انسحاب القوات الأميركية: عراقيون يتمنون عدم رؤيتها ثانية.. وآخرون ممتنون لها

القوات العراقية في حالة إنذار قصوى.. ووزير الدفاع يتحدى الجماعات المسلحة

عراقية وصبي يعاينان الخسائر التي خلفها انفجار سيارة ملغومة داخل مرآب أكاديمية الشرطة غرب بغداد أمس (أ.ب)
TT

لم تكن العاصفة الترابية التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد أمس، مانعا أمام توقف العديد من العراقيين أمام طريق الخط السريع الرابط بين المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي لمشاهدة الارتال الأميركية وهي تملأ هذا الطريق وكأنها تستعد للرحيل نهائيا، فقد تجمهر أهالي المناطق المحاذية لهذا الشارع بعضهم يلوح بيده للجنود الأميركيين والبعض الآخر يتمنى عدم عودتهم للمدن بينما وقف آخرون يراقبون مسيرة الارتال فقط.

محمد عبد الله، صاحب محل للمواد المنزلية يقع على هذا الطريق، قال «أنا سعيد برحيلهم عن المدن، لكنني لا أشعر أن العراق قد تخلص من الاحتلال ربما سأشعر بهذا عام 2011 الوقت كفيل بأن يدخل هذا الشعور إلى قلبي».

لكن أحد المحامين الساكنين بمحاذاة هذا الشارع لوح بيده للأميركيين وقال لقد «كنت سجينا في زمن صدام حسين، وللأميركيين فضل عليّ بتخليصي من ذلك الحكم، لا استطيع سوى أن أقول لهم شكرا جزيلا على الرغم من أن بعض الجنود تجاوز الحدود العسكرية واخترق القانون في الانتهاكات التي حصلت في السجون أو في الشارع، لكن بشكل عام أنا ممتن لهم». أحد المراهقين الواقفين أمام السور الذي يحيط بالطريق السريع كان يعاني من مرض الربو ويضع على أنفه كمامة لتقيه العاصفة الترابية قال «كنت في السادسة من عمري عندما دخل الأميركيون إلى العراق، وكنت أقف على نفس الطريق وقد لوحوا لي عند دخولهم المنطقة التي أنا فيها، والآن هم يرحلون عبر نفس الطريق، لكنني لم أشعر بالسعادة حينها ولا أشعر بها الآن ولا أعرف لماذا كنت خائفا حينها، والآن أنا خائف أيضا».

بغداد بدت أمس مستعدة لرحيل الأميركيين، لكنها تترقب مع ترقب القوات الأمنية، التي انتشرت في كل الشوارع وكأنها في حالة إنذار عال. أحد أفراد الشرطة ويدعى علي قال لـ«الشرق الأوسط» «نحن في الإنذار جيم (أي أعلى درجة) ونحن مستعدون لأي طارئ ولدينا معلومات عن أن بعض الجيوب الإرهابية ستتحرك فور خروج القوات من المدن ونحن مستعدون لها تماما».

مدينة الزوراء التي شهدت مؤخرا احتفالات عديدة تستعد هي الأخرى في الجانب الآخر من الحياة لاستقبال المحتفلين بخروج القوات. وقال مصدر مسؤول في الحديقة أن الأبواب ستفتح أمام الزوار والعوائل للاستمتاع بيوم خروج القوات من المدن، لأنه يعد يوما عراقيا للسيادة وعلى كل عراقي الاحتفال به، فيما أكدت أمانة بغداد أن الاحتفال سيكون برعاية رئيس الوزراء وسيحييه عدد من الفنانين العراقيين والشعراء والفرق الفنية والموسيقية. وكان رئيس الوزراء العراقي قد اعتبر يوم الثلاثين من يونيو (حزيران) يوما للسيادة الوطنية وأنه عطلة رسمية. وكان نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي، قد حذر العراقيين من أن يخرجوا في تجمعات إثر استهداف تجمعات سكانية في الأسواق. من جانبه، كشف مصدر أمني رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» «أن الخطة الأمنية التي وضعت لمواجهة الانسحاب الأميركي مفصلة ودقيقة ولن يكون هناك أي حظر للتجوال على الرغم من وجود مخططات من قبل جهات لإثارة أعمال العنف في البلاد».

وقال المصدر، رافضا ذكر اسمه، «إن قوات الشرطة ستتولى مسؤولية سبع محافظات عراقية في الوسط والجنوب، بينما ستكون هناك قوات مشتركة بين الجيش والشرطة في ثماني محافظات أخرى بينها الأنبار وصلاح الدين وديالى والبصرة». وفي تطور لاحق، أطلق وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي تحذيرا للجماعات المسلحة من تنفيذ أي هجوم بعد الانسحاب الأميركي. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن العبيدي في تصريحات أدلى بها لمحطة محلية «أتحدى أن يهاجم الإرهاب مخفرا للشرطة العراقية مثلما كان يحدث في الأعوام الماضية بعدما كانوا يسيطرون على مدن بالكامل، وأتمنى أن يهاجم الإرهاب أي قوة عسكرية وأن يكونوا فرسانا للحظة واحدة».

وأضاف: «أنا أريد من الإرهابيين مهاجمة مخفر معزول حتى وإن كان خارج بغداد، وسيشاهدون رد الفعل، لأننا نقول إن زمن الإرهاب في العراق قد انتهي». وقال العبيدي: «الآن أصبحنا نحن في المجابهة وعلينا أن نتكاتف جميعا وأن نكون كتلة واحدة بوجه الإرهاب».

وبدأت السلطات العراقية منذ مطلع العام الجاري تسلم نحو 95 في المائة من المواقع العسكرية في المدن من القوات الأميركية، وستشرع القوات العراقية في أوسع عملية انتشار على الأراضي العراقية لأول مرة منذ ست سنوات لمواجهة أي خرق أمني، حيث سيتم نشر أكثر 120 ألف عنصر أمني من الجيش والشرطة في مناطق بغداد وحدها إلى جانب الآلاف في المدن العراقية الأخرى بعد الانسحاب من المدن. إلى ذلك، ذكر ستيف لاتزه، المتحدث باسم القوات متعددة الجنسيات في العراق، أن حماية الحدود العراقية ستكون من ضمن مهام القوات الأميركية ضد أي عدوان خارجي أو إقليمي لحين تمكن القوات العسكرية العراقية من حماية كامل الحدود العراقية. وقال «إن القوات الأميركية سلمت الحكومة العراقية أكثر 151 قاعدة عسكرية خلال الفترة الماضية، وإن المتبقي من القواعد العسكرية سيتم تسليمها خلال الفترة المحددة للانسحاب». وأضاف «أن القوات الأميركية المتبقية سيقتصر عملها على تقديم الدعم اللوجستي والعسكري بناء على طلب الحكومة العراقية، وأن القوات الأميركية تمتلك حق الرد على أي اعتداء على مقارها خارج المدن من دون الرجوع إلى الحكومة العراقية». وحسب مصادر أمنية عراقية فإن القوات العراقية منحت صلاحيات واسعة بشكل يتيح لها معالجة الأهداف في وقت قياسي من دون الرجوع إلى القيادات المركزية.