متظاهر إيراني: ستظل الوحشية والتزوير في ذاكرة الشعب.. وفي يوم ما ستحدث ثورة

بعد هدوء المظاهرات الضخمة.. غليان بطيء في شوارع إيران في انتظار 9 يوليو ذكرى انتفاضة الطلبة

أنصار موسوي في مظاهرة تحدوا الحكومة أمس (أ.ف.ب ورويترز)
TT

يدخل الشباب من نساء ورجال إلى ميدان هافت تير مترددين، وتتباطأ سرعتهم وهم يلتفتون حولهم في حذر، ويرون مسؤولي الأمن مرتدين زيهم وممسكين بالعصي ورجال ميليشيا الباسيج، ويبحثون في الميدان عن أي متظاهرين محتملين.

تلفتت سيدة ترتدي معطفا قصيرا عن يسارها ويمينها. يوجد أمن بأعداد كبيرة، ولكن يوجد القليل من أمثالها هنا من أجل الحشد المقرر، لذا تسير في هدوء، وتتطلع إلى واجهات المحلات. ربما ستعود بعد بضع دقائق.

يقول أحمد، وهو طالب إدارة الأعمال، ويبلغ من العمر 26 عاما، ومن بين هؤلاء الذين يطوفون بالميدان، وهو ينظر في حذر في العيون والملابس: «تقوم السلطات بضرب الناس، وقد قتلت البعض. لقد تضررت شعبيتها. وحاليا أنا أنتظر. ولا أدري ما سيحدث. ولكن ستظل الوحشية والتزوير في ذاكرة الشعب. وفي يوم ما ستحدث ثورة». وعادت شوارع طهران إلى هدوئها مرة أخرى. ولكن الجماهير التي تظاهرت ضد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، لم تعد إلى منازلها وتتخلى عن غضبها. إنها تقيم الخيارات في هدوء، وتزن حياتها الشخصية، ورفاهيتها الاقتصادية وطموحاتها السياسية، وتحاول أن تحدد ما إذا كان سيكون لديها قيادة حقيقية.

ربما يعود الغضب للاشتعال في 9 يوليو (تموز)، الذي يوافق الذكرى العاشرة لانتفاضة الطلبة، التي أدت إلى حملة لتدمير طموحات الإصلاحيين. أو ربما يشتعل عود الثقاب في المرة التالية التي تسير فيها دورية الإرشاد التابعة للسلطات، التي توقف السيدات في الشوارع إذا ظهر جزء من شعورهن من تحت غطاء الرأس.

لقد أظهرت الحكومة أنها على استعداد لدفع ثمن باهظ من الدماء والعزلة الدولية في مقابل الاحتفاظ بسلطتها على اتجاه البلاد. ولكن ما هو الثمن الذي يرغب المتظاهرون والمواطنون الآخرون في دفعه؟ هل هم مستعدون للاختباء تحت الأرض، هل يتخلصون من المعاطف القصيرة ليخبئوا منشوراتهم والصحف السرية تحت الشادور الأسود الطويل؟

هل يرغبون في إشعال شمعة؟ في إلقاء حجر؟ في تمرير رسالة بريد إلكتروني، أو اعتلاء أسطح منازلهم في تحد، والهتاف «الله أكبر!» في كل ليلة الساعة 10؟ أو هل يرغبون في بذل الوقت والجهد، وربما التضحية بحياتهم، من أجل تنظيم حركة، مثلما فعل أتباع آية الله روح الله الخميني في الستينات؟ إن هؤلاء المنضمين إلى «الموجة الخضراء» التي اعتمدت على الحملة الرئاسية لمير حسين موسوي، ما زالوا يحاولون استيعاب ماذا حدث لبلادهم في غضون شهر. ووفقا لحوارات مع عشرات من المحللين والعامة، الذين لم يرغب معظمهم في ذكر أسمائهم كاملة، فقد تغيرت نظرتهم لإيران وللقوانين التي تحكمها منذ 30 عاما بصورة كبيرة.

وقد اصطدم الفخر بموسم سياسي حيوي، تميز بسلسلة من المناظرات القوية، بصخرة نتائج الانتخابات، التي جاءت غير متوافقة تماما مع استيعاب الإيرانيين للتوزيع الديمغرافي لبلادهم، وأنماط التصويت السابقة.

