ماذا يقول خبراء الدستور اللبناني عن «الثلث المعطل»؟

رأي يعتبره حيويا لمجتمع تعددي وآخر يصفه بالمعرقل لعمل الدولة

طفل فلسطيني يجادل جنديا إسرائيليا يحرس مدخل بيته قرب مستوطنة إسرائيلية في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة أمس (أ ف ب)
TT

بين ثلث «معطّل» وثلث «ضامن»، تعدّدت التسميات والمضمون واحد. مضمون يشكّل منذ ما قبل الانتخابات البرلمانية لبّ الخطابات الحادة التي يتراشق بها السياسيون اللبنانيون والتي ازدادت حدّتها عندما حان موعد تأليف الحكومة بعد حسم التكليف. ففيما يرفض فريق الأكثرية تلبية مطلب المعارضة بإعطائها «ثلثا معطّلا» خصوصا بعد «التجربة السيئة لهذا الثلث في حكومة الوحدة الوطنية تبعا لما نص عليه اتفاق الدوحة»، يزداد تمسّك المعارضة به، ما أدى إلى تحفّظ «حزب الله» وتكتّل «التغيير والإصلاح» عن تسمية رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري رئيسا للحكومة المزمع تأليفها. حتى بات أفق الحلّ رهنا بهذا الثلث.

وقد كرّر عضو كتلة «المستقبل» النائب نهاد المشنوق أن «الثلث المعطل انتهى مفعوله مع انتهاء مفعول اتفاق الدوحة»، لافتا إلى أن «التعطيل هو استثناء وليس قاعدة»، ومشددا على أنه «لا ثلث معطلا في الحكومة المقبلة ولا أكثرية لاغية. والضمان والتوازن سيكونان في يد رئيس الجمهورية».

لكن بعيدا عن صخب الخطابات، ماذا يقول الميثاق التأسيسي في هذا المجال؟ وما روحه؟ وما فلسفة هذا الثلث مهما تباينت تسمياته؟

رئيس مجلس شورى الدولة سابقا الدكتور يوسف سعد الله الخوري، عرض في حديث مع «الشرق الأوسط» فلسفة هذا الثلث، فقال إن المادة 65 من الدستور اللبناني «حين حدّدت نصاب جلسات مجلس الوزراء بحضور ثلثي أعضائه المكوّنين لم يكن يقصد بها تعطيل الجلسات، إنما ضمان الصالح العام. كذلك، أن القرارات تُتخذ بالتوافق وإذا تعذّر الإجماع يُعمد إلى التصويت بالنصف زائدا واحدا من الحضور، شرط توافر النصاب. وحدّد الدستور في مادته الـ14 المواضيع الأساسية التي يوجب إقرارها أكثرية الثلثين. من هنا يمكن الاستنتاج أن دستورنا ينصّ على ديمقراطية توافقية. وبرأيي، هذا أمر مستحب، لأنه يفرض الإجماع على القرارات السياسية الأساسية لئلا تحتكر طائفة معيّنة هذا الأمر. كما تأتي القرارات نتيجة درس معمّق. فقد شهدنا في عام 1994 ما حصل لدى تجنيس 400 ألف شخص بشكل اعتباطي، فيما هناك المئات ممن تقدّموا بطلبات لنيل الجنسية منذ أكثر من 60 عاما ولم يجنّسوا ولا تزال ملفاتهم في الأدراج».

وشدد على أن «التمسّك بالتوافق، يصبح مطلبا جوهريا في المجتمعات المتعدّدة لا سيما ذات التركيبة غير المتجانسة. وما حدث في 7 مايو (أيار) (حين اتخذ مجلس الوزراء قرارين يرميان إلى فك شبكات الاتصال السلكية التابعة لحزب الله)، ليس إلا دليلا على عدم القدرة على تجاوز طائفة معيّنة لدى اتخاذ قرار أساسي. وهذا جوهر الصيغة اللبنانية القائمة على العيش المشترك والمكرّسة في الدستور بأشكال عدّة، وليس نصاب الثلثين إلا واحدا منها. فلماذا نعطّل هذه الصيغة؟ هل لتغيير وجه لبنان الديمقراطي؟». وعما إذا كان الدستور يتضمّن نصا صريحا يمنع إعطاء رئيس الجمهورية الثلث المعطّل، قال: «ليس أمرا مستحبا إعطاء الثلث الضامن أو المعطّل لرئيس الجمهورية، لأنه يؤدي إلى شلل في عمل المعارضة، أيا كانت مكوّناتها، ويخلّ بالتوازن بين الطوائف. أما لناحية الدستور، فهو واضح في أنه ينصّ على ثنائية السلطة الإجرائية التي يرأسها رئيس الجمهورية. لذلك، لا شيء يمنع، دستوريا، إعطاء الرئيس هذا الثلث. ولكن نظرا إلى حساسية التركيبة اللبنانية والفسيفساء السياسية، لن يكون تحقيق هذا الأمر واقعيا. فبذلك يتعطّل دور المعارضة في مراقبة السلطة الحاكمة لناحية التعطيل والتسيير».

