موسوي يرفض لجنة «الحل الوسط».. ورفسنجاني يسير على خط «الاحتجاج الشرعي» الإصلاحيين

مجلس تشخيص مصلحة النظام يدعو المرشحين إلى التعاون مع لجنة التحقيق الخاصة في الانتخابات

TT

رفض زعيم المعارضة الإصلاحية الإيرانية مير حسين موسوي اقتراحا حكوميا بإعادة فرز عشرة في المائة من الأصوات الخاصة بانتخابات الرئاسة الإيرانية، موضحا أن ذلك لن يكون حلا للأزمة، كما رفض اللجنة الحكومية ذاتها التي تشكلت كحل وسط، قائلا إن بعض أعضائها غير محايدين، معتبرا أنها ليست مؤهلة لإصدار «حكم عادل». ويأتي رد موسوي وسط غموض فيما إذا كانت هناك اختلافات في وجهات النظر داخل التيار الإصلاحي بين من يريدون حل الأزمة من خلال المؤسسات الرسمية بدلا من التصعيد مع السلطات، وبين من لا يثقون بحياد تلك المؤسسات أو قدرتها على حل الأزمة. وقال موسوي في بيان على موقعه: «مثل هذا النوع من إعادة الفرز لن يزيل الغموض.. لا توجد طريقة أخرى سوى إلغاء الانتخابات.. بعض أعضاء هذه اللجنة غير محايدين». ووضح أمس أن رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني بدأ يتحرك في إطار المؤسسات الرسمية، إذ حث مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو أعلى هيئة تحكيم سياسي في إيران ويترأسه رفسنجاني، المرشحين كافة إلى التعاون بشكل تام مع مجلس صيانة الدستور، حسب وكالة «إسنا» الإيرانية. وطلب مجلس تشخيص مصلحة النظام في أول بيان له منذ الأزمة «من المرشحين كافة التعاون مع مجلس صيانة الدستور لاغتنام هذه الفرصة.. وتقديم الوثائق والأدلة كافة لفحصها الشامل والدقيق». وأضاف البيان أن احترام القانون ومتابعة القضية عبر القنوات المختصة هما «الطريقة الأنسب والأفضل لإزالة الشكوك وتسوية الخلافات» المتعلقة بنتائج الانتخابات. وكانت ضغوط رفسنجاني قد أدت إلى قرار مجلس الأوصياء أول من أمس بتشكيل لجنة جديدة خاصة لإعداد تقرير حول الانتخابات تتكون من سياسيين بارزين بعضهم معروف بانتقاده لأحمدي نجاد. وفيما وافق محسن رضائي، قائد الحرس الثوري لنحو 16 عاما على اللجنة وقال إنه مستعد لإرسال ممثل له فيها، ما زال موقف مهدي كروبي منها غير واضح. ووسط ضغوط نفسية ومادية كبيرة تتعرض لها المعارضة الإيرانية، قال موسوي إنه لن يقوم بأي تظاهرات جديدة دون أن يكون مصرح لها من قبل السلطات الأمنية، مما يعني عمليا أنه يدعو أنصاره إلى عدم القيام بأي تظاهرات جديدة مهما كانت محدودة، دون موافقة السلطات. ويأتي ذلك فيما تواصلت المشاورات السياسية حول أزمة الانتخابات الإيرانية بين مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه هاشمي رفسنجاني ومجلس الأوصياء والبرلمان الإيراني وعدد من مراجع التقليد في حوزة قم العلمية.

وفيما تضيق مساحة تحرك المعارضة في الشارع، خصوصا مع استمرار تعطل الموقع الإلكتروني لموسوي، الذي كان إحدى الوسائل الأساسية للتواصل مع أنصاره، باتت المعارضة الإيرانية محكومة بالعمل في إطار المؤسسات الرسمية مع ما قد يتيحه لها هذا من تضييقات وفرص في الوقت ذاته. ووضح أمس أن رفسنجاني يتحرك مع المعارضة الإصلاحية في إطار المؤسسات الرسمية، إذ حث مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه كافة المرشحين في الانتخابات الرئاسية إلى التعاون بشكل تام مع مجلس صيانة الدستور. وأضاف في بيان من مكتبه أن احترام القانون ومتابعة القضية عبر القنوات المختصة هما «الطريقة الأنسب والأفضل لإزالة الشكوك وتسوية الخلافات» المتعلقة بنتائج الانتخابات، كما حث البيان مجلس صيانة الدستور من ناحيته على «دراسة كافة الطعون والشكاوى بدقة وتبديد الشكوك»، من خلال مجموعة خبراء مختصين لخلق «أجواء من الثقة في المجتمع» الإيراني.

وجاء بيان مجلس تشخيص مصلحة النظام حول الأزمة، وهو التدخل الأول لرفسنجاني، وإن كان لم يظهر رسميا أو علانية، بعد قرار من قبل مجلس الأوصياء بتشكيل لجنة خاصة تقوم بإعداد تقرير حول الانتخابات، بعضوية عدد من كبار السياسيين، بعضهم منتقدون معروفون لسياسات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، ومن بين هؤلاء علي أكبر ولاياتي مستشار المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، وعادل حداد نائب رئيس البرلمان الإيراني.

وقال مصدر إيراني من طهران إن الإصلاحيين «يسيرون على خيط رفيع بين العمل في إطار المؤسسات وبين الحفاظ على مطالبهم الأساسية، وأولها إلغاء الانتخابات». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «الأيام المقبلة هامة جدا.. قد لا يحدث الكثير على السطح، لكن سيحدث الكثير تحت السطح».

