قمع مظاهرات في شوارع طهران.. وإضراب للتجار في السوق الرئيسية.. ومنظمة حقوقية تتحدث عن ألفي معتقل ومئات المفقودين

أزمة جديدة بين لندن وطهران: اعتقال 8 موظفين في السفارة البريطانية.. وأوروبا تهدد برد جماعي

إيرانية تعرض علامة النصر خلال المظاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

في وقت شهدت فيه بعض شوارع طهران تظاهرات، ومواجهات، وخروج مسيرة احتجاجية في مدينة «مشهد» تفجرت أزمة جديدة بين لندن وطهران بعد قيام السلطات الأمنية الإيرانية باعتقال 8 من موظفي السفارة البريطانية بطهران، بزعم ضلوعهم في الاضطرابات. وردت لندن على تلك الخطوة، بوصفها بأنها «مضايقة.. وترهيب». فيما هدد وزراء في الاتحاد الأوروبي برد جماعي على تلك الخطوة. وتحدثت أمس منظمة حقوقية غربية مقرها باريس عن وجود «أكثر من ألفي معتقل في إيران إضافة إلى مئات المفقودين».

وأكدت مصادر إيرانية، أمس، أن العشرات، بينهم نساء وفتيات، تجمعوا في الشوارع والمناطق المحيطة بمتنزه «لاله» بطهران حيث جوبهوا بهجوم من قبل قوات الأمن المنتشرة في المكان مسبقا، لمنع أي تجمعات. وحسب المصادر فقد أصيب 5 متظاهرين بجروح، كما اعتقل آخرون. وفي تطور آخر قام تجار سوق طهران بالإضراب عن العمل احتجاجا على قتل المواطنين العزل، حيث كانت معظم مناطق السوق (بازار طهران) منها سوق السجاد مغلقة وتوقف الكثير من المعاملات. واشتبكت شرطة مكافحة الشغب مع نحو 3 آلاف متظاهر قرب أحد المساجد في شمال طهران، واستخدمت الغازات المسيلة للدموع لتفريقهم، حسب شهود. وهتف المتظاهرون: «أين صوتي»، واعتدت الشرطة على سيدة عجوز بالضرب قرب مسجد غوبا بشمال طهران معقل زعيم الإصلاحيين مير موسوي.

من جهة أخرى أعلن نائب رئيس الاتحاد الدولي لرابطات حقوق الإنسان، كريم لاهيدجي، أمس في باريس، أن «أكثر من ألفي شخص» أوقفوا وهم قيد الاعتقال في إيران وأن مئات آخرين يعتبرون «في عداد المفقودين». وقال لاهيدجي، الذي يترأس الرابطة الإيرانية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي تتخذ من باريس مقرا لها، خلال تجمع في العاصمة الفرنسية «حسب معلوماتنا، فإن أكثر من ألفي شخص اعتقلوا وهم لا يزالون حاليا محتجزين». وتابع «هناك أيضا مئات الأشخاص يعتبرون في عداد المفقودين، وقد وصلتنا هذه المعلومات من طهران من مصادر مستقلة». وأوضح لاهيدجي أنه تم تجميع هذه المعلومات من متعاونين مع الاتحاد الدولي لرابطات حقوق الإنسان في إيران وخصوصا لدى عائلات الضحايا من معتقلين أو مفقودين.

من جهة ثانية قالت وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء، أمس، إنه تم احتجاز ثمانية موظفين إيرانيين في السفارة البريطانية بطهران لضلوعهم في الاضطرابات التي شهدتها إيران بعد انتخابات الرئاسة التي جرت في 12 يونيو (حزيران) الجاري، وأدت إلى فوز الرئيس أحمدي نجاد بفترة ولاية ثانية. ومن شأن هذه الخطوة التسبب في المزيد من الاضطرابات في العلاقات بين لندن وطهران. وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند للصحافيين خلال مؤتمر أمني أوروبي في جزيرة كورفو باليونان «هذه مضايقة وترهيب بشكل غير مقبول.. نريد الإفراج عنهم دون أن يلحق بهم ضرر». واستطرد «إنهم موظفون دبلوماسيون، وفكرة أن السفارة البريطانية تقف بطريقة ما وراء المظاهرات والاحتجاجات التي وقعت في طهران في الأسابيع الأخيرة ليس لها أساس على الإطلاق». وتابع أن إجمالي عدد الموظفين المعنيين كان نحو تسعة ولكن جرى الإفراج عن بعضهم. واستطرد «ولكننا ما زلنا نشعر بالقلق على بعض منهم الذين على حد علمنا لم يجر الإفراج عنهم.. الأرقام تتغير من ساعة لأخرى». وصرح ميليباند بأن بريطانيا تقدمت باحتجاج شديد للسلطات الإيرانية. وقال إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعين في جزيرة كورفو باليونان اتفقوا على أن يواجهوا أي ترهيب إيراني للدبلوماسيين الأوروبيين في طهران «برد جماعي قوي».

