نتنياهو يستعد لمنع أي محاولة لتكرار تجربة سقوطه عام 1999

تهاوى حكمه جراء عدم رضا واشنطن وتخلي اليمين عنه

TT

يجمع المراقبون في إسرائيل على أن الهم الأول الذي يشغل بال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو اليوم، ويصرف من أجله، جل وقته ويكرس له كل سياسته، هو البقاء رئيسا للحكومة ومنع تكرار التجربة السابقة له، عندما أسقط عن الحكم في سنة 1999.

ففي حينه تحالف ضده كثيرون. فالرئيس الأميركي، بيل كلينتون، رأى فيه عقبة في طريق السلام وقرر تخفيض المساعدات الأميركية لإسرائيل بقيمة 600 مليون دولار (من 3 مليارات إلى 2.4 مليار). وأدار اليمين الإسرائيلي، الذي كان عمليا المعسكر الذي قاده نتنياهو، له ظهره واعتبره خائنا بسبب انسحابه من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية واعتبره اليسار منافقا، أما الإعلام الإسرائيلي فلم يحترمه واتهمه دائما بالكذب والتلون واللف والدوران. واليوم يسعى لتغيير صورته لدى الجميع، رغم الصعوبات الناجمة عن تركيبة شخصيته وتركيبة ائتلافه والتناقضات التي وضع نفسه فيها.

فالأميركيون من طرفهم يحاولون إفهامه أن شيئا جديدا حصل في البيت الأبيض، وان ما كان في الماضي ممكنا ومسموحا، مثل التعهد بشيء وعمل نقيضه، لم يعد ممكنا ولا مسموحا ولا قدرة على احتماله. فيقول لهم: «إذا قررت تجميد الاستيطان سيخرج اليمين من ائتلافي وأظل وحدي في الساحة». فيجيبونه: «لديك ائتلاف بديل وأنت تعرف ما هو. ويقصدون بذلك حزب كاديما» برئاسة تسيبي ليفني. لكن ليفني لن تدخل الائتلاف من دون أن تضمن منصب رئيس الحكومة لسنتين على الأقل، وهذا لا يقبل نتنياهو به أبدا. ويتوجه إلى أحزاب اليمين ويقول لها بصراحة: «إنني أتعرض لضغوط شديدة. فابقوا معي لنصدها. فإن تركتموني هذه المرة، لن أتصرف كما في الماضي، إنما سأقيم تحالفا مع «كاديما»، وعندها تتغير سياسة الحكومة تماما ولن يكون لكم (اليمين)، أي نفوذ عليها». ولا يكتفي نتنياهو بالكلام، بل هو يدير مفاوضات من وراء الكواليس مع شاؤول موفاز، الرجل الثاني في «كاديما»، حتى ينسلخ عن حزبه ويعود إلى حزب الليكود. وموفاز لا يخفي رغبته بالدخول إلى الحكومة. ويقال إن لديه 6 نواب آخرين في الكنيست (من مجموع 29 نائبا لحزب «كاديما») يؤيدونه في هذا الهدف. وهم مستعدون للانسلاخ عن «كاديما» والانضمام تحت قيادة موفاز إلى حزب الليكود. ولذلك يسعى نتنياهو لتغيير قانون الأحزاب، الذي لا يسمح لنائب أو لمجموعة نواب في الكنيست بالانسلاخ عن كتلة الحزب التي انتخب باسمها إلا إذا جمع حوله ثلث عدد نواب الكتلة. وقد فشل نتنياهو حتى الآن في طرح تعديل القانون، وتسبب في أزمة داخل البرلمان، إلا أنه لا ينفك يحاول. وقد طلب نتنياهو تعديل القانون بحيث يصبح ممكنا لسبعة نواب أن يتركوا حزبهم وينضموا إلى حزب آخر، خصيصا على مقاس موفاز ومجموعته. وهو يستهدف بذلك ضم موفاز ورفاقه الستة، ليضرب عصفورين بحجر واحد: تفكيك الحزب المنافس «كاديما»، حتى لا تعود له قائمة ولا يستطيع منافسته خلال الدورة الحالية، من جهة وتعزيز قوة ائتلافه الحاكم في حال انسلاخ حزب يميني من ائتلافه. لكن هذه السبل الإجرائية لا تكفي لمواجهة الضغط الأميركي عليه. وهي تنفع فقط إذا رضخ لهذا الضغط ووافق على طروحات يرفضها اليمين المتطرف. عندئذ يكون موفاز بمثابة بديل لأحزاب اليمين المتطرف في حكومته. ويستطيع ضمان البقاء رئيسا للحكومة. أما اليمين المتطرف، من جهته، فيبدي حتى الآن وعيا لهذا الخطر. وهو يستمع جيدا إلى ما يقوله له نتنياهو. ففي الماضي (سنة 1992) أدى تفسخ اليمين إلى سقوط حكومة اسحق شمير، ليفوز بعدها اسحق رابين ويوقع اتفاقات أوسلو في عام 1993 ويقتل في عام 1995. كما أن الأمر تكرر في سنة 1999 عندما تفسخ اليمين وسقط نتنياهو نفسه. وفي الحالتين كان الدافع الأساسي لهذا السقوط دخول الحكومة الإسرائيلية في أزمة مع الولايات المتحدة. والعديد من قوى اليمين يقول اليوم إن عليهم عدم السماح بسقوط حكومة اليمين، لأنه مهما تنازلت هذه الحكومة فستظل أفضل من حكومة وسط ويسار. ولذلك، فإن اليمين لا يسارع حاليا في التنازل عن نتنياهو. وغالبية القوى فيه تحاول مساعدته على الصمود في وجه الضغط الأميركي، على أمل أن تؤدي تطورات أخرى إلى وقف أو ضعف هذا الضغط. فيأملون مثلا في أن يدخل الرئيس أوباما في صدام مع الفلسطينيين والعرب. أو يأملون في أن يفشل في معالجة الأزمة الإيرانية أو الأزمة الكورية الشمالية، فيصبح في وضع ضعيف يمنعه من ممارسة الضغط على إسرائيل وينجو بذلك هو (أي اليمين الإسرائيلي) وينجو معه نتنياهو.