إيطاليا: يد واشنطن الممدودة لإيران لا يمكن أن تعود إلينا ملطخة بالدم

بريطانيا: النظام الإيراني يواجه «أزمة ثقة» مع شعبه * السويد تحذر من فرض عقوبات أوروبية على طهران

مذيعة في «راديو زمانه» باللغة الفارسية الذي يبث من هولندا ويتلقى العديد من الرسائل من داخل طهران (أ. ب)
TT

بعد يوم من إعلان إيران أنها تدرس خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع بريطانيا، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند إن الحكومة الإيرانية تواجه «أزمة ثقة» مع شعبها وليس أزمة مع الغرب، منددا بـ«القمع الشديد» للمظاهرات التي جرت في إيران احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية. يأتي ذلك فيما تتجه مجموعة الثماني إلى اتخاذ موقف متشدد حيال إيران خلال اجتماعاتها المقررة في إيطاليا، إذ قال وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني إن «يد الولايات المتحدة الممدودة، لإيران، التي دعمناها لا يمكن أن تعود لنا ملطخة بالدم». فيما قال رئيس وزراء السويد فريدريك راينفلد أن الاتحاد الاوروبي قد يفرض عقوبات على طهران، إلا أنه حذر من أن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية فيما يتعلق بسلوك إيران. وقال ميليباند في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أمس: «من المؤكد أن هناك قمعا شديدا، لقد رأيناه في قمع الصحافيين كما في الاعتداءات على الأجانب». وأضاف: «ولكنني أعتقد أنه في الحقيقة، هناك أزمة ثقة بين الحكومة الإيرانية وشعبها»، مؤكدا أن «هذه ليست أزمة بين إيران وأميركا أو بين إيران وبريطانيا، مهما فعلت الحكومة الإيرانية للإيهام بذلك». تأتي هذه التصريحات في وقت تبادلت فيه لندن وطهران طرد دبلوماسيين اثنين لكل منهما مطلع الأسبوع، واتهام السلطات الإيرانية بريطانيا بالتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية والضلوع في موجة الاحتجاجات غير المسبوقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية.

وأوضح ميليباند أن «الناس نزلوا إلى الشارع بسبب أزمة الثقة في نتائج الانتخابات التي أعلنت». وأضاف: «هذا الأمر ليس مفتعلا ولا منظما من قبل بريطانيا.. هذه مسألة يجب أن يفصل فيها الشعب الإيراني»، مؤكدا أن «من مسؤولية الحكومة الإيرانية أن تحمي شعبها لا أن تسلبه حقوقه».

وجاءت اللهجة البريطانية الحازمة مع لجهة أوروبية حازمة أيضا، إذ أعلن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني أن وزراء خارجية مجموعة الثماني سيتخذون خلال اجتماعهم في ترييستي (إيطاليا) «موقفا صارما واضحا جدا» من الوضع في إيران، وأن روسيا «ستدعمه». وقال الوزير أمام المجلس البلدي في ترييستي (شمالي شرق) بعيد وصوله للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية مجموعة الثماني أمس: «سنتخذ موقفا صارما وواضحا جدا أمام العالم». ونقلت وكالة «إنسا» الإيطالية عن الوزير أنه مقتنع أن روسيا «ستدعم» هذا الموقف.

وقد اتخذت روسيا حتى الآن موقفا أكثر اعتدالا من الغربيين بشان الأزمة الإيرانية التي تعتبرها «قضية داخلية». واعتبر فراتيني أن «قيمة الحياة أكبر من اتفاقيات ثنائية محتملة مع إيران، وأظن أن روسيا لن تجد صعوبة في دعم موقف مشترك». وأضاف أن المجتمع الدولي أبدى «مؤشرات عدة عن إرادته في مد اليد، ويجب أن يكون اليوم حازما في إدانته». وتابع فراتيني أن «يد الولايات المتحدة الممدودة التي دعمناها لا يمكن أن تعود لنا ملطخة بالدم». وقال إن «إيران في منعطف يجب عليها أن تختار إذا ما كانت تريد إبقاء باب الحوار مفتوحا مع المجتمع الدولي». وبعد أن ذكر أن إيطاليا كانت «البلد الأول والوحيد» في الاتحاد الأوروبي الذي منح إمكانية «احتضان ومساعدة الأشخاص الفارين والمحتاجين لعناية طبية» خلال المظاهرات العنيفة في إيران، أعرب عن الأمل في «موقف مشترك» من الاتحاد الأوروبي حول هذه المسالة. وتتكون مجموعة الثماني من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا واليابان وروسيا والولايات المتحدة وكندا.