وبالنسبة إلى أن الديمقراطية تمثّل حكم الأكثرية، قال: «بالتأكيد إنها حكم الأكثرية، إنما في المجتمعات ذات الوجه الواحد واللون الواحد أي المجتمعات المندمجة والمتطورة جدا والتي لديها تاريخ وتجربة طويلة في المسار الديمقراطي. فالنصوص الميثاقية لا يمكن أن تكون جامدة بعيدة عن طبيعة المجتمع وتركيبته. فلنفترض أن هذه المقولة تطبَّق في لبنان، ماذا ستكون نتيجتها على أرض الواقع؟ فالمشكلات تقع بعد اتخاذ القرارات التي تتجاوز أحد مكوّنات المجتمع، وإذا تركنا عملية اتخاذ القرار في مهب الأكثرية العادية، فإن لبنان سرعان ما يتعرض للانهيار. ثلث ضامن أو معطّل لا تهم التسميات، فالجوهر واحد وهو عدم المسّ بصيغة العيش المشترك. كل كلام عن أن الديمقراطية تمثّل حكم الأكثرية لا ينطبق على الواقع اللبناني الطائفي، فنحن لسنا في الجمهورية الفاضلة. وحتى وإن لم تكن تجربة الحكومة الأخيرة التي أعطيت فيها المعارضة الثلث المعطّل، تجربة ناجحة، فلا يمكن تغيير اتجاه البوصلة والابتعاد عن التوافق الذي يجب أن تتمسّك به كل القوى والعمل على تحسين الأداء».

في المقابل، رأى عضو «14 آذار» النائب بطرس حرب أن «الدستور لا يأتي على ذكر ثلث معطّل. كما أن الكلام عن ثلث ضامن، مجرّد تسمية تجميلية لمضمون واحد هو مضمون التعطيل. فالدستور ينص على تيسير شؤون المؤسسات لا على تعطيلها، ثم إعادة تسييرها بتسويات سياسية. كذلك، لا شيء في الدستور ينص على تأليف حكومات وحدة وطنية بل على وفاق وطني. لذلك، يمكن القول إننا في نظام أكثرية تحكم وأقلية تعارض. طبعا لا ننكر أن هناك حاجة إلى المشاركة شرط أن لا تتحول سبيلا للتعطيل، وأن لا نشوّه بذلك النظام البرلماني الذي ينص عليه دستورنا. ولا يمكن التسلح بحجة العيش المشترك لكي نلتف على الدستور بالممارسة. وإن كان الدستور لا يرضي البعض فلنجتمع ونتحاور ونعدّله وليقولوا لنا ماذا يريدون، إنما لا يُعقل أن ننقلب عليه ونلتف عليه بالممارسة. وكل حديث عن ثلث معطّل يمثّل انقلابا على الدستور».

ورفض مقولة إن «تأليف حكومة من دون ثلث معطّل يشكّل مسًّا بالصيغة»، وقال: «أمامنا تجربة سيئة جدا، حيث عملت المعارضة على تعطيل القرارات في مجلس الوزراء. لا ننكر أن مجلس الوزراء مكان للنقاش، إنما هو مكان لاتخاذ القرارات لتسيير شؤون الناس لا للتعطيل. وإذا كانت الحكومة قد أخطأت في 7 أيار (مايو) حين اتخذت قراريها (بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة في حزب الله وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي)، فإن لجوء حزب الله إلى السلاح لحل المشكلة كان خطأ أفدح لأنه وجّه سلاحه إلى الداخل واستعمل القوة ليفرض تسويات ويأخذ البلد إلى حيث يشاء».