رفسنجاني يبحث الأزمة مع موسوي.. وثلثي نواب البرلمان يوجهون صفعة لنجاد

موسوي: أتعرض للضغوط لكنني لن أتراجع * منتظري: القمع يمكن أن يؤدي لسقوط النظام

متظاهرون يرفعون لافتات تهاجم الرئيس الايراني احمدي نجاد أثناء انعقاد اجتماع دول «مجموعة الثماني» في ايطاليا امس (أ ب)
TT

وجه أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان الإيراني، ضربة قاسية إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، بمقاطعتهم حفلا أقامة أحمدي نجاد، بمناسبة إعادة انتخابه لولاية ثانية. وفيما كان من المتوقع أن يقاطع الحفل نحو 85 نائبا هم نواب الكتلة الإصلاحية في البرلمان الإيراني، إلا أنه كان مفاجئا ومقلقا للرئيس الإيراني أن نحو نصف النواب المحافظين في البرلمان قاطعوا أيضا الحفل، مما يعني أن أحمدي نجاد إذا ما أقسم اليمين الدستورية لولاية ثانية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فإنه سيواجه تحديات كبيرة من البرلمان، الذي كان خلال ولايته الأولى على وشك تقديم استجواب بحقه، كان يمكن أن يقيله من منصبه لولا تدخل المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي، آنذاك للدفاع عنه، وطلبه من المجلس تخفيف الانتقادات له. ويأتي ذلك فيما بدأ رئيس مجلس الخبراء ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام على أكبر هاشمي رفسنجاني، تحركاته في طهران حول أعنف أزمة سياسية تواجهها إيران منذ الثورة عام 1979. إذ التقى رفسنجاني مع زعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوي، بحضور مسؤولين بارزين من البرلمان الإيراني لبحث الأزمة الحالية، وذلك وسط تأكيدات من موسوي، أنه لن يتراجع عن موقفه الداعي لإعادة الانتخابات وإعلانه ومهدي كروبي، مواصلة تظاهرات الإصلاحيين. وكانت مصادر قد كشفت لـ«الشرق الأوسط» أن رفسنجاني، توجه إلى قم لأيام لبحث الأزمة السياسية حول شرعية الانتخابات مع مراجع التقليد الدينية العظمى في قم، موضحة أن غالبية مراجع التقليد وآيات الله مثل آية الله مكارم شيرازي وآية الله اردبيلي وآية الله صانعي وأيه الله جوادي املي وآية الله مصباح يزدي وآية الله وحيدي وآية الله بيان زانجاني وآية الله أميني دعوا إلى الاستماع بحياد ونزاهة إلى شكاوى المرشحين وعدم استخدام العنف إزاء المتظاهرين في الشارع. وأوضحت المصادر آنذاك أن رفسنجاني حمل أفكارا عديدة بحثها مع آيات الله، وأعضاء مجلس الخبراء، الذي يترأسه للخروج من الأزمة من بينها تشكيل مجلس للقيادة من كبار آيات الله في قم، و«ذلك لحماية النظام من مخاطر جمة قد تؤدي إلى تهديده» إذا استمرت الأزمة السياسية الحالية. ودل لقاء رفسنجاني، مع موسوي، ليل أول من أمس بحضور مسؤولين كبار من البرلمان الإيراني على أن المعارضة الإصلاحية «بات لديها خطة سياسية لحل الأزمة، وستسير وفقا لها خلال الفترة المقبلة» وذلك وفقا لما ذكر مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط». وأوضح المصدر: «الآن يمكن أن نتحدث عن تحركات سياسية على الأرض بعد أن تم إجراء الكثير من المشاورات». وهذا الاجتماع هو الأول بين موسوي ورفسنجاني، منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات وبدأت الأزمة السياسية المفتوحة. ومن المعروف أن هاشمي رفسنجاني، أعلن دعمه العلني لموسوي خلال الانتخابات. كما أنه أصطدم مع أحمدي نجاد طوال سنوات رئاسته. وقالت وكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية الإيرانية أمس إنه جرى في الاجتماع بين رفسنجاني وموسوي مناقشة «الانتخابات وأحدث التطورات». ونقلت الوكالة عن أحد المشاركين في الاجتماع أن موسوي ورفسنجاني أعربا عن رغبتهما في إنهاء الأزمة الحالية. وقال علاء الدين بورجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، الذي شارك في الاجتماع أن أعضاء البرلمان طلبوا من هاشمي رفسنجاني المساعدة في حل الأزمة الراهنة، موضحا أن رفسنجاني قال إنه سيحاول المساهمة في تسوية الوضع الراهن. وتابع بورجردي: «خلال الاجتماع شرح قادة الوفد البرلماني للسيد موسوي الوضع وما الذي يمكن أن يقوم به من أجل تهدئة الوضع» مشيرا إلى أن موسوي أظهر اهتماما بالرغبة في المساعدة لحل الأزمة الراهنة. إلا أن موسوي بحسب ما قال المصدر الإيراني الإصلاحي لـ«الشرق الأوسط» لن يعترف بشرعية الانتخابات وسيواصل الدعوة لإعادتها، موضحا: «برغم كل حملة الاتهامات ضد المعارضة الإصلاحية وتشويه السمعة وأن قياداتها يتحركون بدوافع تخريبية، إلا أن الحقيقة التي نعرفها أن هناك تلاعبا في الانتخابات. وزارة الداخلية أعلنت فوز أحمدي نجاد بعد فرز 5 في المائة فقط من أصوات الناخبين وبعد ساعتين من إغلاق صناديق الاقتراع. التزوير كان على نطاق واسع جدا ولهذا لا تراجع في مطلب إعادة الانتخابات». ويأتي ذلك فيما قال موسوي نفسه أمس إنه لن يخضغ «للتهديدات» التي يتعرض لها لسحب مطلبه بإلغاء الانتخابات الرئاسية. وأضاف على موقع «الكلمة الخضراء» الإلكتروني التابع له «لن أتراجع عن حماية حقوق الشعب الإيراني، بسبب المصالح الشخصية أو الخوف من التهديدات». وأكد أن السلطات «حدت تماما قدرته على الوصول إلى الشعب»، وأن «موقعي الإنترنت التابعين لنا يعانيان من مشاكل جمة. تم حظر نشر صحيفة «كلمة خضراء» (التابعة له) وتم اعتقال هيئة تحريرها. صحف (إصلاحية) أخرى تتعرض بدورها لتضييق شديد». واعتبر موسوي أن «كم الأفواه» هذا خطير لأنه يمنع المعارضة من التعبير عن رأيها بطريقة سلمية، محذرا من أن «كل هذا لا يساعد على تحسين المناخ العام في الأمة وسيؤدي إلى مزيد من العنف». وأضاف «أنا مستعد لإثبات أن مجرمي الانتخابات وقفوا إلى جانب المحرضين على أعمال الشغب التي جرت أخيرا وأراقوا الدماء»، من دون أن يوضح ما إذا كان يشير إلى وزارة الداخلية التي نظمت الانتخابات.