يأتي ذلك، فيما احتج سفير إيران لدى بلجيكا، علي أصغر حاجي، أمس، على «الموقف الموجه والمنحاز» للاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية داعيا إلى «عدم التدخل في الشؤون الداخلية» لبلاده. وانتقد السفير الذي التقى الخميس رئيس البرلمان الأوروبي هانس غيرت بوترينغ «الموقف الموجه والمنحاز للاتحاد الأوروبي من الأحداث الداخلية في إيران، وأحتجج على ذلك» بحسب بيان. وطلب من «البرلمان الأوروبي والاتحاد الأوروبي عدم التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية وتفادي إعلان مواقف واتخاذ تدابير عاجلة وسابقة لأوانها قد يكون لها عواقب وخيمة». ومنذ بدء المظاهرات، انتقد الأوروبيون بشدة طهران، وأعربت دول عدة عن «قلقها» من الأوضاع ومن وجود عمليات غش خلال الاقتراع. وأعرب بوترينغ خلال لقائه السفير الإيراني عن «احتجاجه الشديد» و«دعمه للمظاهرات السلمية التي ينظمها المواطنون الإيرانيون»، مدينا قمعهم بحسب بيان منفصل. وأضاف: «نطلب من نظام طهران أن يضع حدا للعنف ويسمح بالتظاهر ويفرج عن الصحافيين الموقوفين ويجيز للإعلام الأجنبي تغطية الأوضاع في البلاد بحرية». وأعلن بوترينغ الأربعاء لأول مرة أنه مستعد «لرئاسة» وفد من النواب الأوروبيين يتوجه إلى إيران «في أقرب فرصة لمراقبة الوضع ميدانيا». وأضاف: «أطلب من السلطات الإيرانية تعاونا تاما حول هذه النقطة».

لكن، وعلى النقيض من موقف أوروبا وأميركا، اتهم الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) بالوقوف وراء المظاهرات المناهضة للحكومة في إيران. وقال شافيز الذي يسعى لتقوية العلاقات مع الجمهورية الإسلامية، إن «اليد الإمبريالية» لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وأوروبا وراء المواجهات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 17 شخصا في إيران».

وأضاف أن «المواطنين نزلوا إلى الشوارع وقد قتل البعض منهم. هناك قناصون. ووراء كل هذه الأحداث تقف وكالة الاستخبارات المركزية واليد الإمبريالية للدول الأوروبية والولايات المتحدة». وقال: «من وجهة نظري، هذا ما يحصل في إيران».

وأدلى شافيز بهذا التصريح الأربعاء على هامش اجتماع للزعماء اليساريين في أميركا اللاتينية في ماراكاي بوسط فنزويلا. وأوضح شافيز أن «أحمدي نجاد فاز في الانتخابات بصورة شرعية».

وكان شافيز أكد دعمه للرئيس الإيراني الذي أعلن فوزه في بالانتخابات الرئاسية في 12 يونيو (حزيران). وكان الرئيس الفنزويلي أعلن الأحد في كلمته المتلفزة أن البعض يحاول «نسف دعائم الثورة الإيرانية». وطلب من العالم «احترام إيران».

في واشنطن، قال السناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي إن خير سبيل تمارس الولايات المتحدة من خلاله ضغوطا على حكومة إيران هو العمل على تخفيض أسعار النفط من خلال تقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة. وفي مقابلة مع «رويترز» قال كيري إن تبادل التصريحات الحادة مع إيران بسبب قمعها للاحتجاجات لن يكون فعالا.

وشدد الرئيس باراك أوباما الثلاثاء انتقاده لقمع إيران للمتظاهرين قائلا إنه جعله يشعر «بالارتياع والغضب»، لكنه حاول أن يستمر في توخي الحذر وتفادي أن يبدو كمن يتدخل في شؤون إيران. وقال كيري: «في هذه الحالة أهم شيء يمكننا القيام به هو خفض أسعار النفط من خلال ضمان أن نكون أكثر استقلالا في مجال الطاقة وأن تكون لدينا سياسة أقوى فيما يتعلق بالطاقة... لأن إيران ستكون في مأزق خطير إذا انخفض سعر النفط دون 50 دولارا للبرميل مع ميله لمزيد من النزول». وأضاف: «ولذا، فإن كنتم تريدون وسيلة ضغط ومواقف مختلفة في إيران، فهذه وسيلة مهمة يمكننا من خلالها أن نؤثر عليها. بدلا من أن نجلس ونحاول أن نحدد ماذا نقول لهم أو أن نخوض في أخذ ورد من خلال التصريحات العلنية وهو ما لن يفيد شيئا في تغيير هذا الاتجاه». وقال كيري إنه ليس لزاما على الكونغرس أن يبت الآن في اقتراح في مجلس الشيوخ يعطي الرئيس سلطة فرض مزيد من العقوبات على إيران من خلال معاقبة الشركات التي تورد البنزين إلى طهران. ويلقى الاقتراح مساندة من نحو 60 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي المائة، الأمر الذي يعكس الرغبة الشديدة في فرض مزيد من العقوبات على إيران إذا لم تقم بتجميد برنامجها النووي. وقال كيري إنه يجب على المشرعين أن ينتظروا ليروا كيف ستتكشف الأحداث في إيران وهل يمكن بدء حوار جاد بين طهران وحكومة أوباما. وأضاف بقوله إنه من المحتمل أن تؤدي الأحداث الأخيرة إلى مزيد من المناقشات بين الولايات المتحدة وطهران «على ألا نكون في حالة حرب كلامية».