تزايد توجه الأتراك نحو التطرف الإسلامي

خبراء: الدعاية التركية الأصولية تعادل المواد التي تصدر عن «القاعدة»

TT

في رسالة صوتية من أحد المخابئ بجنوب آسيا، قام قائد تنظيم «القاعدة» في أفغانستان خلال الشهر الجاري بعمل شيء جديد تماما، حيث عزف على أوتار مجموعة عرقية لم تكن من قبل عضوا في تلك الشبكة.

يقول مصطفى أبو اليزيد قائد عمليات «القاعدة» في أفغانستان: «نحن نعتبر المسلمين في تركيا أخوة لنا». وقد أعلن أبو اليزيد تأييده للمفجرين الانتحاريين الأتراك، الذين شنوا الهجوم الأخير على الحدود الباكستانية ـ الأفغانية، قائلا: «إن ذلك فخر وشرف للأمة الإسلامية في تركيا». يقول مسؤولون وخبراء في مجال مكافحة الإرهاب، إن الرسالة تعد دليلا واضحا على تغير تكوين مجموعات التطرف الإسلامي، وذلك حيث يؤكد المسؤولون أن عدد الأتراك في تنظيم «القاعدة» الذي كان يتكون في معظم الوقت من العرب قد تزايد بشكل ملحوظ. كما أن الجماعات المسلحة، التي يسيطر عليها الأتراك والآسيويون من آسيا الوسطي، الذين تجمع بينهم رابطة الثقافة واللغة التركية ظهروا كحلفاء وبدائل لتنظيم «القاعدة» في شمال غربي باكستان.

ويقول مسؤول أوروبي بارز في مجال مكافحة الإرهاب، طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية الموضوع: «نحن على علم بتزايد عدد الأتراك الذين يذهبون إلى التدريب في باكستان، وقد بدأت هذه الزيادة منذ نحو العامين».

وكانت التقاليد التركية العلمانية ومراقبة الدولة الدائمة منذ سنوات للممارسات الدينية قد ساهمت في الحد من التطرف داخل تركيا وبين الأتراك في الخارج، ولكن الحركات الجديدة استغلت بروباغندا الإنترنت في تركيا وألمانيا لتجنيد أفراد المهاجرين الأتراك في ألمانيا، الذين يصل عددهم إلى ثلاثة ملايين.

يقول إيفان كوهلمان، المستشار الأميركي الخاص، الذي يعمل في وكالات مكافحة الإرهاب المنتشرة حول العالم: «نحن نرى مواد بروباغندا لهذه المجموعات التركية تعادل المواد التي تصدر عن تنظيم «القاعدة»، وكان الأتراك ينظر لهم دائما باعتبارهم معتدلين، لا يوجد سوى عدد قليل منهم على صلة بتنظيم «القاعدة». ولكن ألمانيا تواجه الآن ذلك التهديد في مجتمع ربما يشبه الوحش النائم».

وتتعرض ألمانيا على وجه خاص لذلك التهديد؛ نظرا لوجود قوات لها بأفغانستان، كما أن التهديد ربما يتزايد في بعض الدول الأخرى، التي توجد بها الجاليات التركية مثل فرنسا، بلجيكا، وهولندا، والتي تركز وكالات مكافحة الإرهاب بها على تطويق التطرف بين جاليات شمال أفريقيا الكبيرة. وتشكل تداعيات ذلك التوجه خطرا بالنسبة لتركيا؛ الحليف الإسلامي للغرب والممر القديم إلى ساحات القتال في الشرق الأوسط وآسيا.

وعندما ظهرت قيادة متعددة الأعراق لتنظيم «القاعدة» في التسعينات، تم تدريب الأتراك في أفغانستان ثم حاربوا في البوسنة والهرسك وفي جمهورية الشيشان الروسية. وفي عام 2003، قتل مفجر انتحاري من تنظيم «القاعدة» 70 شخصا في هجمات على كنيس يهودي وبعض الأهداف البريطانية في اسطنبول كبرى المدن التركية.

وعلى الرغم من أن عدد سكان تركيا يفوق الـ 70 مليونا، إلا أن الأتراك كانوا قبل ذلك من أقل المشاركين في تلك الشبكة.

يقول زينو باران، الخبير في الشؤون الإسلامية بمعهد هادسون للأبحاث في واشنطن، والمولود في تركيا: «لقد كنت أقول للألمان: أنتم محظوظون للغاية لعدم وجود العديد من الراديكاليين بين الأتراك هنا، ولم يكن يلقي أي أحد اهتماما للأتراك؛ لأنهم كانوا يعتبرون مجموعة آمنة».