يقول داوود هير ميداس باواند، خبير العلوم السياسية الإيراني: «في البداية، أثناء الحملة الانتخابية كانت تبشر بالخير. ولم يكن موسوي مهما، ولكن الإقبال على التصويت له كان مهما. وكانت نتائج الانتخابات صادمة، وأصيب الشباب بالإحباط».

لقد توقعت إيران إجراء انتخابات عادلة، داخل نظام مقيد بالقوانين، التي وضعها رجال الدين في البلاد. وفي الحقيقة، فحص مجلس صيانة الدستور جميع المرشحين لضمان ولائهم للنظام الإسلامي في إيران. ولكن ما زالت الكلمة لصناديق الاقتراع. لقد كشفت الانتخابات وما تبعها من أحداث عن وجه زائف. وسريعا ما أعلن فوز أحمدي نجاد باكتساح. ثم، مع زيادة المظاهرات اليومية، قام المرشد الأعلى آية الله على خامنئي، في سابقة بالوقوف صراحة إلى جانب أحد الأطراف السياسية.

وماذا أيضا؟ شعر الإيرانيون بأن هناك من يتفضل عليهم. ووصف خامنئي بأن أي أصوات تذهب لصالح النظام، وبدا وكأنه يقول إنه ليس مهما من يريده الشعب، لأن آرائه أقرب لأحمدي نجاد. وهدد من يقاوم باتخاذ إجراءات صرامة ضده. وبعد خطبة خامنئي بيوم، في الوقت الذي احترقت فيه طهران، اتخذت الشعارات منحنى سيئا.

وهتف المتظاهرون: «نأسف لليوم الذي حملنا فيه سلاحا»، وهم يقذفون الحجارة على رجال ميليشيا الباسيج، ويقذفون بقنابل المولوتوف على مكاتب شرطة الأخلاق. وكانت الإجراءات الأمنية التالية هي الأسوأ منذ الثمانينات، كما كان التحول على طريقة أرويل، من خلال وسائل الإعلام الحكومية والموالية للحكومة: فقد تحولت ندا أغا سلطان، المرشدة التي قتلت جراء إصابتها بعيار ناري في الشارع، إلى متطوعة في الباسيج، خطط لمقتلها مراسل في الـ«بي بي سي».

وبدا الحرس الثوري الجمهوري، تحت قيادة خامنئي، مسيطرا على المدينة بل ومتفوقا على وزارة الاستخبارات والأمن والهيئات الحكومية الأخرى. ويقول أمير (26 عاما)، الذي يعمل في أحد المحلات، ويدرس الهندسة: «إن الجرح الذي تسببوا فيه في الأرواح سيبقى. أما بالنسبة للمظاهرات، فأعتقد أنها انتهت حتى إشعار آخر. ولا أدري متى تشتعل مرة أخرى، ولكن سيحدث ذلك».

وفي الأسبوع التالي للانتخابات، عندما تزايدت الضغوط على الصحافيين المحليين والدوليين، بدأ عدد من النشطاء المجهولين في نشر صحيفة «خيابان»، أو الشارع، تنشر أخبارا عن الصراعات المستمرة بين رجال الميليشيا والمتظاهرين، وصورا لسيدات متظاهرات ملثمات. وفي الأشهر السابقة على الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وقع عدد من الهجمات التي أصابت البلاد بالشلل. وفي أثناء الاضطرابات التي وقعت الشهر الحالي، دعا موسوي في مرحلة ما إلى تنظيم إضراب وطني للضغط على الحكومة لإلغاء نتيجة الانتخابات. وعلى الرغم من أن عددا قليلا اتبع أمره علنا، إلا أن الكثير أغلقوا أعمالهم في هدوء.

وسواء كان بسبب الاضطراب أو إشارة على التحدي، ضعفت حركة التجارة إلى أدنى درجاتها. وفي غراند بازار العاصمة، الذي تجمل حديثا بالأشجار وشوارع للمشاة فقط، ومركبات تجرها الخيل، هبط النشاط في الأشهر التي تسبق رمضان، التي غالبا ما يصل فيها إلى ذروته.

