حذر باكستاني إزاء معركة وزيرستان والغارات الجوية لعزل بيت الله محسود

مهندس بولندي دفع حياته ثمناً لعدم الرضوخ لطالبان باكستان

TT

قبل أكثر من سبعين عاما، شن الجيش البريطاني حربا على القوات القبلية الموالية لشخصية دينية كاريزمية، فيما يعرف الآن بمنطقة وزيرستان الباكستانية، واستمرت حرب العصابات التي تلت ذلك لأكثر من عقد. ولم تستطع القوات البريطانية التي تفوقهم في العدد والسلاح أن تعتقل قائد التمرد، واضطرت إلى الانسحاب في النهاية من المنطقة.

ويستعد اليوم الجيش الباكستاني لشن عملية موسعة ضد محارب آخر في وزيرستان، هو الزعيم الاصولي بيت الله محسود. ونظرا لاستفادته من دروس التاريخ، ومن الإخفاقات المتكررة، التي مني بها، يحاول الجيش أن يعزل ويضعف محسود قبل إرسال قواته إلى المعركة. وقامت القاذفات الباكستانية بعبور منطقة محسود بصورة يومية خلال الأسبوعين الماضيين؛ لتدك مخابئه وتقتل العشرات من مقاتليه، بما يشمل 16 قتلوا في غارات يوم السبت وفقا لبعض المسؤولين. وقد حاصرت قوات الجيش كذلك المنطقة لعرقلة إمدادات السلاح والوقود التي تصل إلى محسود من الخارج. ويقول أثار عباس، المتحدث الرسمي باسم الجيش الباكستاني في حوار أجري معه: «نحن نحاول تشكيل البيئة قبل أن ندخل القتال، كما أننا نحاول تقليل الخسائر البشرية، ورغم أن مؤسستنا هي المؤسسة الوحيدة القادرة على التصدي للمسلحين، فإن المساندة الشعبية ضرورية للغاية، فعندما يبدأ القتال يجب أن نقاتل ضد بيت الله ومجموعته فقط، فلا يمكننا تحمل اندلاع انتفاضة قبلية ضدنا». وحتى الآن، لم تسفر تلك الجهود سوى عن نتائج مشوشة، وذلك حيث اغتال أحد الموالين لمحسود يوم الثلاثاء قائدا قبليا بارزا مواليا للحكومة في جنوب وزيرستان، كما أسفرت الهجمات الجوية الأميركية بالطائرات الموجهة من دون طيار عن مقتل 46 شخصا في جنازة أحد قادة محسود المقتولين.

ويقول رفعت حسين، أستاذ دراسات الدفاع في جامعة «كويد إي أظام» هنا: «من الواضح الآن أن أي قبائل ستقف إلى جانب الجيش سيتم قمعها بعنف، فربما يساندون الدولة خفية هنا، لكنهم لا يجرؤون على مساندتها الفعلية». كما أشار رفعت حسين إلى أن الكثير من ضباط الجيش ينحدرون من البشتون، وهي نفس مجموعة محسود العرقية، مما يجعلهم مترددين بشأن القتال ضده. وبينما تمضي الأيام دون شن عملية واسعة النطاق، يقول الخبراء، إن محسود ـ الذي يقدر المسؤولون في الجيش أنه يقود حوالي عشرة آلاف مقاتل قبلي ـ لديه الفرصة لتوفير الدعم من المتعاطفين معه في مناطق أخرى في باكستان أو بالخارج.

ومنذ أبريل (نيسان)، حظي الجيش بمساندة شعبية غير مسبوقة خلال سلسلة العمليات، التي شنها على المسلحين نظرا للعمليات التفجيرية الإرهابية المحكمة، بالإضافة إلى الكشف عن تجاوزات وحشية ارتكبتها قوات طالبان في شمال غربي وادي سوات.

ولكن مؤخرا، شكك بعض المحللين للشؤون الباكستانية في مدى حكمة الدخول في قتال مع القبائل المتعصبة الموالية لمحسود، فقد كتب المسؤول الحكومي المتقاعد، رويداد خان يوم الجمعة في صحيفة «نيوز انترناشيونال»: «إن اتخاذ قرار بشن عمليات عسكرية في تلك المنطقة الحدودية شديدة الحساسية، هو قرار غير حكيم وغير صائب، كما أن التوقيت غير ملائم».

