مستقبل رفسنجاني السياسي على المحك بسبب الاضطرابات في إيران

دوره أساسي لكن من وراء الستار

رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في ايران هاشمي رفسنجاني يتحدث للصحافيين اثر ادلائه بصوته في الانتخابات التي جرت في 12 الشهر الحالي (أ ف ب)
TT

إذا كانت القيادة المتشددة في إيران تريد تهدئة الاضطرابات حول انتخابات الرئاسة المتنازع عليها فإن علي أكبر هاشمي رفسنجاني قد يكون الرجل اللازم للتوسط في حل يحافظ على الجمهورية الإسلامية التي ساعد على تأسيسها. لكن إذا فضل الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي قمع كل أشكال المعارضة لإعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي يحظى بحمايته فقد يكون رفسنجاني بحاجة لكل النفوذ والمهارات السياسية التي تراكمت لديه منذ الثورة الإسلامية عام 1979 للبقاء في الساحة.

والتزم رفسنجاني رجل الدين المرن البالغ من العمر 75 عاما صمتا غامضا منذ انتخابات الرئاسة التي جرت يوم 12 يونيو (حزيران). وكان رفسنجاني قد ساعد خامنئي على الوصول إلى سدة السلطة بعد وفاة آية الله روح الله الخميني عام 1989 لكن العلاقات بين الرجلين متأزمة في الوقت الحالي. وقدم رفسنجاني دعما قويا وإن كان مستترا لحملة المرشح المعتدل ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي الذي يقول إنه حرم من الفوز بانتخابات الرئاسة.

ولم يدل رفسنجاني بأي تصريحات علنية منذ ذلك الحين، مما أثار شائعات بأنه إما يحاول التوسط للتوصل إلى تسوية أو ينظم احتجاجات أو حتى يستعد لتحدي خامنئي عبر هيئة دستورية لرجال الدين يترأسها وتتمتع بنفوذ قوي.

وقال أنوش احتشامي وهو خبير في الشؤون الإيرانية بجامعة دورام في إنجلترا لـ«رويترز»: «بالنسبة لكل هذا الحديث عن أشياء تجرى في الخفاء فأنا لا أرى أي شيء.. وهذا يعني أنه، رفسنجاني، لم يتمكن من إحراز أي تقدم في أي أجندة يتبناها». ويبدي خامنئي عزيمة صلبة حتى الآن، فقد أيد نتيجة الانتخابات وأحمدي نجاد وأجاز استخدام شرطة مكافحة الشغب والميليشيا الدينية لقمع المظاهرات الحاشدة. وأعلن مجلس صيانة الدستور، أعلى سلطة تشريعية في البلاد، أن هذه الانتخابات هي «الأصح» منذ الثورة الإسلامية، وطالب رجل دين متشدد الجمعة بإعدام «مثيري الشغب». لكن موسوي وبعض القادة الإصلاحيين ما زالوا يبدون تحديا، بل إنهم شككوا في سلطة خامنئي وأحدثوا شقا لم يسبق له مثيل في النظام الإسلامي المعمول به في البلاد، حيث تفترض طاعة الزعيم الأعلى الذي يملك القول الفصل.

وقال احتشامي إن مثل هذا التحدي قد يقابل بالجزاء في محاكم خاصة أنشئت لمحاكمة مثيري المشاكل. وأضاف: «قد يتهمون رفسنجاني بالتحريض على عدم الاستقرار وتحدي الزعيم.. وإذا فعلوا ذلك مع موسوي فسيكون كلهم عرضة للأمر نفسه». وقال باقر معين، وهو مؤرخ للسيرة الذاتية للخميني، إن رفسنجاني لا يهتم فحسب ببقائه السياسي، ولكن أيضا بمصير الجمهورية الإسلامية التي ساهم في تأسيسها.

وأضاف الخبير الذي يقيم في لندن: «لا يريد أن تدمر الجمهورية الإسلامية بسبب أولئك المحافظين. يعتقد أنهم أثروا على خامنئي». وقال محللون إيرانيون إن رفسنجاني يسعى جاهدا خلف الأبواب المغلقة للتوصل إلى حل. وقال محلل طلب عدم ذكر اسمه لـ«رويترز»: «هدفه الأساسي هو الحفاظ على شرعية المؤسسة التي تضررت بسبب الجدل حول الانتخابات». لكن أحمدي نجاد لم يكتم عداءه لرفسنجاني الرئيس السابق الذي حكم البلاد بين عامي 1989 و1997 الذي خسر محاولة لنيل فترة رئاسة ثالثة أمام أحمدي نجاد في انتخابات عام 2005. وكان أحمدي نجاد اتهم رفسنجاني وأبناءه في مناظرة تلفزيونية قبل الانتخابات بالفساد، مما دفع رفسنجاني إلى كتابة خطاب احتجاج غاضب إلى خامنئي.

وفي لفتة تحذيرية جلية لرفسنجاني ألقت السلطات الإيرانية القبض على ابنته فايزة لفترة قصيرة الأسبوع الماضي بعدما ألقت كلمة أمام أنصار موسوي في تحد لحظر فرض على الاحتجاجات على نتيجة الانتخابات. ويعتبر أحمدي نجاد وداعموه المتشددون في الحرس الثوري وميليشيا الباسيج رفسنجاني مثالا لطراز أقدم من القادة يتهم بالاهتمام بالمكسب الشخصي على حساب المبادئ الإسلامية والإيرانيين الذين يحاولون كسب عيشهم. وعلى الناحية الأخرى، يرى رفسنجاني في سياسات أحمدي نجاد القائمة على الإنفاق الحر ضررا للاقتصاد كما أن نهجه العنيف فيما يتعلق بالشؤون الخارجية يثير غضبا غير لازم في الغرب. وقال معين إن أحمدي نجاد لو كان باستطاعته حرمان رفسنجاني من لعب دور سياسي لفعل ذلك، لكن الرئيس السابق يتمتع بنفوذه الخاص به في البلاد.

ورفسنجاني ليس هو الشخصية البارزة الوحيدة في المعسكر المناوئ لأحمدي نجاد، إذ إن منتقدي الانتخابات الأخيرة وأعمال العنف التي أعقبتها بينهم المعارض آية الله العظمى حسين علي منتظري والرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس البرلمان علي لاريجاني وآخرون. وقال احتشامي: «كلها شخصيات تتمتع بالنفوذ.. لكن أحمدي نجاد يحظى بدعم الجيش وحتى الآن على الأقل بدعم الزعيم الأعلى أيضا. ستكون النقطة الفاصلة هي ما يحدث عندما يقدم حكومته.. إلى البرلمان». ويترأس رفسنجاني هيئتين دستوريتين بينهما مجلس الخبراء المكون من 88 مقعدا الذي يعين ويراقب كما أن بإمكانه الإطاحة بالزعيم الأعلى وهي سلطة لم تمارس قط من قبل. ويقول محللون إيرانيون إن من المرجح أن يبدي رفسنجاني حذرا في الأوقات الحساسة الحالية ولا يقدم على المواجهة. وقال معين إنه ليس من الواضح ما إذا كانت القيادة مهتمة ببناء جسور في نهاية المطاف مع المعارضة.

وقال: «إذا كانت هناك حاجة الآن لعودة رفسنجاني ليساعد على التوصل لحل، فهذا يعني أنه لا يزال لاعبا مهما». وأضاف: «يمكنه لعب دور مهم، لأنه حلقة الوصل البارزة بين القيادة وخامنئي وكثير من العلماء والإصلاحيين».