خيارات المعارضة تتقلص مع تشديد السلطات في إيران من قبضتها على الشارع

العديد من المحلات التجارية لا تزال مغلقة في حالة يسودها الانتظار والترقب

TT

يبدي قادة إيران، خطوة بخطوة، نجاحا في صد التهديدات الموجهة ضد سلطاتهم وسحق مظاهرات الشوارع والضغط على المتنافسين لسحب شكاواهم أو تحجيم اعتراضاتهم على نتائج الانتخابات الرئاسية، وتقييد قدرة زعيم المعارضة على القيام بما هو أكثر من التصريحات الغاضبة. فبعد أسبوعين من نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها أصدر مير حسين موسوي أبرز المنافسين، بيانا غاضبا أكد فيه التزامه بالمضي قدما وعجزه أمام الحكومة القمعية التي تزداد جرأة.

ويشير المحللون السياسيون إلى أن موسوي لا يملك هيئة سياسية تعمل إلى جانبه لكنه نجح خلال ذروة الاضطرابات في جذب عدد كبير من المؤيدين بسبب معارضته لأحمدي نجاد لا من خلال أفكاره.

وقال مير حسين موسوي في بيانه الذي نشره على موقعه على الشبكة العنكبوتية: «إنني أجد نفسي مضطرا لإظهار كيف ساند مجرمو الانتخابات من يقفون وراء أحداث الشغب الأخيرة وأراقوا دماء الشعب. لن أتراجع لثانية واحدة بسبب تهديدات شخصية في الدفاع عن حقوق الشعب».

وربما يكون التساؤل الأكثر أهمية الآن هو ما إذا كان بإمكان القيادة تجاوز الخلافات العميقة التي عمقتها الانتخابات داخل النخبة السياسية الإيرانية التي تمثل أخطر التهديدات للنظام في تاريخه الممتد لثلاثين عاما.

لا تزال هناك مؤشرات على اتساع الغضب الجماهيري والسخط تجاه القيادة بيد أنه لا توجد مؤسسة لتوجيه ذلك الغضب، وذلك بحسب قول المحللين.

ويبدو أن القيادة الإيرانية المتشددة أجبرت بعض رموز المعارضة على التراجع عن التحدي والمواجهة اللذين سادا إيران خلال الأسبوعين الماضيين. ففي يوم الثلاثاء قال مهدي كروبي أحد مرشحي الرئاسة الخاسرين، الذي كان موجودا بصورة كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية أكثر من موسوي، إنه لا يعتبر فوز نجاد شرعيا لكنه سيستمر في شكواه عبر النظام القانوني، فيما سحب المرشح الثالث محسن رضائي جميع شكاواه.

لكن هناك إشارات أيضا على استمرار المعارضة. وقد عبر عدد قليل من المحافظين عن رفضهم لمشهد ضرب المتظاهرين العزل وإطلاق الرصاص عليهم من قبل قوات الحكومة. وأوردت صحف الخميس مشاركة 105 من نواب البرلمان البالغ عددهم 290 في الاحتفال بفوز أحمدي نجاد يوم الثلاثاء. وقد كان غياب عدد كبير من المشرعين من بينهم علي لاريجاني، المحافظ القوي، أمرا مثيرا للدهشة.

ولم يصدر بيان عن علي أكبر هاشمي رفسنجاني، مناصر موسوي الذي اعتبر واحدا من الرموز السياسية على الساحة الإيرانية وبناة التحالفات. ويشير المحللون إلى أن ذلك يحمل دلائل على وجود مناورات من وراء الستار تتحدى الوضع القائم.

ولتجنب القمع العنيف توجه الإيرانيون إلى وسائل أخرى تعبر عن معارضتهم عبر تكرار نماذج التحدي للشاه، التي تمثلت في ترديد عبارة «الله أكبر» الساعة العاشرة مساء من على أسطح المنازل مقترنة بالهتافات الجديدة «الموت للدكتاتور» التي تزداد قوتها يوما بعد يوم.

وقد بدأ بعض الإيرانيين في التعريف برجال الشرطة السرية وإحراجهم عبر نشر صور الأشخاص الذين اخترقوا المظاهرات وقاموا بضرب المتظاهرين.

