أميركي يخفف معاناة قرية كشميرية ضربها زلزال 2005

شيا مدمن علىجهود الإنقاذ.. تطوع للعمل في سيريلانكا بعد تسونامي ولبى الاحتياجات الإنسانية لسكان مظفر آباد

الاميركي شيا يحتضن طفلة في مظفر آباد (نيويورك تايمز)
TT

كان المستشفى الوحيد داخل هذه المدينة الجبلية الباكستانية عشية استضافته أحد أكبر التجمعات الاجتماعية خلال العام، أشبه بمعرض صحي يشارك به عدة مئات من القرويين، لكن تود شيا لم يكن سعيداً. استشاط شيا، مؤسس المستشفى وهو أميركي يحمل شبهاً بمدربي كرة القدم أكثر من العاملين بمجال الرعاية الصحية، غضباً لفشل أحد الموظفين لديه في شراء عدد كاف من الأدوات الصحية ـ إحدى المميزات المجانية التي يتوقع القرويون الحصول عليها أثناء المعرض. وفي حديثه عبر الهاتف مع أحد أفراد فريق العمل المعاون له يتحدث إليه من مكان المعرض، صاح شيا، الذي يتسم بالحدة والود في ذات الوقت، قائلا: «هذه مشكلة، وهناك حل لها. دعنا نرى مدى كفاءتك. أعلم أن هناك أدوات متوارية داخل الجدران. وأؤكد لك أنني إذا حضرت إلى هناك سأعثر عليها. أنت تعرفني جيداً!» بعد سبع ساعات من منتصف الليل، عاد الموظف من مدينة قريبة وعلى وجهه ابتسامة خجولة وبرفقته 100 من الأدوات الصحية نجح في الحصول عليها. وقابله شيا بالأحضان قائلا: «إنني أثق بك». لو كان لدى شيا، 42 عاماً، وثيقة لسيرته الذاتية، كانت، باعترافه الشخصي، ستكشف عن امتلاكه خبرة أكبر بكثير عن خبرته كمهني بالمجال الطبي. ولكن بنمط سلوكه القيادي، تمكن من إحداث تحول في مستوى الرعاية الصحية الأساسية هنا داخل هذه المدينة الجبلية بإقليم كشمير، حيث تكاد تنعدم الخدمات الحكومية. في هذا الإطار، علق شيا بقوله: «هناك آخرون ذوو مؤهلات أفضل، لكنني الشخص الموجود هنا». أخيرا، ركز شيا اهتمامه على الملايين الذين شردوا من منازلهم جراء الحملة التي يشنها الجيش ضد جماعة «طالبان» في شمال غربي البلاد. لكن هنا في تشيكار يقضي شيا وقته وتعلم منذ سنوات ماضية أنه، فيما يخص الرعاية الصحية، يحمل كل يوم أزمة بالنسبة للباكستانيين. جدير بالذكر أن شيا قدم إلى هنا كعامل متطوع في جهود الإنقاذ فور وقوع زلزال عام 2005 الذي أسفر عن مقتل 80.000 باكستاني. وانغمس شيا في محاولة تلبية الاحتياجات طويلة الأمد لسكان المدينة، لذا لم يرحل عن المنطقة قط. وفي عام 2006، أنشأ شيا مستشفى خيريا لا يهدف للربح حمل اسم «الخدمات الشاملة للإغاثة من الكوارث»، وعرفت اختصاراً باسم «سي. دي.آر.إس» في أعقاب الزلزال، انهالت المساعدات الإنسانية على المنطقة، إلا أن هذا المد من المساعدات والدعم الحكومي انحسر في غضون شهور قليلة، مخلفاً وراءه 25.000 مقيم جريح من دون أطباء وإمدادات طبية ومركز فعلي للخدمات الصحية، ما يعني أن الحياة عادت إلى طبيعتها. في باكستان، يجري تخصيص أقل من واحد بالمائة من الميزانية الوطنية لتوفير الرعاية الصحية للمواطنين، وتعاني الرعاية الصحية على مستوى البلاد من أزمة حادة على نحو خاص بالمناطق النائية. وعلق شيا بقوله: «إن الأمر مثير للإحباط ومحزن. لكن إذا وقفت أصرخ من فوق قمة جبل، لن يغير هذا في الأمر شيئاً». وعليه، شرع شيا في القيام يما يمكنه فعله. ويسلط المستشفى الذي أقامه، ويضم 38 موظفاً ويتلقى تمويلا من أميركيين ومنظمة اليونيسيف يقدر بـ200.000 دولار، الضوء على احتياجات نظام الرعاية الصحية بالمناطق الريفية الباكستانية، لكنه عرضة للتأثر سلباً بمحاولات الحكومة تصوير نفسها كبديل لـ«طالبان». من ناحيتها، قالت شاندانا خان، رئيسة «شبكة برنامج الدعم الريفي»، إن: «طالبان ترهب الناس، لكنهم يطرحون حججا منطقية بشأن إخفاقات الدولة». واستطردت بأنه: «من الشائع للغاية رؤية منشآت للرعاية الصحية الأساسية دون أطباء أو أدوية. لا يرغب الأطباء في تكليفهم بالعمل