وعلى الرغم من أن تركيا تعمل عن كثب مع القوات الغربية لمكافحة الإرهاب، إلا أن بعض المسؤولين يقولون إنها توجه الكثير من جهدها لمحاربة الانفصاليين الأكراد. وعبر باران عن قلقه من أن الحكومة الإسلامية المعتدلة، التي تهيمن على السلطة منذ عام 2002 قد خفضت من حذرها. فيؤكد باران الذي صدر له كتاب بعنوان (المسلم الآخر: معتدل وعلماني): «في ظل رفض الحكومة لمناقشة قضية أيدولوجيا الإسلاميين، يبدو أن تنظيم «القاعدة» وما شابهه من التنظيمات يعتقدون أن هناك انفتاحا في تركيا ومع الأتراك». لقد تبنت القوات المقاتلة في آسيا الوسطى أجندة عالمية واختارت مجندين جددا، ويقول كوهلمان إنه قبل خمس سنوات لم تكن هناك حاجة لوجود مترجمين للغة التركية لمراقبة حركة المتطرفين على شبكة الإنترنت، لكنهم الآن أصبحوا مطلوبين، فهذه المجموعات تحاول التأصيل لنفسها وتقديم البروباغندا إلى المتحدثين باللغة التركية، الذين لا يتحدثون العربية أو لغة البشتو ـ اللغة السائدة في منطقة الحدود بين أفغانستان وباكستان». وأضاف: «تقول وسائل الإعلام الخاصة بهم إنهم: معادل تنظيم «القاعدة» بالنسبة للأتراك».

وقد تنافس اتحاد الجهاد الإسلامي، وهو مجموعة أوزبكية، مع تنظيم «القاعدة» ثم عمل معه، ودربت المنظمة ووجهت الأتراك والألمان، الذين تحولوا إلى الإسلام واعترفوا بالتهم المنسوبة لهم في مؤامرة تفجير 2007 ضد الأهداف الأميركية في ألمانيا.

كما أعلنت المجموعة العام الماضي أن مجندا آخر، 28 عاما، بافاري المولد قتل جنديين أميركيين في تفجير انتحاري في أفغانستان. وفي نفس وقت الهجوم، كان نحو ستة من المسلحين الفرنسيين والبلجيكيين يتدربون في معسكرات «القاعدة» في منطقة وزيرستان بباكستان. وتختلف التقديرات التي قدمها مدرب فرنسي حول جنسيات المقاتلين، الذين التقى بهم عن الصورة الشائعة من أن تلك الحركات تتكون أساسا من العرب. فيقول المدرب وليد عثماني خلال استجواب الشرطة الفرنسية له بعد اعتقاله في يناير (كانون الثاني) خلال العام الجاري: «من المحتمل أن تنضم لمجموعات مختلفة: مجموعة تركية كبيرة، مجموعة عربية (أصغر المجموعات)، مجموعة من الأويغور من شمال غربي الصين وهي كبرى المجموعات». ويقول عثماني، تونسي الأصل، إنه قد درب مجموعة مختلطة من العرب القادمين من شمال أفريقيا، كان يقودهم مصري ويتراوح عددهم ما بين 300 إلى 500 مقاتل، بينما يصل عدد الأوزبك إلى 3 آلاف وفقا لاعترافات عثماني، وأضاف أن الفريق التركي كان يتراوح ما بين ألف إلى ألفين وكان يقودهم تركي.

ويقول المحققون معه، إنهم لا يستطيعون التأكد من مدى دقة تقديراته، فبعض الأرقام تبدو دقيقة، بينما يبدو البعض الآخر أكبر من المتوقع وفقا لتقارير الاستخبارات السابقة، ولكنهم يعتدون بشكل عام بتقديراته.

وربما يعكس ذلك المزيج من الجنسيات الشكل الذي سوف يصبح عليه المستقبل، فيقول المسؤولون، إن أبا اليزيد هو القائد الحالي لتنظيم «القاعدة»، الذي يدير العمليات اليومية بينما كرس أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري نفسيهما لتجنب الاعتقال. وقد استخدم أبو اليزيد الرسالة الصوتية الأخيرة، التي ألقى بها لكي يعلن عن حاجته الماسة للمال، فهو يقول، وفقا لترجمة من قبل منظمة كولهمان (نيفا): «ونحن هنا في ميدان المعركة في أفغانستان نفتقر إلى الكثير من المال، كما أن عملياتنا أصبحت ضعيفة نظرا لعدم توافر المال، كما تخلف العديد من المجاهدين عن الجهاد نظرا لقلة المال أو عدم توافره». ويفيد الخبراء بأن «القاعدة» تمر بأوقات عصيبة، كما أن توجيه تلك الرسالة إلى الجمهور التركي يوحي بأن ذلك الجمهور ينظر إليه باعتباره المصدر المحتمل لتجديد الحركة.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»