الحريري رئيسا للوزراء.. يتعهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدا عن العرقلة والشلل

اعترف بوجود تحديات.. ووعد باختيار حكومة هدفها مشروع الدولة

الحريري يرافقه رئيس الحكومة المنتهية ولايته فؤاد السنيورة، يقرأ الفاتحة على قبر والده في وسط بيروت بعد قبوله تشكيل الحكومة (إ ب أ)
TT

بعد أربع سنوات وأربعة أشهر و13 يوما على اغتيال والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، تسلم رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري أمس ملف رئاسة الحكومة لتكتمل بذلك الملفات التي كان يحملها والده الراحل في عهدة نجله البالغ من العمر 39 سنة، والذي يقود الآن أكبر كتلة نيابية ويشرف على إدارة أهم ملفات لبنان.

دخل الحريري أمس رسميا نادي رؤساء الحكومات في لبنان، واعدا بتأليف حكومة «متجانسة تتمثل فيها الكتل النيابية الرئيسية»، مصارحا اللبنانيين بحقيقة «التحديات والأخطار التي تواجههم». وكلف الرئيس اللبناني ميشال سليمان الحريري تشكيل الحكومة الجديدة إثر حصوله على تأييد 86 نائبا هم: نواب الأكثرية البرلمانية (71 نائبا)، وكتلتا رئيس مجلس النواب نبيه بري (13نائبا)، وكتلة نواب الأرمن (نائبان)، فيما عمدت بقية قوى المعارضة إلى عدم التسمية، كما فعل «حزب الله» والنائب ميشال عون والقوى المتحالفة معهما.

وفي أول نشاط يقوم به بعد تسميته توجه الحريري إلى ضريح والده في وسط بيروت، حيث قرأ سورة الفاتحة، ثم انتقل إلى مقره في قريطم لتقبل التهاني «بطريقة حضارية». وكان سليمان أنهى أمس الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، فالتقى كتلة وحدة الجبل التي تضم أربعة نواب برئاسة الوزير طلال أرسلان الذي قال: «لم أسمِّ أحدا، سميت حكومة وحدة وطنية، حكومة شراكة وطنية، وحكومة تطبيقا للنص الدستوري القائم على الديمقراطية التوافقية في البلد».

ثم استقبل كتلة نواب المردة التي تضم أربعة نواب برئاسة سليمان فرنجية، الذي قال: «لم نسمِّ أحدا، وندعو بالتوفيق لكل من سيكلف تشكيل الحكومة، ونحن منسجمون مع موقف المعارضة». وعما إذا كان لا يزال متمسكا بالثلث المعطل قال: «موقفنا مبدئي بالنسبة إلى هذا الموضوع».

والتقى سليمان كتلة الأحزاب الوطنية والقومية التي تضم أربعة نواب برئاسة أسعد حردان، الذي قال إنه بعد الانتخابات النيابية «كنا نراهن على الانتقال إلى مرحلة فيها حس أكثر بالمسؤولية الوطنية، بهدف جمع الصف لمواجهة ما يهدد لبنان واستقراره ووحدته، وتخفيض الخطاب الطائفي والمذهبي وإلغاء الأزمة التي نعانيها بصورة تدريجية، لأن البلد كان مأزوما قبل الانتخابات ويعاني أزمة سياسية».

لكنه رأى أن «الإشارات التي لمسناها بعد هذه الانتخابات من الأيدي الممدودة إلى غياب الرؤية الواضحة حول الطروحات السياسية وكيفية ترجمة فعل الأيدي الممدودة باتجاه التفاعل الداخلي في وحدة الصف اللبناني، للأسف لم نلمسه، بل لمسنا حالة تسريع للمسائل وكأن هناك نوعا من اختصار للوقت والفعل والتفاعل (...). وعلى هذا الأساس وجدنا أننا لا نستطيع تسمية أحد لرئاسة الحكومة».