هناك. وإلا يقبلون العمل ويحصلون على الأجر، بينما يجلسون في المدن ولا يتولى أي مسؤول مراقبتهم». يذكر أن تشيكار تقع على بعد 85 ميلا من العاصمة، إسلام آباد. إلا أن الأمر يستغرق ست ساعات لاتخاذ طريق متعرج للوصول إلى المستشفى. داخل المدينة، توفر الحكومة 10% فقط من احتياجات الدواء، بينما يضطلع المستشفى بتوفير الباقي. العام الماضي، قام شيا بتعيين أحد الأطباء من خلال مضاعفة راتبه الحكومي وعرض الغرفة الوحيدة الخاصة بالمستشفى عليه. أما شيا، فينام على حشية داخل غرفة يتشارك بها مع العاملين بالمستشفى. من ناحيته، قال الطبيب، ويدعى رضوان شابير، 27 عاماً، والذي سبق له ممارسة العمل الطبي في مظفر آباد، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 300.000 نسمة، إن «الأمور التي تراها هنا يعود الفضل فيها فقط إلى «سي.دي.آر.إس» صراحة، من دون تود، لم يكن ليتوافر دواء مناسب، وكان المرضى سيلقون حتفهم». ومع ذلك، تشكل «سي.دي.آر.إس» بديلا مؤقتاً أكثر منها معجزة. في صباح أحد الأيام القريبة، تولى شابير علاج 140 مريضاً في غضون خمس ساعات. ونظراً لعدم توافر معامل لإجراء اختبارات للدم، يعمد شابير إلى تشخيص الأمراض الشائعة مثل التهاب الكبد والسل من خلال التقييم السريري. خارج تشيكار، توفر «سي.دي.آر.إس» خدمات إلى 10 مراكز رعاية صحية أخرى تابعة للحكومات الإقليمية عبر دفع رواتب العاملين وشراء أدوية. بصورة عامة، يتولى المستشفى علاج حوالي 100.000 مريض سنوياً، 70% منهم نساء وأطفال. وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، أعرب شيا عن مخاوفه من أن يجابه صعوبة في جمع الميزانية السنوية للمستشفى الخاص به والبالغة 200.000 دولار بالنسبة لعام 2010. وعليه، اقترح شيا بناء برنامج تأمين لأبناء المدينة يستلزم جمع 31 سنتاً بالنسبة للفرد شهرياً، بقيمة إجمالية تبلغ 20.000 دولار شهرياً. ويقدر شيا أن 65% من سكان المدينة بمقدورهم توفير هذا المبلغ، وأعرب عن أمله في أن تتولى الحكومة والجهات المانحة الخاصة تحمل باقي التكاليف. ويعتبر شيا شخصا غير محتمل لتولي إصلاح الإهمال الطبي الذي تعرضت له تشيكار على امتداد عقود عدة. في سن الـ12، ماتت والدة شيا بسبب جرعة زائدة من فاليوم. وببلوغه الـ18، أصبح مدمناً للكوكايين. عام 1992، انتقل من بلدته الأصلية في ماريلاند إلى ناشفيل للعمل بمجال الموسيقى، وقضى العقد التالي في عزف الموسيقى داخل الحانات والمطاعم بمختلف أرجاء البلاد. وفي وقت من الأوقات، اضطر إلى بيع بلازما الدم الخاصة به مقابل 40 دولارا أسبوعياً كي يتمكن من تسديد ديونه. عام 1998، انتقل إلى مدينة نيويورك، واشترك بنادي «سي.بي جي.بي» الموسيقي الشهير، في 12 سبتمبر (أيلول) 2001. وقال شيا إنه بينما شاهد برجي مركز التجارة العالمي يحترقان وينهاران، سارع بإخلاء شاحنته واستغلها على امتداد الأسبوع التالي في نقل وجبات إلى رجال الإطفاء بمنطقة الحادث. وسرعان ما أدمن شيا جهود الإنقاذ، وتطوع للعمل في سيريلانكا بعد تسونامي الذي ضربها عام 2004. وكانت تلك المرة الأولى التي يسافر خارج الولايات المتحدة. وأضاف شيا أنه بعد وقوع إعصار كاترينا، تطوع للعمل في منظمة إنقاذ أخرى، ثم ضرب زلزال باكستان، وسافر إلى بلاد لا يعلم عنها شيئا. بمجرد وصوله تشيكار، التقى طالبا من أبناء المدينة يدرس إدارة الأعمال، يدعى أفضل مخدوم، كان قد سحب للتو عمته من تحت أنقاض منزله. وبمجرد أن تمكن من جمع المال اللازم، قام شيا بتعيينه للعمل معه. وقال مخدوم، 24 عاماً: «لم ألتق أميركياً من قبل قط. وكان انطباعي الأول: أنهم يرغبون في قتل المسلمين فحسب، وأن هذا غزو، وأنهم لن يعودوا إلى الوطن قط. لكننا الآن نبغي الإبقاء على هذا الأميركي هنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»