رفسنجاني رمانة الميزان في خضم صراع بين فصائل النخبة السياسية

يدعم انفتاحا أكبر على الغرب ويؤيد منح المزيد من السلطات للمؤسسات المدنية المنتخبة

TT

حتى قبل احتجاز ابنته وأربعة آخرين من أقاربه لفترة وجيزة يوم الأحد، فإن واحدة من أكبر علامات الاستفهام التي تفرض نفسها على إيران منذ الانتخابات الرئاسية، هي حول دور الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني.

يعتبر رفسنجاني واحدا من أثرى وأقوى الشخصيات داخل إيران، وسبق له العمل بمثابة اليد اليمنى لـ«أبو الثورة»، آية الله روح الله الخميني. وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، وجه رفسنجاني انتقادات صريحة إلى الرئيس محمود أحمدي نجاد، وأبدى تأييده لمرشح المعارضة، مير حسين موسوي. ويبدو أن غيابه عن الساحة العامة، إلى جانب الاحتجاز الاستفزازي، وإن كان مؤقتا، لأفراد من أسرته، أسفر عن تفاقم معركة داخلية بين طبقتين من النخبة السياسية الإيرانية. يقول كريم سجادبور، المحلل السياسي لدى «معهد كارنيغي للسلام الدولي»: «أرى أن النخبة السياسية في البلاد منقسمة على نفسها أكثر من أي وقت مضى في تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد لـ30 عاما. والآن، يقف رفسنجاني، أحد الآباء المؤسسين للجمهورية، والرجل الذي وضع خامنئي في منصب المرشد الأعلى، في صف المعارضة». يتولى رفسنجاني قيادة اثنتين من المؤسسات الحكومية القوية، وهما مجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام. ويبدو واضحا أن رفسنجاني البالغ من العمر 75 عاما، يقف في لب النزاع المشتعل حول مستقبل الجمهورية الإسلامية. وتواجه رؤية رفسنجاني للدولة، ومكانته في تاريخ بلاده، تحديا من جانب نخبة سياسية جديدة يتزعمها أحمدي نجاد وعدد من العناصر الراديكالية الأصغر سنا ممن شاركوا في حرب السنوات الثماني ضد العراق.

وقد حاول أحمدي نجاد وحلفاؤه تشويه صورة رفسنجاني باعتباره مسؤولا ضعيفا وفاسدا، وهي هجمات لم يتدخل آية الله علي خامنئي بقوة لدحضها. على الجانب الآخر، تلقى زعماء المعارضة، خاصة موسوي، تأييدا من قبل رفسنجاني، بحسب ما أوضح محللون سياسيون. ويقول مستشار سياسي أجنبي طلب عدم الإفصاح عن هويته لأن أسرته تعيش في إيران ويخشى التعرض للانتقام، إن الأمر «تحول إلى لعبة بالغة الخطورة لا بد فيها من فائز ومهزوم». ولا شك أن الوضع الراهن يشكل مفارقة تاريخية، حيث تحول رفسنجاني، أبرز عناصر النظام، إلى التحالف مع حركة إصلاحية سبق وأن اتهمته بالفساد الشديد. ورفسنجاني كان من العناصر المتشددة المعادية للولايات المتحدة خلال الأيام الأولى من عمر الثورة ولا يزال يواجه اتهامات بأنه من أصدر أوامر تفجير مركز يهودي في بيونس أيريس عام 1994 عندما كان رئيسا للبلاد. إلا أنه بمرور الوقت، تكونت لديه وجهة نظر أكثر براغماتية، بحسب رؤية بعض المحللين. يدعم رفسنجاني الانفتاح على نحو أكبر على الغرب، وخصخصة قطاعات من الاقتصاد، ومنح المزيد من السلطات إلى المؤسسات المدنية المنتخبة. وتتعارض وجهة نظره مع تلك الخاصة بمن يتولون مقاليد السلطة حاليا الذين يؤيدون بناء مؤسسة دينية أقوى ولم يبذلوا سوى القليل من الجهود لتحديث الاقتصاد الراكد. وفي ما وراء الصدام بين الأفكار، يحمل الصراع الدائر أيضا طابعا شخصيا. يقول سجادبور: «على المستوى السياسي، يمثل ما يجري الآن، من بين كثير من الأمور الأخرى، ظهورا للعداء القائم بين خامنئي ورفسنجاني طيلة 20 عاما على السطح»، مضيفا أن الوضع الحالي «ليس به فريق طيب وآخر شرير، وإنما فريق شرير وآخر أشد شرا». ومن غير الواضح بعد حجم النفوذ الذي يمكن لرفسنجاني إضافته لهذا الصراع. وسبق لرفسنجاني أن اتخذ صف المعارضة من قبل. ففي عهد الشاه، كان رفسنجاني طالبا دينيا لآية الله الخميني بمركز العلم الشيعي المتمثل في مدينة قم. وتعرض للحبس في ظل حكم الشاه. وتولدت رابطة قوية للغاية بينه وبين الخميني حتى بات يعرف باسم «صديق الخميني المقرب». وبعد عام 1979، تولى منصب رئيس البرلمان. وداخل البرلمان، اتخذ رفسنجاني لنفسه دورا ظل ملازما له طيلة عقود. وتقول روبين رايت في كتابها «باسم الله، عقد الخميني»، أنه «مثلما تحول آية الله إلى تجسيد للثورة، أصبح رفسنجاني تجسيدا للدولة». وفي ما بعد، تولى رفسنجاني الرئاسة لفترتين واضطلع بدور محوري في تصعيد آية الله خامنئي ليحل محل الخميني عام 1989. وقال الأفراد الذين كانوا يعملون بالحكومة آنذاك إن رفسنجاني، كرئيس للبلاد، أدار شؤون البلاد، بينما حذا آية الله خامنئي حذوه. لكن بمرور الوقت، نشأت فجوة بين الاثنين مع عثور خامنئي على أنصار سياسيين له داخل المؤسسة العسكرية. وقد تعرض رفسنجاني لأضرار سياسية بالغة بعد رحيله عن الرئاسة لدرجة أنه أخفق في الحصول على عدد كاف من الأصوات لدخول البرلمان. وعام 2002، تم تعيينه رئيسا لمجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي من المفترض أنه يتولى الفصل في النزاعات بين البرلمان المنتخب ومجلس الأوصياء غير المنتخب.

في عام 2005، ترشح مجددا للرئاسة، لكنه خسر في مواجهة أحمدي نجاد. ثم جرى انتخابه لقيادة مجلس الخبراء، الذي يتمتع بسلطة الإشراف على المرشد الأعلى واختيار شخص محله حين وفاته، لكن أعضاءه نادرا ما يمارسون سلطاتهم في الشؤون اليومية.

وقال أحد المحللين السياسيين إن العامل الجوهري لتفهم رفسنجاني يكمن في كتاب وضعه حول أمير كبير، رئيس الوزراء في عهد نصر الدين شاه، الذي قتل عام 1852، ويجري النظر إليه على نطاق واسع باعتباره أول إصلاحي حديث في إيران. ويعتقد المحللون أن رفسنجاني يرغب في ضمان مكان له في التاريخ باعتباره أمير كبير العصر الحالي. وأشار المحلل السياسي الأجنبي إلى أن رفسنجاني يعد بمثابة: «علامة استفهام في الوقت الحالي. ويأمل كثيرون في أن يكون هو الشخص القادر على حل الوضع الراهن».

* خدمة «نيويورك تايمز»