ثم التقى كتلة التوافق الأرمني التي تضم أربعة نواب تحدث باسمهم سيبوه قلبكيان الذي أعلن تسمية «الشيخ سعد الحريري لرئاسة مجلس الوزراء، ونتمنى من جميع القوى السياسية تسهيل تأليف الحكومة وتسريعه». وقال: «لقد سمينا الشيخ سعد بصورة خاصة لأنه يمثل الاعتدال الذي نحن كلبنانيين بحاجة ماسة إليه. وكنا أيضا بجانب رئيس الجمهورية في أحلك الظروف، وما زلنا بجانبه. وسنسعى في المستقبل إلى تعزيز دور الرئاسة الأولى».

وأوضح النائب أحمد كرامي باسم «كتلة التضامن» التي تضمه والرئيس نجيب ميقاتي أن الكتلة «سمت الصديق ابن الصديق الشيخ سعد الحريري لرئاسة الحكومة، ونتمنى أن يتم استعجال التأليف من أجل مصلحة البلد». وكذلك فعلت «كتلة الوفاق الوطني» التي تضم نائبين، وتحدث باسمها الوزير محمد الصفدي.

واستقبل رئيس الجمهورية كتلة نواب الأرمن التي تضم نائبين تحدث باسمهما النائب آغوب بقرادونيان، فقال: «كما أعلنا قبل الاستشارات وقبل أي طرف سياسي لبناني، أننا في خلال لقائنا مع فخامة الرئيس سمينا الشيخ سعد الحريري لتأليف حكومة وحدة وطنية يتمثل فيها أكبر عدد وأكبر نسبة من الأطراف السياسية اللبنانية»، مطالبا بأن يكون لكتلة نواب الأرمن ممثل في الحكومة. وردا على سؤال عن سبب تمايزهما عن المعارضة، قال: «نحن أساسا مميزون، وعندما كنا نقول إن هدفنا ككتلة نواب أرمن أن يكون لدينا القرار الذاتي والمستقل، فإن المثل الأول عن هذا القرار الذاتي هو تسمية الشيخ سعد الحريري».

وأعلن النائب عماد الحوت باسم «الجماعة الإسلامية» تأييد تسمية الحريري. وبدوره أيد النائب تمام سلام تسمية الحريري، معتبرا أن هناك «فرصة للخروج بحكومة وبتشكيلة حكومية انطلاقا من التوافق السائد في البلاد للمضي في مواجهة استحقاقاتنا».

ثم استقبل سليمان النائب بطرس حرب الذي رشح الحريري وشدد على «رفض أن يصار إلى تشكيل أية حكومة فيها الثلث المعطل، نظرا إلى التجربة الحزينة والفاشلة التي عشناها في الفترة السابقة». وسمى النائب روبير غانم الحريري آملا أن يوفق في مهمته، وكذلك فعل النواب ميشال فرعون وروبير فاضل ورياض رحال ودوري شمعون ونايلة تويني التي قالت إنها سمت الحريري لرئاسة الحكومة «لأن يده ممدودة للجميع، وكلنا نعمل للحلم الذي نطمح إليه، وهو لبنان دون حرب أو مشكلات أو عرقلة».

وبعد انتهاء الاستشارات اجتمع سليمان مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وأطلعه على نتائج الاستشارات، ثم استدعى الحريري وأطلعه عليها ثم كلفه تأليف الحكومة. وتلا الحريري بعدها بيانا مكتوبا استهله بالقول إنه قبِل التكليف «من موقع الوفاء لوالدي ومعلمي ورفيقي الدائم في الأيام الصعبة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومعه كل شهداء الحرية والاستقلال في لبنان، ومن موقع الالتزام بحق لبنان في الدفاع عن أرضه وسيادته وشعبه في مواجهة تهديدات العدو الإسرائيلي، ومن موقع الوفاء لالتزامات لبنان تجاه القضايا العربية، لا سيما قضية فلسطين وتأكيد حق العودة لشعبها وإقامة دولته المستقلة ورفض التوطين، ومن موقع الأمانة لرسالة لبنان في محيطه العربي وفي العالم كوطن نريده مثالا للعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، تشرفت من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان استنادا إلى نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة بتسميتي لرئاسة أول حكومة بعد الانتخابات النيابية التي جرت مطلع هذا الشهر وتكليفي بتشكيلها، وهذه مناسبة لأصارح كل اللبنانيين واللبنانيات بحقيقة الواقع والمسؤولية التي أتحملها في هذه اللحظة ونتحملها جميعا تجاه الوطن وأنفسنا».

