ناشط يساري إسرائيلي يتضامن مع سكان الضفة ويساعد الفقراء منهم

يتلقى التحية الدافئة من الفلسطينيين.. وتتبعه سيارات الأمن الإسرائيلية لمراقبته

TT

كان عزرا ناوي سعيدا بما يقوم به. وبينما كان يقود سيارة الجيب الخاصة به في صبيحة أحد أيام السبت الماضي كان يستخدم هاتفي جوّال متحدثا باللغة العربية ويشق طريقه عبر التلال والقرى القاحلة بالقرب من مدينة الخليل، وكان يتلقى التحية الدافئة من الفلسطينيين هنا وهناك. وعندما تشاهده وهو يطلب سيارة إسعاف لنجدة ساكن في هذه المنطقة ويفحص التقدم في عملية بناء مدرسة فلسطينية يجري بناؤها دون الحصول على تصريح إسرائيلي، يمكن أن تحسبه زعيم إحدى العائلات. وبعد ذلك، عندما تشاهد سيارتي جيب إسرائيليتين تسيران خلفه، ربما تظن أنه مسؤول احتلال إسرائيلي مسؤول عن التعامل مع الشؤون الفلسطينية. ولكن السيد ناوي ليس أيا من هؤلاء، وربما كان من الأفضل النظر إليه على أنه روبين هوود تلال جنوب الخليل. إنه رجل يهودي إسرائيلي يساعد السكان المحليين من الفقراء الذين يحبونه ويقف في وجه المستوطنين والجنود الذين يعاملونه بازدراء. ولا توفر سيارات الجيب العسكرية هذه الحماية له، ولكنها تقوم بتعقبه. منذ أن فقد اليسار الإسرائيلي الكثير من جاذبيته الشعبية بعد الانتفاضة الفلسطينية العنيفة عام 2000 وفوز حركة حماس في الانتخابات قبل ثلاثة أعوام، أصبح ناشطو اليسار الإسرائيلي أقلية، وهم يضمون أستاذة جامعيين يدّرسون اللغة اللاتينية أو اللغة السنسكريتية ومترجمين لأشعار العصور الوسطى. ويعمل السيد ناوي تاجر رصاص، وعلى عكس المثقفين من الأصول الأوروبية الذين يقضي معهم معظم أيام السبت فإنه من عائلة عراقية يهودية. ويقول ناوي، الذي يبلغ من العمر 57 عاما ولديه خمسة أطفال: «ولدتني أمي في القدس عندما كانت تبلغ من العمر 14 عاما، ولذا تولت جدتي رعايتي وكانت تحدثني باللغة العربية» وتعاني أسرته من مشكلة في فهم أولوياته، وتقول أمه إنها تعتقد أنه يضيع وقته، وعندما يعلم الكثير من الإسرائيليين بما يقوم به يتساءلون عما يمنعه من مساعدة ذويه. ولدى ناوي إجابة عن ذلك. وقال بينما كان يقود سيارته: «أنا لا أعتبره عملا سياسيا، وليس لدي حل لهذا النزاع، وما أعرفه هو أن ما يحدث هنا خطأ والأمر لا يتعلق بالأيديولوجيات ولكنه يتعلق بآداب السلوك» وبالنسبة لزملائه من الناشطين، فإن علاقة ناوي الغريزية بالفلسطينيين لها قيمتها. ويقول أميل فاردي، وهو أستاذ جامعي يعمل عن قرب معه: «يعرف عزرا الفلسطينيين أفضل من أي منا، ولا يعود ذلك إلى اللغة، ولكنه يتمكن من أن يكسب ثقتهم من اللحظة التي يبدأ فيها الحديث معهم، ولديه سرعة بديهة واستيعاب لما يجب أن يحدث، وما هي طبيعة العلاقات الداخلية وتلك الأشياء التي يصعب علينا ملاحظتها» وقد سجلت صعوبات الحياة الفلسطينية في الضفة الغربية بصورة جيدة، حيث توجد نقاط تفتيش للجيش الإسرائيلي، ويستمر العمل في بناء جدار الفصل ويوجد المستوطنون الإسرائيليون. ولكن في هذه المنطقة، نجد أن المشاكل أشد، حيث يعاني الفلسطينيون، والكثير منهم من البدو، من الفقر بصورة استثنائية ويوجد تهديد للأرض التي اشتروها منذ عقود من قبل مجموعة من المستوطنين المحليين