ووسط ضغوط المعارضة الإصلاحية وتعهدها مواصلة الطعن في نتائج الانتخابات، وجه نحو 100 نائب محافظ في البرلمان الإيراني ضربة قوية إلى أحمدي نجاد، وذلك بمقاطعتهم حفلا أقامه للاحتفال بفوزه في الانتخابات وكان من بين النواب المقاطعين على لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني. وبحساب النواب الإصلاحيين الذين قاطعوا حفل أحمدي نجاد يكون نحو ثلثي نواب أعضاء البرلمان قد قاطعوا الحفل. وأوضحت صحيفة «اعتماد ملي» الإصلاحية أن أعضاء البرلمان يقودهم رئيسه المحافظ البراغماتي علي لاريجاني، قاطعوا ومعهم حوالي مائة نائب آخر الحفل الذي أقامه أحمدي نجاد في المجمع الرئاسي في وسط طهران مساء الأربعاء. ونقلت الصحيفة عن النائب جواد اريانمش، أن «علي لاريجاني ومعاونيه لم يكونوا في الحفل». وباستثناء أعضاء «كتلة الثورة الإسلامية» التي تضم 70 من النواب الداعمين لأحمدي نجاد، فإن 30 نائبا فقط من كتلة «المدافعين عن المبادئ» التي تجمع كل أطياف المحافظين بمن فيهم أعضاء كتلة الثورة الإسلامية، لبوا دعوة نجاد. ويبلغ عدد نواب التكتل المحافظ أكثر بقليل من 200 نائب من أصل 290 نائبا، ما يعني أن نحو 50 في المائة من كتلة المحافظين، غابوا عن الحفل. فيما غاب الـ85 نائبا إصلاحيا. وكان لاريجاني الذي يعتبر مقربا من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أعلن الاثنين أن «قسما كبيرا من الناس اعتبروا أن نتيجة الانتخابات مغايرة للنتيجة التي أعلنت رسميا». ويعتبر الطعن بشرعية فوز محمود أحمدي نجاد موضوعا محظورا التعاطي فيه لدى المسؤولين المحافظين، التزاما منهم بأوامر المرشد الأعلى الذي دعا إلى الالتفاف حول الرئيس المنتخب.