وقد تعهد المتظاهرون بإطلاق آلاف من البالونات الخضراء والسوداء أمس في ذكرى من قتلوا في تلك المصادمات. وقال أحد المحللين الإيرانيين المغتربين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه يزور إيران دائما ويخشى العقاب، إن أمام موسوي «العمل من وراء الستار وأن يحاول الحصول على الدعم من الدوائر النافذة وأن يستغلها لصالحه وبالطبع فإنهم سيحاربون لكن ليس من أجل موسوي بل لرفضهم أو لاستخفافهم بأحمدي نجاد» وآية الله على خامنئي المرشد الأعلى لإيران.

فيما ذكر محلل آخر طلب عدم الكشف عن اسمه أنه لا يزال بمقدور النخبة السياسية العنيدة التوحد لتجنب الخروج من السلطة كلية.

وفي مؤشر آخر على عمق هوة الخلافات دعا آية الله ناصر مكارم شيرازي، أحد كبار علماء إيران، إلى «مصالحة وطنية». وقال في بيان نشر على موقع «برس تي في» على شبكة الإنترنت الذي تديره الدولة: «من المؤكد أن هناك شيئا ما يجب القيام به لضمان عدم وجود جذوات تحت الرماد وأن تتحول العداءات والخصومات والتنافسية إلى محبة وتعاون بين كل الأطراف». ويبدو أن الحكومة قد بدأت في التراجع بناء على خطة مألوفة: تتمثل في إثارة الإيرانيين عبر الدعوات الشعبية بالتصدي للتدخل الخارجي والاتهامات بالمؤامرات الخارجية. وقال مساعدو رضائي إن السلطات لم تبال بالتصريح بموافقتها على خروج أحمدي نجاد من الظل والحديث بلهجة حادة إلى الرئيس أوباما الذي قال يوم الخميس إنه «غاضب ومرتاع لقمع المتظاهرين».

كان نجاد قد قال يوم الخميس: «إننا نتوقع أن تدلي بريطانيا والدول الغربية بتلك التصريحات لكننا لا نتوقع أن يسقط الرئيس أوباما الذي تحدث عن التغيير في ذات الشرك وأن ينتهج نفس مسار الرئيس بوش».

لم يتوقف نجاد عند هذا الحد بل قال: «أتمنى منك أن تنأى عن التدخل في الشؤون الإيرانية وأن تعبر عن أسفك بصورة يحسها الإيرانيون».

وقد زعمت صحيفة «جافان» وموقع «راجا» على الإنترنت المقربان من الرئيس أحمدي نجاد أن مراسل الـ«بي بي سي» جون ليني الذي طرد من إيران الأسبوع الماضي قد استأجر مجرما لقتل ندا أغا سلطان التي أصبحت رمزا للشهادة بعد أن وزع فيديو موتها في طهران والعالم.

وعلى الرغم من الهدوء في شوارع طهران، لا تزال محلات تجارية كثيرة مغلقة في حالة من الجمود يسودها الانتظار والترقب. وأصر موسوي، الذي لم يظهر إلى العلن منذ خميس الأسبوع الماضي، على موقعه على الإنترنت على «عملية التزوير الكبرى» التي حدثت في الانتخابات وأن الحكومة «هاجمت المتظاهرين بلا رحمة وقتلت وأصابت واعتقلت العديد منهم».

وقد استمرت الحكومة في اعتقال مؤيدي موسوي، فأورد موقعه أن 70 أستاذا جامعيا اعتقلوا ليلة الأربعاء بعد لقائهم به على الرغم من نفي وكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية لذلك. وشكا موسوي على ذات الموقع أيضا من الضغوط الكبيرة التي تمارس عليه لقبول نتائج الانتخابات وتقييد اتصالاته بمؤيديه ومحاولات حجب موقعه على الإنترنت.

لم تلق السلطات القبض على موسوي لكن وسائل الإعلام التابعة للدولة بدأت في تصويره بالرجل الذي يقف خلف الإضرابات.

* كتبت ناظلة فتحي من طهران ومايكل سلاكمان من القاهرة. كما ساهم آلان كويل من باريس ومنى النجار من القاهرة وشارون أوترمان من نيويورك.

* خدمة «نيويورك تايمز»