وأثار قرار مجلس الأوصياء بتشكيل لجنة جديدة لإعداد تقرير حول الانتخابات ردود فعل متباينة، ففيما اعتبر محسن رضائي الرئيس السابق للحرس الثوري لمدة 16 عاما أن معركته ضد نتائج الانتخابات ستتواصل، وأن ممثله «سيشارك في اللجنة في حال شارك المرشحان الآخران فيها أيضا»، لا يزال موقف المرشح الإصلاحي مهدي كروبي غامضا فيما يتعلق باللجنة، كما أنه لم يتضح ما إذا كان سيشارك فيها، بينما يلقي رفض موسوي للجنة أمس أسئلة على حجم التباينات المحتملة بين الاصلاحيين فيما يتعلق بطرق حل الأزمة . وأضاف رضائي أمس: «من الواضح أن اللجنة الخاصة بمشاركة ممثلين عن كل المرشحين والنظر في كل الشكاوى والاحتجاجات يشكلان حلا للخروج من الوضع الحالي». ودعا موسوي وكروبي إلى تعيين ممثليهما للمشاركة في هذه اللجنة «لتبديد اللبس والشكوك حول الانتخابات وتحصيل حقوق الشعب».

وتجد المعارضة الإصلاحية نفسها محاصرة من الناحية الإعلامية بشكل كبير، لدرجة بات من الصعب معها تأكيد حدوث أي تظاهرات. فحتى يوم أمس نقلت بعض المواقع الإيرانية حدوث مظاهرة وسط طهران شارك فيها بضعة مئات، إلا أنه لم يمكن التأكد من ذلك بسبب منع الصحافيين الأجانب في إيران من التغطية أو التصوير. وأدت حملة التضييق الشديدة على الإنترنت إلى تعطل موقع موسوي منذ عدة أيام، كما قللت الضغوط بشدة من مرات تحدث موسوي ومهدي كروبي لأنصارهما. أيضا أدت أحداث دولية أخرى إلى التغطية على أخبار التظاهرات في إيران، من بينها وفاة نجم البوب الأميركي مايكل جاكسون، إذ إن جاكسون يتمتع بشعبية في إيران، وانشغل الكثير هناك بمناقشة وفاته المفاجئة، فيما سعى التلفزيون الإيراني إلى جذب انتباه الإيرانيين بعيدا عن الانتخابات. فخلال اليومين الماضيين عرضت القناة الثانية في التلفزيون الإيراني فيلم «ملك الخواتم» أو «مملكة الخواتم»، وذلك بعد دعاية له وتنويه.

وبعد اعتقال العشرات من الناشطين الإصلاحيين خلال الأيام القليلة الماضية، قالت وكالة أنباء «إرنا» الإيرانية الرسمية إن السلطات منعت أحد حلفاء موسوي من مغادرة البلاد. وقال أبو الفضل فاتح رئيس المكتب الإعلامي لموسوي إن منعه من السفر لن يغير مواقفه السياسية، وأضاف أنه منع من مغادرة البلاد بسبب دوره في التطورات التي أعقبت الانتخابات. وقال فاتح لوكالة «إرنا»: «مثل هذه الضغوط لا يمكن أن تدفع أناسا مثلي إلى تغيير مواقفنا السياسية».

وقالت صحيفة «إيران» التي تديرها الدولة إن فاتح الذي يدرس لنيل درجة الدكتوراه في بريطانيا، منع من مغادرة البلاد بسبب تورطه في تطورات ما بعد الانتخابات.

واستخدمت السلطات الإيرانية مزيجا من التحذيرات والاعتقالات والتخويف النفسي لتفريق التجمعات الحاشدة من شوارع إيران منذ الأسبوع الماضي، مع تفريق تجمعات أصغر بالغاز المسيل للدموع والهراوات. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن 20 شخصا قتلوا في أعمال العنف منذ انتخابات 12 يونيو (حزيران) التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد، واتهمت السلطات موسوي بالمسؤولية عن إراقة الدماء، وذلك في مسعى من قبل تيار متشدد وسط المحافظين يريد محاكمته بعد انتهاء الأزمة بتهمة تعريض استقرار إيران للخطر لطموحات ودواعٍ شخصية.

وفيما قالت وكالة الأنباء العمالية الإيرانية شبه الرسمية إن موسوي ناشد وزارة الداخلية السماح لأنصاره بالخروج في مسيرة في ميدان «أزادي» في جنوب غربي طهران، دون ذكر تاريخ، قالت صحيفة «اعتماد ملي» الإصلاحية أمس إن قوات الأمن الإيرانية فتشت مقر حزب كارغوزاران (كوادر البناء) الذي أسسه مقربون من رفسنجاني، والذي كان دعم موسوي في الانتخابات الرئاسية. وأوضحت الصحيفة أن «عناصر من قوات الأمن توجهوا إلى مقر حزب كارغوزاران وصادروا وثائق وحواسيب»، دون تحديد تاريخ عملية التفتيش. وكان قد تم تأسيس هذا الحزب في 1995 من قبل تكنوقراط ومقربين من رفسنجاني، ودعم الحزب مير حسين موسوي، غير أن الكثيرين من مسؤوليه، وخصوصا رئيس بلدية طهران السابق غلام حسين كارباستشي، دعم الإصلاحي مهدي كروبي.