لكن تعد نسبة نواب البرلمان الذين قاطعوا حفل أحمدي نجاد أبرز دليل على حجم الشقاق داخل النخبة الإيرانية المحافظة، ومؤشرا على «علاقات العمل الصعبة» التي ستنشأ إذا ما ثبت أحمدي نجاد رئيسا لإيران. ومن المقرر أن يعلن مجلس صيانة الدستور يوم الاثنين قراره النهائي حول الشكاوي التي تقدم بها المرشحون الخاسرون للانتخابات موسوي وكروبي. وكان محسن رضائي، قائد قوات الحرس الثوري لمدة 16 عاما قد أعلن أول من أمس سحب شكواه الانتخابية من مجلس صيانة الدستور. وبحسب صحيفة «اعتماد ملي» فإنه، حتى وإن مارس أحمدي نجاد الحكم خلال ولايته الثانية ومدتها أربع سنوات، فإن «وزراءه سيجدون صعوبات جمة في الحصول على تصويت بالثقة» من الغالبية البرلمانية. وسبق للبرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون أن عارض مشروعات قوانين قدمتها حكومة أحمدي نجاد ولا سيما منذ أصبح لاريجاني رئيسا للمجلس ربيع 2008. وفي دليل آخر على حجم الانقسام بين المحافظين حيال شرعية الانتخابات، قال عمدة طهران النافذ، وأحد قادة الحرس الثوري محمد باقر قاليباف، إن «جزءا من الشعب يطرح تساؤلات بشأن الانتخابات وهذا الأمر لا يمكن أن يحل بالقوة». كما أن حسن روحاني مستشار خامنئي للأمن القومي وأحد أفراد حلقته الضيقة من المعارضين لإعادة انتخاب أحمدي نجاد، وهو لم يتحدث بشكل علني منذ بدأت الأزمة. وقال المصدر الإيراني لـ«الشرق الأوسط» إن حسن روحاني، المعروف بقربه من أفكار ونهج رفسنجاني الذي يعمل معه في مجلس الخبراء، باتت بينه وبين خامنئي مسافة. وتابع: «شقيق حسن روحاني كان يعمل في حملة موسوي الانتخابية ومن المعروف أنه صوت لموسوي، كما أن حسن روحاني صوت أيضا لموسوي كما يعرف المقربون منه. هذا يكشف حجم وعمق الشقاق بين المحافظين»، حول انتخاب أحمدي نجاد. وكان خامنئي قد أعلن أن نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 12 يونيو (حزيران) ومنحت أحمدي نجاد ولاية ثانية سيعتد بها، وقال إن زعماء المعارضة سيحملون المسؤولية عن أي أعمال عنف وإراقة للدماء.

وفرقت شرطة مكافحة الشغب سريعا مجموعة من نحو 200 متظاهر بالغاز المسيل للدموع أول من أمس، لكن عدد المشاركين في هذا الاحتجاج كان أقل كثيرا من عدد الذين شاركوا في مسيرات الأسبوع الماضي، التي استقطبت عشرات الآلاف. وسمعت تكبيرات المحتجين من على أسطح المباني في طهران مجددا إثناء ليل أمس، غير أنها استمرت لوقت أقل من الليالي السابقة في العاصمة.

إلى ذلك، حذر رجل الدين الإيراني المعارض آية الله العظمى حسين منتظري، من أن النظام يمكن أن يسقط إذا تواصل قمع التظاهرات السلمية في إيران. وقال منتظري في بيان على موقعه الإلكتروني: «إذا لم يتمكن الشعب الإيراني من المطالبة بحقوقه المشروعة من خلال تظاهرات سلمية وتم قمعه فإنه من المحتمل أن يؤدي تصاعد التبرم إلى تدمير أسس أي حكومة مهما كانت قوتها». ودعا منتظري وهو رجل الدين الأعلى رتبة في إيران، من جهة أخرى مواطنيه الذين يحتجون على شرعية إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد، إلى مواصلة تحركهم. وكان منتظري بين أول منتقدي النظام والاقتراع الرئاسي في 12 يونيو بشدة. وكان كتب بعد أربعة أيام من الاقتراع «للأسف أن هذه الفرصة الممتازة (الانتخابات) استخدمت بأسوأ طريقة ممكنة» ووصف إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد بأنه «أمر لا يمكن أن يقبله أي عقل سليم». كما ندد وقتها بالسلطات لممارستها العنف والقمع تجاه المتظاهرين واتهمها بـ«تصفية حساباتها مع المثقفين والناشطين والمفكرين وتوقيف الكثير من مسؤولي الجمهورية الإسلامية بلا سبب». وقد خضع آية الله العظمى منتظري الذي كان يعتبر الخليفة المحتمل لمؤسس الجمهورية الإيرانية آية الله روح الله الخميني، للإقامة الجبرية في منزله لفترة طويلة بسبب انتقاداته للنظام. ومنتظري الذي يتبع فتواه عدد كبير من الناس في إيران، دعا السلطة أمس إلى «إقامة لجنة محايدة تتمتع بسلطات للعثور على مخرج مقبول (لأزمة) الانتخابات» التي شابها تزوير بحسب المعارضة.