرضت أجواء التهدئة السياسية في لبنان والمنطقة نفسها على أروقة البرلمان اللبناني فكان «نبيه بري الخامس»، كما وصفته إحدى الصحف اللبنانية أمس. لم ينقطع الرئيس بري عن أقطاب الأكثرية، حتى في أدق الأوقات وأكثرها حرجا. وهو يحتفظ بعلاقة مميزة مع رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط. وبقي معه على تواصل دائم حتى في أصعب لحظات الأزمة. ولطالما وصفه بـ«الصديق اللدود». كما احتفظ بعلاقة مميزة مع الرئيس الراحل رفيق الحريري. وهي علاقة كانت مضرب مثل لقدرة الرجلين على إدارتها على الرغم من الاختلافات والظروف التي واجهتهما.

ولد نبيه بري في 28 يناير (كانون الثاني) 1938 في مدينة فري تاون عاصمة سيراليون (أفريقيا)، حيث كان والده الحاج مصطفى بري، أحد وجهاء بلدة تبنين الجنوبية، يعمل في تجارة الماس. هذا الواقع فرض على بري نفيا قسريا عن عائلته، فعاش في لبنان في كنف أحد أقربائه، وتلقى علومه الابتدائية والمتوسطة والثانوية متنقلا بين مدارس بلدته تبنين وبنت جبيل والكلية الجعفرية في صور والمقاصد والحكمة في بيروت. وبعد نيله شهادة البكالوريا انتسب إلى كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية ونال إجازة في الحقوق بتفوق عام 1963، ثم أكمل دراساته العليا في الحقوق في جامعة السوربون بباريس.

ومنذ شبابه، عرف بحبه للمطالعة وحماسته للقضايا الوطنية والعروبية، فقاد كثيرا من النشاطات والمظاهرات الطلابية، حيث كان رئيسا للاتحاد الوطني للطلبة اللبنانيين. وهذا ما أكسبه تجربة عملية واطلاعا على الشؤون السياسية والاجتماعية والتربوية كافة، من خلال المؤتمرات والندوات الطلابية والسياسية التي كان يشارك فيها بحماسة كبيرة. كما لمع اسمه خلال ممارسته مهنة المحاماة بعد أن تدرج في مكتب المحامي المعروف عبد الله لحود. تعرف بري إلى الإمام موسى الصدر وسرعان ما نشأت بينهما علاقة ود حتى بات أحد الأشخاص المقربين جدا إليه وأحد أبرز مساعديه في مجالات عدة خاصة في المجال السياسي. وعاونه في تحركه ومطالبته بإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. ثم انتسب إلى حركة «المحرومين» التي أسسها الصدر وبدأ مشواره معه.

تزوج نبيه بري مرتين؛ الأولى من السيدة ليلى بري وأنجب منها ستة أولاد: سيلان وسوسن وفرح ومصطفى وعبد الله وهند. ثم بعد طلاقه من زوجته الأولى التي لم تتأقلم مع نمط حياته، تزوج من السيدة رندة عاصي وأنجب منها أمل وريم وميساء وباسل.

يتميز بري ببلاغة في الكلام ويهوى الكتابة. لكنه لا يمتلك «جرأة الادعاء أنني شاعر، إنما يقول البعض أن في كتاباتي شعرا. والواقع أنني أعبر عما أتأثر به». وقد تم تلحين بعض كتاباته وبينها أغنية للفنان مارسيل خليفة بعنوان: «يا عريس الجنوب» حول بلال فحص الذي فجر نفسه بدورية إسرائيلية في أواسط الثمانينات من القرن الماضي. يعرف عن الرئيس بري طلاقته وحنكته. وهو سريع البديهة وصاحب نكتة. ولا يتردد في إلقاء النكات والتعليقات الظريفة في قاعات مجلس النواب والحوارات التلفزيونية التي تجرى معه، وهي غالبا تعليقات «غير بريئة»، فهو يعتمدها وسيلة لإيصال رسائل إلى من يهمهم الأمر.

لدى الرئيس بري هوايتان مفضلتان هما السباحة والبلياردو، وهو يقضي أوقات فراغه يراقب مباريات البلياردو العالمية بالإضافة إلى ممارسة «نهمه» بالقراءة. أما روتينه اليومي، فهو مليء بالمواعيد والانشغالات منذ ساعات الصباح الأولى. يرتاح بعد الظهر، ثم يعود إلى رياضته اليومية وهي المشي في «أحضان.. قاعة الاستقبالات» بعدما منعته الظروف الأمنية من المشي في حديقة مقره الرسمي، في عين التينة، كما اعتاد أن يفعل قبل اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري عام 2005، وامتنع عنه بعده. وفي ساعتي المشي اللتين يتخللهما كوب من «الشاي الأخضر» يقسم الرئيس بري أوقاته فيستقبل أصحاب المطالب في أيام محددة من دون مواعيد. يتنقل بينهم ويستمع إلى هذا أو ذاك. ويستقبل في أيام أخرى إعلاميين وصحافيين يجبرون على ممارسة رياضة المشي معه، ويستمعون إلى تعليقاته ومعلوماته عن مسار الأمور السياسية. ولا تغيب عن هذه اللقاءات في الأيام كلها مجموعة صغيرة من الأصدقاء والمقربين يزورونه يوميا بعيدا عن البروتوكول الرسمي، وبثياب «السبور» المريحة يتذكر معهم وأمامهم طرائف الماضي وأحداثه التي يوردها لأخذ العبر منها ومطابقتها مع أحداث حالية. والرئيس بري هو أحد مناهضي «الوراثة السياسية» فأقصى أولاده عن كل النشاطات السياسية واضعا حدا بينهم وبين الطموحات السياسية. ويقول: «أنا ضد الإقطاع السياسي. ولست مستعدا لتوريث أولادي. نحن حركة سياسية عمرها أكثر من 30 سنة. ولا أحد في العائلة يفكر في هذا الأمر أبدا».