وأعلن وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني أن الاتحاد الأوروبي أعرب عن دعمه لبريطانيا إثر اعتقال ثمانية من الموظفين المحليين في سفارتها بطهران. وصرح فراتيني عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي «توصلنا إلى اتفاق يجدد التأكيد على تضامن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لا سيما تجاه السلطات البريطانية، بشأن الاعتقالات». وتتهم إيران قوى غربية، وعلى وجه الخصوص بريطانيا والولايات المتحدة، بالتدخل في شؤونها الداخلية بعد الانتخابات التي أشعلت احتجاجات استمرت أياما لقي خلالها 20 شخصا حتفهم. وترفض بريطانيا والولايات المتحدة هذه الاتهامات.

وقالت وكالة «فارس» شبه الرسمية، دون ذكر المصدر الذي نقلت عنه الخبر «تم احتجاز ثمانية موظفين محليين في السفارة البريطانية قاموا بدور كبير في الاضطرابات الأخيرة.. هذه المجموعة قامت بدور فعال في إثارة الاضطرابات الأخيرة». وعرضت قناة «برس تي.في» التلفزيونية الإيرانية الناطقة بالإنجليزية تقريرا مماثلا نقلا عن مصادر إيرانية. وفي لندن قال متحدث باسم وزارة الخارجية «تلقينا خلال الأيام القليلة الماضية عددا من التقارير التي كانت مشوشة في بعض الأحيان عن أن مواطنين بريطانيين أو غيرهم ممن لهم صلة ببريطانيا احتجزوا. ما زلنا نبحث مسألتهم مع السلطات الإيرانية». وأضاف «نواصل بحث هذه المسألة مع السلطات الإيرانية». وصرح مصدر مقرب من السفارة البريطانية لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الاعتقالات حدثت يوم السبت. وقال دبلوماسي رفيع من دولة غربية أخرى إن أنباء الاحتجاز «تطور مثير للقلق».

وقال أحد أقارب المعتقلين إن قريبه «خرج صباحا أول من أمس، ولم أستطع الاتصال به لأن هاتفه النقال مغلق. ومنذ ذلك الوقت لم تصلني أية معلومات عن مكان وجوده». والأسبوع الماضي قال وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متقي، إن إيران قد تخفض علاقاتها مع بريطانيا بعد أن تبادل البلدان طرد الدبلوماسيين.

وطردت إيران مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) في طهران واعتقلت صحافيا بريطانيا يونانيا إضافة إلى عدد من حاملي جوازات السفر البريطانية الذين اتهمتهم السلطات بالضلوع في أعمال الشغب. وقابل الكثير من الإيرانيين النتائج الرسمية، التي تظهر فوز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسة ثانية، بعد تحقيقه فوزا ساحقا، بالتشكيك. ويتفقون مع رأي منافسه مير حسين موسوي بأن الانتخابات تم التلاعب فيها. وتلقي السلطات باللوم على موسوي في العنف الذي حدث عندما قمعت قوة مكافحة الشغب وميليشيا الباسيج المحتجين، في حين يقول موسوي إن الحكومة هي المسؤولة. ولبريطانيا تاريخ طويل من العلاقات المتأزمة مع إيران. والبلدان على خلاف بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي يعتقد الغرب أنه يهدف إلى صنع أسلحة نووية. وتنفي إيران هذا الأمر قائلة إنها تريد فقط توليد الكهرباء.

وعلقت بريطانيا علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979 ولم تعد فتح سفارتها إلا في عام 1988 بعد الحرب العراقية الإيرانية. وتم خفض مستوى التمثيل مرة أخرى أوائل التسعينات ولم تعد العلاقات إلى طبيعتها إلا في عام 1998. وفي 2007 احتجزت إيران 15 بحارا وفردا من مشاة البحرية البريطانية في الخليج وأفرجت عنهم بعد أزمة شديدة استمرت 13 يوما.