كرزاي يناور منافسيه الأفغان على الرئاسة ببراعة

سواء بضمان الحصول على دعم خصومه الأقوياء أو بتهميشهم

الملصقات الدعائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية تغطي الجدران وسط العاصمة كابل «نيويورك تايمز »
TT

تفصلنا أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية في أفغانستان، ومع ذلك لم يكن التناقض الذي يحيط بالرئيس حميد كرزاي أبدا أكثر ظهورا، فعلى الرغم من أن الرئيس كرزاي لا يحظى بشعبية بدرجة كبيرة حاليا، فإن فوزه في الانتخابات القادمة أصبح مرجحا.

ويحمل الكثيرون كرزاي الذي يقود أفغانستان منذ سقوط طالبان في عام 2001 المسؤولية عن العديد من الإخفاقات التي سببت مشاكل للمهمة التي تقودها أميركا هنا خلال السنوات الثماني الماضية، بدءا من عودة تمرد حركة طالبان وصولا لانتشار تجارة الأفيون.

وعلى الرغم من ذلك فإن كرزاي يحظى بموقع متقدم في السباق الرئاسي، الذي ستتحدد نتائجه في الانتخابات التي تجرى في 20 من أغسطس (آب) المقبل، فمنذ بداية العام، فإن كرزاي كان يناور ببراعة عددا من خصومه الأقوياء، سواء بضمان الحصول على دعمهم أو بتهميشهم. وقد أضفت هاتان الحقيقتان عدم شعبية كرزاي واحتمالية فوزه في الانتخابات، على الحملة الانتخابية هنا نوعا من الإذعان، مع استعداد العديد من الأفغان لخمسة أعوام أخرى تحت قيادة رجل يشعرون أنهم يعرفونه جيدا. ويكمن الخطر، كما يقول معارضو كرزاي وغيرهم من القادة الأفغان، في حدوث حالة إحباط وهو ما يمكن أن يثني الأفغان عن التصويت ويحطم الآمال في إحداث تقدم حقيقي بعد انتهاء الانتخابات.

من وجهة نظر الأميركيين، فإن احتمالية إعادة انتخاب كرزاي تنطوي على مخاطرة، حيث إنهم سيضطرون إلى المزيد من التقارب مع شخصية لا تتمتع بشعبية ولها سجل من سوء الإدارة. ومع تزايد قوة طالبان أكثر من أي وقت سابق، ففي بداية الشهر وصلت الهجمات أعلى مستوياتها منذ 2001، فربما يتهدد انتصار كرزاي مساعي أميركا لتغيير مسار الحرب.

ويقول أشرف غاني، الذي كان أحد الأصدقاء المقربين من كرزاي ويتنافس معه حاليا في الانتخابات الرئاسية: «كرزاي لن يتغير، لقد برهن على ذلك. وإذا انتصر، سيُحدث تراجعا كبيرا». وقد حاول أخيرا المسؤولون الأميركيون، الذين يقدمون دعما كبيرا لكرزاي منذ توليه الرئاسة في 2001، الحفاظ على مسافة بينهم وبينه، فقد اتخذ السفير الأميركي كارل ايكنبري خطوة غير معتادة بحضور المؤتمرات الصحافية لمنافسي كرزاي الأساسيين ومنهم غاني، والدكتور عبد الله، وزير الخارجية السابق، الذي يستخدم اسما واحدا مثله مثل العديد من الأفغان.

وقد غيرت إدارة الرئيس أوباما السياسة الأميركية السابقة التي كانت تعتمد على التأييد غير المشروط لكرزاي، بل أن الرئيس أوباما انتقد علانية كرزاي لضعف حكومته وفسادها، لكن هناك وجهة نظر شائعة بين الأفغان بأن أميركا تفضل كرزاي، في الوقت الذي عبر فيه بعض المسؤولين الأميركيين عن تضررهم من فكرة أن سيضطروا للتعامل مع كرزاي لخمسة أعوام أخرى.

