خامنئي يتراجع مجددا أمام الضغوط.. وأوباما «يجمد عمليا» الحوار المباشر مع طهران

مسؤول إيراني بارز لـ«الشرق الأوسط» : رفسنجاني مستهدف.. وحذرته منذ التسعينات من محاولات لشطبه

عنصر من الباسيج يطلق مع مدنيين إيرانيين شعارات مؤيدة للحكومة أثناء صلاة الجمعة في جامعة طهران أمس (أ.ب)
TT

فيما غاب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني عن حضور صلاة الجمعة في جامع جامعة طهران أمس للأسبوع الثاني على التوالي في دلالة على استمرار الشقاق السياسي بين النخبة الإيرانية حول نتائج الانتخابات الرئاسية، ظهرت تأثيرات الضغوط السياسية التي تمارَس من وراء الستار من قِبل التيار العريض من الإصلاحيين والبراغماتيين وعلى رأسهم رفسنجاني وزعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوي، إذ أعلنت السلطات الإيرانية أمس تشكيل لجنة خاصة لإعداد تقرير حول الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو (حزيران) الجاري وفرز 10% من الأصوات بحضور ممثلين عن المرشحين المعترضين على نتائج الانتخابات. ويعد هذا تنازلا جديد من قِبل المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي الذي غاب أمس عن صلاة الجمعة، والذي أعلن في كلمة له يوم الأربعاء الماضي رفضه لمطلب المعارضة الإصلاحية بزعامة موسوي تشكيل لجنة جديدة لدراسة الشكاوي في نتائج الانتخابات. وأصر موسوي وزعيم حزب «اعتماد ملي» مهدي كروبي على مطلب تشكيل لجنة جديدة، متهمين مجلس صيانة الدستور وأعضاءه بالانحياز إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وقال المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور أمس إن اللجنة الجديدة ستقوم بإعادة فرز الأصوات بحضور الإعلام، داعيا المرشحين الخاسرين «مير حسين موسوي ومهدي كروبي على تقديم أسماء بممثليهم (إلى اللجنة) خلال 24 ساعة» من أجل إزالة أي غموض والإجابة على أي أسئلة بشأن الانتخابات».

وكان لافتا أن من ضمن أعضاء اللجنة الجديدة وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي وأحد مستشاري خامنئي والمعروف أيضا بانتقاداته لأحمدي نجاد، ووزير الاستخبارات السابق قربان علي نجف ـ عبادي، ورئيس البرلمان السابق غلام علي حداد عادل الذي كان أحد كبار البرلمانيين الذين قاطعوا الحفل الذي أقامه أحمدي نجاد احتفالا بإعادة انتخابه كما قال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط». وقال المصدر الإيراني إنه بالإضافة إلى حداد عادل ورئيس البرلمان على لاريجاني، قاطع احتفال نجاد أيضا محمد باهنر نائب رئيس البرلمان الإيراني، وأحمد توكلي رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان. وكل هؤلاء تربطهم علاقات جيدة مع رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني.

وأوضح المصدر الإيراني أن رفسنجاني يقوم بمشاورات متصلة حول الأزمة مع رموز من التيار المحافظ ورموز من التيار الإصلاحي، موضحا أنه ليس من المعروف بدقة ما الذي تم التوصل إليه حتى الآن، باستثناء قرار تشكيل تلك اللجنة الجديدة لإعداد تقرير حول الانتخابات. وتابع: «رفسنجاني يتحرك بحرص شديد ويقف في الصف الذي يرفض الاعتراف بشرعية الانتخابات مع موسوي» على الرغم من ضغوط تعرض لها منذ الأزمة. غير أن المصدر الإيراني أوضح في الوقت ذاته أنه: «بحكم الحساسية البالغة في الاصطدام المباشر والعلني مع خامنئي، تتم تحركات رفسنجاني بكثير من الحرص. ففي النهاية إذا اصطدما، خامنئي ورفسنجاني، بشكل علني فلن يتم حل شيء أو التوصل إلى حل وسط. أعتقد أن رفسنجاني بعد مشاوراته في قم وفي طهران رأى أن المدخل هو أن يكون وسيطا بين الطرفين، بمعنى أن يبقى خطا مفتوحا مع المرشد للضغط والتأثير».

ويبدو أن الإصلاحيين يتجهون للتحرك عبر المؤسسات الدستورية في إيران مستغلين كل علاقاتهم. وفي هذا الصدد قال مصدر إيراني آخر لـ«الشرق الأوسط»: «أين محمد خاتمي الآن؟ لم يعد في الصورة كثيرا، والسبب أن الكثيرين داخل التيار الإصلاحي يرون أنه من الأفضل الآن الضغط السياسي عبر المؤسسات والأشخاص النافذة لأن اللجوء إلى الشارع ثبت أنه مكلف ونتائجه غير معروفة العواقب. لكن هذا لا يعني أن موسوي أو رفسنجاني أو خاتمي أو كروبي تخلّوا عن موقفهم المبدئي بعدم الاعتراف بشرعية الانتخابات ورفض انتخابات أحمدي نجاد. الذي تغير هو الطريق للوصول إلى الهدف، وليس الهدف ذاته. كروبي مثلا خلال الأيام الماضية عندما طلب ترخيصا للتجمع لأنصاره ورفضت السلطات طلبه، ألغى فورا من موقعه طلب التجمع. الآن المعارضون للانتخابات سيلعبون من داخل النظام. أعتقد أن هذا أفضل لأنهم داخل النظام أقوى منهم خارج النظام».