العدائيين بصورة غير مألوفة. وقد تم تصوير المستوطنين وهم يضربون الفلسطينيين ضربا مبرحا. وقتل مستوطنون على يد فلسطينيين. ولكن يقول ناوي إن القانون حتما ينحاز إلى جانب الإسرائيليين وإن الاحتلال يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك مساواة. ويقول ناوي: «يمنع المستوطنون المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أرضهم ويقومون بالاعتداء عليهم ومع مرور العديد من الأعوام يقولون إن هذه الأرض لم تزرع ولذا فهي لم تعد ملكا لهم قانونا» ويضيف: «نحن هنا لنمنع ذلك من الحدوث» وليست هذه نظرة المستوطنين. ويقول يهوشوا مور يوسف، المتحدث باسم المستوطنين في هذه المنطقة: «إنه يخلق مشاكل. صحيح أنه من حين لآخر تكون هناك مشكلة بعض المستوطنين الذين يخرجون من مستوطناتهم ليخلقوا بعض المشاكل. ومع ذلك لا يريد من هم مثل ناوي حل المشكلة، هدفهم الرئيس هو التسبب في المشاكل» وسواء كان ذلك صحيحا أم لا، فإن ناوي في مشكلة حاليا. وبعد أن قضى العديد من المدد القصيرة داخل السجن بسبب نشاطه خلال الأعوام الماضية، يواجه حاليا احتمالا بأن يقضي فترة أطول، فمن المقرر أن يسجن يوم الأربعاء بسبب الاعتداء على رجل شرطة إسرائيلي قبل عامين خلال مواجهة على خلفية محاولة هدم أكشاك لفلسطينيين على أرض متنازع عليها في الضفة الغربية. ويقول رجل الشرطة إن ناوي تعرض له بالضرب خلال هذه المواجهة. ومع أن ناوي أنكر ذلك، حكم قاض في مارس (آذار) بإدانته. ويقف مع ناوي ما بقي من اليسار الإسرائيلي، ويقولون إن ناوي معروف بأنه مسالم وإنه لا يمكن أن يرفع يده على أحد. وقال ديفيد شولمان، وهو أستاذ في جامعة الخليل وناشط سلام، في صحيفة هاآرتس: «منذ أن عرفت الرجل منذ عقود شاهدته في العديد من المواقف الصعبة، وأنا متأكد من أن هذه التهمة غير صحيحة» وأضاف: «إنه رجل ملتزم بدرجة كبيرة بالاحتجاج غير العنيف ضد ظلم الاحتلال» ويرجع ناوي نشاطه إلى شيئين، فعندما كان في سن المراهقة كانت تعيش أسرته بجوار زعيم الحزب الشيوعي الإسرائيلي ريوفين كامينر، وقد أثر عليه كثيرا. ويقول ناوي: «أتفهم ما يعني أن أكون ضمن أقلية تعامل بازدراء لأنني أمارس الشذوذ» وقبل عدة أعوام، كان لديه علاقة مع فلسطيني من الضفة الغربية وانتهت بالإدانة بتهمة السماح لصاحبه بالعيش بصورة غير شرعية في إسرائيل، وتم حبس صاحبه لعدة أشهر. ويقول ناوي إن التعدي عليه يتخذ صورا عدة، حيث يسبه المستوطنون ويصفونه بأوصاف معادية لممارسة الشذوذ الجنسي، ويجري فحص نشاطه التجاري في مجال الرصاص، وحصل على فاتورة ضرائب يقول إنه لا يستحقها، وهو متأكد من أن مكالماته التليفونية تجري مراقبتها، ولا تفارقه سيارات الجيب العسكرية. ولا يشعر ناوي بالتفاؤل بخصوص حكم السجن المقبل، على الرغم من أنه يخطط للاستئناف. ويقول إن وسائل الإعلام الإخبارية الإسرائيلية لم تعد تهتم بالعمل الذي يقوم به مع زملائه من الناشطين، ولكنه لن يتوقف. ويقول: «أنا هنا لتغيير الواقع، لا يعرف هؤلاء الناس من الإسرائيليين سوى المستوطنين والجنود، ويمكنهم أن يتعرفوا من خلالي على نوع مختلف من الإسرائيليين. وسأبقى آتي حتى أعلم أن المزارعين هنا يذهبون إلى حقولهم»

* خدمة «نيويورك تايمز»