يقول نادر، بائع المجوهرات، الذي يبلغ من العمر 38 عاما: «لم يكن هناك زبائن أمس، وقد يكون هناك زبون أو اثنان أو ثلاثة في اليوم، وعلينا أن نستمر في فتح أبواب المحل حتى الساعة 6:30 أو 7 مساء». وكان الصاغة من بين هؤلاء المشاركين في الإضراب في العام الماضي، احتجاجا على ضريبة القيمة المضافة التي ألغتها الحكومة. وقد أصابت تلك الأيام الثلاثة الشارع التجاري كله بالشلل.

ويؤيد مهدي (26 عاما)، وهو بائع أقمشة بالجملة، موسوي، ولكن رفض الاستماع إلى دعوة الإضراب. ويقول إن الاقتصاد يمر بفترة عصيبة. «إذا توقفنا عن العمل لمدة أسبوع، ستزداد الديون، وستدمر سمعتنا». ويعتمد المدى الذي يرغب الإيرانيون في الذهاب إليه على فرص النجاح، ولكن ماذا سيحقق هذا النجاح. يستعد الإيرانيون للدفع مقابل الجودة، ولكنهم لن ينفقوا مالهم في مقابل سلع رديئة. والأمر ذاته صحيح في السياسة. إنهم يقولون إنهم يريدون لعب سياسة الشارع القوية، فينظمون إضرابات ويتظاهرون في الشوارع ويقيمون شبكات، فقط إذا كان قادة المعارضة أذكياء وأقوياء، أو على الأقل راغبين في الاستفادة بمزيد من الفرص. وقد تحدث المرشح الإصلاحي مهدي كروبي، الذي جاء وفقا لنتائج الانتخابات الرسمية في المركز الأخير، بقوة وجرأ على الخروج بين الحشود والهتاف بين المتظاهرين. وورد عن موسوي قوله، إنه مستعد للموت في سبيل قضيته، على الرغم من أن أحد مساعديه نفى أنه صرح بذلك. وعلى أي حال، يقول مؤيدوه إنهم يفضلون أن يكون لهم قائدا. ويقول حميد (33 عاما)، العامل في محل للهواتف الجوالة: «لا نريده أن يستشهد، بل نريد خطة. بدلا من إصدار بيان على موقعه يدعو فيه مؤيديه إلى الاستمرار في المسيرات، لماذا لا يقودهم؟» وأضاف حميد الذي شارك في المظاهرات: «أعتقد أن لديه القدرة على القيادة، ولكن عليه أن يظهر بعض الجرأة». ويقول الخبير السياسي باواند، إن الحكومة تحتاج إلى إظهار بعض المرونة. «إذا لم تكن هناك مساحة للتوفيق بين الجانبين، سيكون الوضع خطيرا». وبالنسبة للمعارضة، قد يكون الأمل كبيرا، إذا أفرطت السلطات في استخدام قوتها. لقد انضم ما يقرب من 70 أكاديميا تم اعتقالهم بعد الاستماع إلى خطاب قوي لموسوي يوم الأربعاء، إلى عدد كبير من المتظاهرين الشباب في سجن إيفين. وفيما بين الضرب والتحقيقات، يختلطون معا ويشاركون بعض الأفكار والفلسفات السياسية ووسائل الترويج لها، كما فعل أعداء الشاه بين جدران السجن ذاته منذ 30 عاما. وقد تغيرت الأمور حتى بالنسبة للبعض الموجودين على هامش الصراع السياسي. بعد ثلاثة عقود من عدم المشاركة في الانتخابات، هرع عباس، مدرس الفنون، الذي يبلغ من العمر 48 عاما، إلى نقطة اقتراع في 12 يونيو (حزيران) للإدلاء بصوته لصالح موسوي، على الرغم من أنه لا يثق في رئيس الوزراء السابق.

وهو يعتقد أن الانتخابات قد زورت، ولكنه معجب بحماس المتظاهرين وشجاعة كروبي. ولا يندم على أنه أدلى بصوته. ويقول: «لقد كانت فرصة لنا للتعبير عن غضبنا، حيث استطعت أن أقول إنني أكره رئيسي».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بالـ«الشرق الأوسط»