وكانت مصادر مطّلعة قد تحدثت لـ«الشرق الأوسط» قد استبعدت استقالة رفسنجاني احتجاجا على «التزوير الواسع وغير المسبوق» في الانتخابات بحسب ما يرى الإصلاحيون. وأوضحت المصادر أن رفسنجاني الذي ما زال صامتا منذ الأزمة ولم يتحدث علانية حتى الآن «يشعر أنه معنيّ شخصيا بالأزمة الحالية». وقال مسؤول إيراني بارز عمل في حكومة الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي إن هذه المعركة تعني رفسنجاني بشكل مباشر وإن ما سيترتب عليها يتعلق بمستقبل رفسنجاني في النظام السياسي الإيراني. وأوضح المصدر الإيراني: «الصراع حقيقة على رؤى مختلفة لما ينبغي أن تكون عليه إيران. عندما انتخب خاتمي بأفكاره الإصلاحية وانفتاحه كان حسين غلام كرباستشي عمدة طهران آنذاك، ومثله مثل خاتمي يحمل رؤى اجتماعية وسياسية منفتحة. كما أنه مقرب جدا من رفسنجاني وعمل معه في حزب كوادر البناء. عندما استهدف المحافظون كرباستشي واتهموه بالفساد وصدر حكم بإقالته وسجنه قلت لرفسنجاني: اليوم دور كرباستشي، وغدا دوري، وبعد غد دورك. وهذا ما حدث الفعل. تمت محاربتي حتى استقلت. والآن الدور على رفسنجاني». ومن غير الواضح، حتى بالنسبة إلى الإصلاحيين، الطريقة التي سيتحرك بها رفسنجاني خلال الأسابيع والأشهر المقبلة خصوصا في ما يتعلق بالطريقة التي سيدير بها علاقته مع خامنئي، إلا أنه من الواضح أن رفسنجاني ينسج حاليا «شبكة تحالفات» من خلال علاقاته ومكانته وسط النظام طوال الثلاثين عاما الماضية، وقد بدأ نسج تلك الشبكة بالتوجه إلى مكان يعرف جيدا أنه أكثر نفوذا فيه من أحمدي نجاد وهو حوزة قم العلمية التي لا يتمتع فيها أحمدي نجاد بشعبية على الرغم من كل محاولاته. ويأتي ذلك فيما واصل المحافظون في إيران حملتهم النفسية ضد المعارضة، إذ دعا آية الله أحمد خاتمي أمام جمعة طهران أمس إلى «إعدام» مثيري الشغب، قائلا للمصلين في جامعة طهران: «أريد من القضاء أن يعاقب قادة المشاغبين بقسوة دون إظهار الرحمة كي يتعظ الجميع». وتابع المسؤول الإيراني: «إن ندا قُتلت بأيدي مثيري الشغب أنفسهم لأهداف دعائية. من مشاهدة الشريط يستطيع أي عاقل فهم أن مثيري الشغب هم الذين قتلوها». كما دعا أحمد خاتمي إلى «تشديد المراقبة» على الصحافة الأجنبية في البلاد التي اتهمها بالتحريض على التظاهرات التي تلت الانتخابات الرئاسية. وقال إن «وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية والبريطانية أبدت انحرافها في هذه القضية». وأضاف: «إنهم يصبون الزيت على النار، فكيف لهم أن يتجولوا بحرية في البلاد. أنتظر من الحكومة أن تراقبهم» في إشارة إلى الدور الذي نُسب إلى تلك الوسائل في التظاهرات. وتابع : «كيف يمكنهم التجول في البلاد ولديهم هواتفهم النقالة وعبر الأقمار الصناعية (وينقلون معلومات) لتحريض الناس» على الخروج إلى الشوارع.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أصدر أمس بيانا شديد اللهجة ضد العنف ضد المتظاهرين في إيران، فإن رد فعل أميركا أمس كان الأسوأ بالنسبة إلى إيران، إذ إن الرئيس الأميركي باراك أوباما «جمّد عمليا» المفاوضات المباشرة مع طهران حول الملف النووي، موضحا أن المفاوضات المستقبلية ستتم عبر مجموعة «5+1». وقال أوباما في مؤتمر صحافي أمس مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: «لا شك في أن أي حوار مباشر أو تحركات دبلوماسية مع إيران ستتأثر بالأحداث التي وقعت على مدى عدة أسابيع ماضية، ولا نعرف حتى الآن كيف سيتأثر أي حوار محتمل حتى نرى ماذا حدث داخل إيران». وأضاف: «ستجرى وتستمر المناقشات على الصعيد الدولي، مجموعة «5+1»، بشأن البرنامج النووي الإيراني. أعتقد أن الحوار المباشر بين الولايات المتحدة وإيران وكيف يمضى ذلك الحوار قدما، أعتقد أنه سيتعين علينا أن نرى ما ستؤول إليه الأمور في الأيام والأسابيع القادمة». ورفض أوباما تقديم اعتذار طالب به الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي اتهم الرئيس الأميركي بالتدخل في الانتخابات الإيرانية، وقال: «لا آخذ تصريحات أحمدي نجاد بشأن تقديم اعتذارات على محمل الجد». كما أشاد الرئيس الأميركي بالمحتجين الإيرانيين قائلا إن «شجاعتهم في وجه الوحشية دليل على سعيهم الدائم إلى العدالة. العنف الذي تعرضوا له أمر شائن». وقال أوباما في أول مظهر لتفضيله الإصلاحي موسوي على أحمدي نجاد إن موسوي «أسر خيال» الإيرانيين الذين يريدون الانفتاح على الغرب.