رفع العشرات من الحواجز الإسمنتية من شوارع بغداد.. ودعوة إلى «ثورة» لإزالتها بالكامل

يمقتها العراقيون لكنهم يخشون العيش من دونها.. وضابط عراقي: رفعها ليس خطأ فحسب بل مقامرة

عراقيون يحتفلون بالرقص والغناء في البصرة أمس بالانسحاب الأميركي من المدن (أ.ب)
TT

مع تحسن الأوضاع الأمنية في بغداد وانسحاب القوات الأميركية إلى خارج المدن العراقية، يزيل عمال يقودون رافعات حوائط خرسانية ضخمة نصبت لمنع ذبح الأبرياء في القتال الطائفي.

يعتبر أبو علي بائع الكتب في العاصمة بغداد أن هذه الخطوة سابقة لأوانها. ويتذكر وهو جالس في زقاق ومن حوله مؤلفات متخصصة في المذهب الشيعي، كيف سقط ابنه قتيلا في انفجار هائل.

وقال أبو علي (56 عاما) لوكالة رويترز «قواتنا الأمنية لا تتمتع بخبرة كافية تمكنها من الحفاظ على الأمن بنفسها، أتمنى إزالة هذه الحواجز، لكن المعاناة التي مررنا بها بشعة. لا أحد يريد المرور بذلك مجددا». وتجري إزالة الحواجز الخرسانية العالية التي نصبت ذات يوم في أوج أعمال العنف الطائفي بالعراق لينفذ النور إلى الشوارع المتربة وتتصل الأحياء المقسمة ببعضها بعضا للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات أو أكثر.

تراجعت وتيرة العنف بشدة في العراق في الأشهر الأخيرة وأثارت إزالة الحواجز الأحلام بانتعاش الأعمال مع نفاذ الضوء إلى المطاعم والمتاجر من جديد، لكن الخوف لا يزال قائما.

كان ابن أبي علي البالغ من العمر 17 عاما، واحدا من 140 على الأقل قتلوا في أكبر هجوم على بغداد منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. كان ذلك في 18 أبريل (نيسان) عام 2007 عندما انفجرت شاحنة ملغومة بحي الصدرية التجاري في هجوم يشتبه أن أفرادا من «القاعدة» وراءه.

وحولت الحوائط الخرسانية بغداد ومدنا أخرى إلى مناطق مكتظة من الألواح الخرسانية تحمل آثار حروق من التفجيرات. وأصبح بعضها لوحات للفن الارتجالي أو لوحات إعلانات للملصقات السياسية.

ويزن الحاجز الخرساني الواحد خمسة أطنان، ويهدف إلى امتصاص الجانب الأكبر من أي تفجير.

ويقول عباس فاضل (31 عاما) وهو صاحب مطعم يقع إلى جانب وزارات وسفارات أجنبية بالمنطقة الخضراء المحصنة جيدا بالعاصمة، إنه سعيد وخائف في نفس الوقت.

وأضاف فاضل «أنا سعيد لأن هذا سيكون ايجابيا بالنسبة لعملي وخائف، لأن إزالتها قد تشجع الإرهابيين على مهاجمة المنطقة. من الممكن أن تصبح هدفا سهلا».

في حي الصدرية على الضفة المقابلة من نهر دجلة يقول ضابط بالجيش العراقي، إنه يعلم أن السكان المحليين يمقتون الحوائط. واستطرد قائلا «لكنها نصبت لسلامتهم. هناك الكثير من الخلايا الإرهابية الكامنة التي تنتظر استغلال أي فرصة لشن هجوم. إزالتها ليست خطأ استراتيجيا فحسب، لكنها مسألة مقامرة. ينطوي هذا على مجازفة بكل معنى الكلمة». وتقول الحكومة إن فتح الشوارع المغلقة وإزالة الحوائط يحظى بتأييد شبه عام. وأظهرت دراسة مسحية أجراها المركز الوطني للإعلام وهو مركز حكومي، أن 90 في المائة ممن سئلوا يؤيدون هذا الخطوة.

وفضلا عن تقييد الحركة والتسبب في اختناقات مرورية عطلت الحوائط خدمات مثل جمع القمامة ومشاريع من بينها مشروع لتجديد نظام الصرف الصحي بمدينة الصدر بتكلفة 100 مليون دولار. ومدينة الصدر حي فقير يغلب على سكانه الشيعة، حيث تريد الحكومة كسب تأييد.

وقال صابر العيساوي، رئيس بلدية بغداد، «نحتاج إلى ثورة. إلى قرار جريء لرفع كل الكتل الكونكريتية، خاصة إنها تعزل مناطق بالكامل». وأضاف أن هناك مئات الآلاف من الكتل الخرسانية في بغداد، وأن العراقيين يخسرون مليارات الدنانير سنويا بسبب وجودها.

وقال حكيم عبد الزهرة، المتحدث باسم المجلس البلدي، إن الحوائط شوهت واحدة من أقدم مدن العالم، وإن فتح الطرق والجسور التي تمر فوق نهر دجلة تظهر أن الحياة بدأت تعود إلى طبيعتها. وأضاف «نأمل أن ترجع بغداد حية، وأن تكون بغداد زاهية وموضعا مذهلا للزائرين بما يليق بها كتاريخ وتراث وحاضر». وقال إن الشاحنات تنقل عشرات الألواح الخرسانية التي أزيلت إلى مواقع عسكرية لتستخدمها قوات الأمن.

وقال خالد عبيد (42 عاما)، تاجر بأحد الأسواق، إنه يشعر أن حملا كبيرا زال من على صدره بينما كان يتابع فرقا تعمل على إزالة الحواجز. ومضى قائلا نريد أن نرى الناس. لم نر الكثيرين منذ تم إغلاق هذه المنطقة. زوجتي بكت فرحا حين رأت الرافعات تزيل الحوائط من الشوارع».