وذكّر خان بالعملية التي شنها حوالي 40 ألف مقاتل من القوات البريطانية والهندية في الثلاثينات، التي أخفقت في القضاء على ميرزا علي خان، وهو قائد ديني وقبلي في شمال وزيرستان. وقد حذر خان من أنه إذا شن الجيش هجوما على منطقة وزيرستان المجاورة فإنه سوف «يفتح أحد الجروح العميقة». وتقول مصادر مقربة من القوات المسلحة، إن هناك مخاوف من أن يدفع المسؤولون الباكستانيون والأميركيون الجيش إلى تلك الحملة الجديدة مباشرة بعد مواجهة الآلاف من مقاتلي طالبان في سوات. وهي العملية التي أسفرت عن نزوح أكثر من حوالي مليونين من السكان واستنزفت موارد الجيش. الى ذلك لم يبد بيوتر ستانشاك أي تتردد عندما طلبت منه طالبان باكستان الاختيار بين الاعدام أو اعتناق الاسلام.

وسواء أكان الجيولوجي البولندي قد تصرف انطلاقا من لحظة زهو أو عن قناعة دينية، فانه قرر أن يدفع حياته ثمنا لإنقاذ معتقده، الأمر الذي أصاب قاتليه بالذهول وظلوا يتحدثون عنه باحترام بعد قتله. وكان ستانشاك، 42 عاما، قد اختطف في 28 سبتمبر (أيلول) وهو في طريقه لعمل مسح بغرض التنقيب عن البترول في منطقة أتوك على الحدود الشرقية لإقليم البنجاب الباكستاني. كما قتل المختطفون أيضا سائقه وحارسين. وأطلق المتشددون شريط فيديو مروعا مدته 7 دقائق مطلع فبراير (شباط) يظهر عملية الاعدام بقطع الرقبة. وحمل واحد من القتلة الحكومة الباكستانية المسؤولية عن فشل القبول بمطالبهم لإطلاق سراح متشددين محتجزين.

وردت وارسو بغضب منتقدة «لا مبالاة» إسلام آباد في معالجة الارهاب، وعرضت تقديم مليون زلوتي ( 300 الف دولار) مكافأة لأي معلومات تفضي لإلقاء القبض على متشددي طالبان الذين أعدموا ستانشاك. ومن بين المتشددين الذين تسعى طالبان للافراج عنهم احمد عمر سعيد شيخ، وهو بريطاني من أصل باكستاني حكم عليه بالإعدام بعد قيامه عام 2002 باختطاف وقتل الصحافي الأميركي دانييل بيرل. وعندما فشلت المفاوضات بين ممثلي الحكومة الباكستانية والمختطفين منحت قيادة طالبان للبولندي فرصة أخيرة لإنقاذ نفسه، حسبما كشف مختطفو ستانشاك لرهينة أخرى، وهو رجل باكستاني يدعى محمد أمير. وأطلق سراح أمير وهو اسم مستعار، حيث طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي؛ خشية الانتقام مؤخرا بعدما دفعت أسرته مليون روبية (25 الف دولار) لعملاء تابعين للقائد الطالباني طارق أفريدي. ويرأس أفريدي مجموعة صغيرة من طالبان بمنطقة الاوركازي القبلية، وهو موال لبيت الله محسود رئيس طالبان المحلية، الذي رصدت مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لقتله، كونه من المتعاونين مع القاعدة. وقد أمرت القوات الباكستانية مؤخرا باتخاذ موقف حازم ضد محسود.

وصرح امير في مقابلة مع وكالة الانباء الالمانية في أتوك، بأنه كان موجودا في نفس الزنزانة مع ستانشاك لمدة شهر قبل إعدامه. وقال أمير إن جنود طالبان الذين يحرسون مبنى السجن المكون من طابقين في جنوب وزيرستان، وهي منطقة قبلية متاخمة للحدود الافغانية غاب عنها القانون كثيرا، ما كانوا يتحدثون معه، وفي احد الايام جاء ذكر عملية اختطاف وقتل ستانشاك.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ(«الشرق الأوسط»)