وتابع: «لقد اعتبرنا الأكثرية النيابية التي فزنا بها في الانتخابات الأخيرة تكليفا واضحا بأمرين أساسيين: الحفاظ على ثوابت الدستور والمؤسسات والسيادة والاستقلال ومشروع بناء الدولة اللبنانية من ناحية، وتعزيز السلم الأهلي والاستقرار والاهتمام بالاقتصاد والتنمية والشأن المعيشي من ناحية ثانية. تحت هذين الاعتبارين كان قرارنا الأول فور إعلان نتيجة الانتخابات مد اليد إلى شركائنا في الوطن، وتعهدنا أمام الذين لم يصوتوا للأكثرية النيابية أننا سنسمع أصواتهم ونضع مصالحهم وهواجسهم بنفس مصاف أصوات ومصالح وهواجس الأكثرية التي انبثقت عن الانتخابات».

وأشار إلى أن الهم «الأول والأخير كان ولا يزال أن نبعد الفتنة عن بلدنا ونعيد اللحمة إليه لمواجهة تحديات خطيرة تتهدده على الصعيدين الخارجي والاقتصادي، وللإفادة أيضا من الفرص التي من شأنها أن تنشأ إذا أحسن اللبنانيون إدارة شؤونهم الوطنية».

وأكد الحريري التزامه «بحكومة وحدة وطنية تتمثل فيها الكتل النيابية الرئيسية تكون متجانسة وقادرة على العمل والإنتاج، تكون حكومة للإنجاز بعيدا عن أي عرقلة أو شلل»، وقال: «سنبدأ المشاورات مع جميع الكتل النيابية لمصارحتها، كما نصارحكم اليوم بالتحديات والفرص والوقائع التي نراها أمامنا، وبضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة لمصلحة لبنان ومصلحة كل لبناني ولبنانية».

واعتبر أن «الأخطار التي يواجهها لبنان حقيقية وكبيرة، لكن الفرصة المفتوحة أمامه هي أكبر»، مشيرا إلى أن «صد الأخطار عن بلدنا، واقتناص الفرصة المتاحة له، يبدآن من مكان واحد هو تشكيل حكومة قادرة على العمل، بالتعاون مع فخامة رئيس الجمهورية، قادرة على الوقوف صفا واحدا لإعادة تحريك الاقتصاد، وقادرة على الوقوف صفا واحدا في خدمة المواطن، وقادرة على الوقوف صفا واحدا في مشروع الدولة، وقادرة على الوقوف صفا واحدا في وجه تهديدات إسرائيل». وهنأت الولايات المتحدة الحريري قبل يوم من تكليفه تشكيل الحكومة بالمنصب الجديد، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كرولي في مؤتمر صحافي أول من أمس: «نهنئه على تكليفه المرتقب رئيسا للوزراء». وأضاف: «سيسرنا العمل معه ومع حكومته»، معربا عن ارتياحه للنتيجة «السلمية» للانتخابات النيابية التي أجريت في السابع من يونيو (حزيران).

كذلك رحبت فرنسا أمس بتكليف الحريري تشكيل الحكومة، وأعربت له عن «تمنياتها الحارة بالنجاح»، وذلك في رسالة وجهتها وزارة الخارجية. وقال وزير الخارجية برنار كوشنير للحريري في رسالة نشرتها وزارته «بمناسبة تكليفكم من قبل رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة الجديدة، أتوجه إليكم بأحر التهاني والتمنيات بالنجاح في مهمتكم». وأبرق أيضا رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون مهنئا.