ويبدو أن إدارة أوباما قد بدأت فعليا الاستعداد للتعامل مع ذلك الاحتمال، فعلى سبيل المثال لم يفعل المسؤولون الأميركيون شيئا لمعارضة المناقشات الدائرة بين كرزاي وزلماي خليل زاد، السفير الأميركي السابق في العاصمة كابل، حول احتمالية حصول خليل زاد على منصب رفيع في إدارة كرزاي. ويقول دكتور عبد الله: «يجب أن يفعل الأميركيون ما هو أكثر للحفاظ على مسافة معه، وإلا فإنهم سوف يلامون على إخفاق حكومته من قبل شعبهم وشعبنا».

ولم يعبر أحد عن مفاجأته من مسألة محاباة أميركا لكرزاي أكثر من كرزاي نفسه، فعندما سوئل عن ذلك في مؤتمر صحافي عقد أخيرا أجاب باقتضاب: «يسعدني أن أرى ذلك التغير».

ولا يعد انخفاض شعبية كرزاي أمرا مفاجئا فقد كان في السلطة لمدة ثمانية أعوام خابت خلالها الآمال في إقامة أفغانستان مستقرة ومزدهرة.

وظهر انخفاض شعبية كرزاي في استطلاع رأي أجراه أخيرا المعهد الجمهوري الدولي، وهو مؤسسة غير حزبية تدعمها الحكومة الأميركية، فقد قال 31% فقط من الأفغان إنهم سيصوتون لصالح كرزاي مرة أخرى وهو أقل بكثير من نسبة 54% التي حصل عليها في انتخابات 2004. وإذا لم يتجاوز أي مرشح نسبة 50% في التصويت فإن أعلى مرشحين يحصلان على الأصوات سوف يواجهان بعضهما بعضا في جولة إعادة. وقد وجد نفس الاستطلاع أن كرزاي يتقدم على خصومه، فحوالي 7% فقط فضلوا الدكتور عبد الله بينما فضل 2% غاني، وهما أكثر خصوم كرزاي خطورة، لكن الحال لم يكن دائما هكذا، فقبل شهر كان كرزاي معرضا للخسارة، وكان خصومه يصطفون للاستيلاء على مكانه، لكنه أظهر براعة يفتقر إليها عادة في إدارته للحكم، فقد استقطب بمنهجية معظم الأفغان الذين كانوا يفكرون في الترشح ضده للعمل معه.

وفي محاولاته تحييد المعارضين له، وسع كرزاي سلطات مكتبه، ومع توافر موارد الحكومة في يده، سخر كرزاي الموظفين العاملين معه للعمل في حملة إعادة انتخابه، كما أن بإمكانه استخدام الموارد الحكومية مثل المروحيات والطائرات ليجوب البلاد، ولا يستطيع أي مرشح آخر مواكبة ذلك. ولم يتورع كرزاي عن عقد صفقات مع شخصيات بغيضة بما في ذلك قادة الميليشيات الذين يتسمون بالوحشية والفساد. وقد أثارت تجارة الخيول حنق خصومه الذين اتهموه ببيع الحكومة الأفغانية لأسوأ نوع من البشر. يقول السيد غاني: «إنه يعرض الحكومة للبيع في المزاد».

وعلى سبيل المثال، أعاد كرزاي عبد الرشيد دوستم لمنصب قائد أركان الجيش، الذي كان قد أوقف عن العمل العام الماضي بعد اتهامات وجهت له باقتحام منزل خصم سياسي وتهديده بإطلاق النار عليه. وربما يكون دوستم، أحد القادة السابقين للميليشيا، من أكثر قادة الحرب الذين اشتهروا بالوحشية، وفعليا قاتل دوستم لصالح جميع الأطراف خلال الثلاثين عاما الماضية.

*خدمة «نيويورك تايمز»