موسوي في موقف صعب: الاعتراف بالهزيمة.. أو الاستمرار في الدفاع والتعرض للسجن

أنصار نجاد هددوا بمحاكمة مستشاريه.. و«قم» البطاقة الوحيدة الرابحة في يد زعيم الإصلاحيين

TT

مع ضعف المعارضة الواضح في إيران تحت وطأة قمع الحكومة، بدأ الرئيس محمود أحمدي نجاد ومؤيدوه في استغلال ذلك النصر ـ محل النزاع ـ في الانتخابات التي أجريت خلال الشهر الحالي لتعزيز الموقف الدولي للبلاد وإحكام سيطرته داخليا.

ووجه أحمدي نجاد ومؤيدوه انتقادات خلال الأيام الماضية للرئيس أوباما لما أطلقوا عليه «سياساته التدخلية»، وقالوا إنهم مستعدون لمحاكمة مستشاري مرشح المعارضة مير حسين موسوي وهددوا بإعدام بعض مناصريه الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على نتائج الانتخابات. وقد قالت وكالات الأنباء أول من أمس، إن قوات الشرطة قامت بتفريق تجمع آخر للمعارضة، وأفاد شهود عيان أنهم كانوا يقدرون بنحو ألفين، واحتجزت ثمانية من العاملين بالسفارة البريطانية متهمة إياهم بالضلوع في تنظيم المظاهرات. ويقول بعض المحللين الإيرانيين إن تلك الإجراءات تعكس القوة المتعاظمة للزمرة القليلة من رجال الدين المتشددين وقادة الحرس الثوري. وقد أثبت الحرس الثوري، على وجه التحديد، أهمية للسلطات منذ انتخابات 12 يونيو (حزيران) ويؤكدون تزايد نفوذه مع استمرار النزاع. ويترك ذلك موسوي أمام خيارات صعبة، فهو يتعرض لضغط سياسي متزايد حول ما يقول مؤيدو الحكومة إنه الدور القيادي الذي لعبه في قيادة أحداث الشغب، كما أنه يواجه إما الاعتراف بالهزيمة أو الاستمرار في الدفاع عن نتائج الانتخابات ويتعرض للسجن.

ويقول المحلل السياسي أمير محبيان «كل شيء الآن يعتمد على موسوي، فإذا عمل على تقليل التوتر، فإن السياسيين يمكنهم التعامل مع ذلك. أما إذا مارس المزيد من الضغوط فإن نفوذ الجيش والقوات الأمنية سوف يتعاظم». ويقول محللون آخرون إنه إذا استمر في القتال فإن موسوي والعديد من مستشاريه ربما يتعرضون للسجن وهو ما يعني القضاء على نفوذهم السياسي في النظام الإيراني الحاكم، كما أن إقصاء مثل تلك المجموعة الكبيرة سوف ينهي تقاليد نظام تقاسم السلطة التقليدي بإيران، وسوف تستقر السلطات في يدي المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وأحمدي نجاد ومؤيديهما مما يترك البرلمان كقاعدة وحيدة لأصوات المعارضة.

ومن ناحية أخرى، فإن قبول موسوي الهزيمة سوف يسمح له بتشكيل حزب سياسي ربما يمنحه دورا معارضا خلال ولاية أحمدي نجاد الثانية على الرغم من أنه لن يكون قادرا على مواجهة حكم خامنئي. ولكن ستخيب آمال مؤيدي موسوي ـ الذين لا يزالون حانقين على العنف الذي تلا الانتخابات والذي يلقي فيه باللوم على عاتق الحكومة – إذا ما اتخذ تلك الخطوة.

ويبدو أن البطاقة الوحيدة الرابحة في يد موسوي تأتي من المدينة المقدسة «قم» وهي أحد مراكز التعليم الشيعية ذات النفوذ، حيث أصدر هناك عدد من آيات الله العظمى تصريحات يدعون فيها إلى التوصل إلى حل وسط، والأهم أنهم لم ينضموا إلى خامنئي في تأييده المطلق لأحمدي نجاد. وقال آية الله العظمى عبد الكريم موسوي اردابيلي في اجتماع مع أعضاء مجلس صيانة الدستور، وهو اللقاء الذي أذاعته وكالة أنباء العمال الإيرانية شبه الرسمية «إن الأحداث التي وقعت قد أضعفت النظام، فيجب أن نسمع اعتراضات المحتجين على الانتخابات. فيجب أن ندع الناس تتكلم».

وقد أصدر آية الله عظمى آخر فتويين يوم السبت قائلا إن الإسلام يحرم على قوات الأمن ضرب الشعب الأعزل، بينما قال آية الله العظمى أسد الله بيت زانجاني إن المحتجين كانوا إسلاميين، موضحا «إن تلك التجمعات هي حق قانوني للشعب وهي طريقتهم الوحيدة لإعلام الحكام بطلباتهم». وقد رفض موسوي ومرشح المعارضة الآخر مهدي كروبي بشدة الاعتراف بنتائج الانتخابات الرسمية التي تعلن عن نصر ساحق لأحمدي نجاد. كما رفضا كذلك الاشتراك في جهود إعادة عد الأصوات التي قام بها مجلس صيانة الدستور، الذي يجب أن يعلن النتائج النهائية في وقت متأخر (أمس) ولكن تصر المعارضة على أنه غير محايد. ويأتي رفضهما في مصلحة معسكر الرئيس، الذي تؤيده بشدة وسائل الإعلام التي شنت حملة ضد موسوي ومستشاريه والمحتجين.

ووفقا للرواية الرسمية على تلك الحملة، فإن أعداء إيران الخارجيين ـ بما يشمل الولايات المتحدة، وبريطانيا العظمى ـ هم الذين يحركون اضطرابات المعارضة في محاولة للإطاحة بالنظام. وتستعد الحكومة الإيرانية وحلفاؤها لاستخدام تلك الاتهامات لمحاكمة بعض المعارضين السياسيين وهي الخطوة التي يرى بعض المحللين أنها تستهدف إسكات المعارضة لمدة أطول. وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، الذي يقع مقره في باريس، يوم الأحد، إن أكثر من ألفي شخص محتجزون، وإن المئات قد اختفوا منذ تلك الانتخابات. وتقول مهدية محمدي زوجة الصحافي أحمد زياد عبادي، وهو يوجه انتقادات للحكومة واعتقل في اليوم التالي للانتخابات «أنا قلقة للغاية حول مصير زوجي، فعندما لا تصلني أية معلومات خلال الأسبوعين الماضيين، فمن الطبيعي أن أبدأ في القلق من كل شيء».

وتقدم وسائل الإعلام الحكومية قدرا يوميا من المزاعم المتعلقة بتورط مؤيدي موسوي في المؤامرات والمكائد، كما أنهم يشيرون إلى المحتجين بـ «مثيري الشغب» و«المأجورين». كما أنهم يربطون بين أنصار موسوي وخطط تنظيم «ثورة مخملية» للإطاحة بنظام إيران المعقد للحكم الديمقراطي والديني. وقد أجبر بعض المتظاهرين على إذاعة تصريحات تلفزيونية يعترفون فيها باستغلال الأجانب لهم. وقد قال رئيس اللجنة القضائية بالبرلمان إن موسوي ربما يتعرض للمحاكمة. وقد دعا آية الله خاتمي، وهو حليف قوي للمرشد الأعلى، يوم الجمعة، لتوقيع عقوبات «قوية وقاسية» على «قادة الاضطرابات»، مطالبا الهيئة القضائية بأن تحاكمهم مثلما تحاكم «من يشن حربا على الله». والإعدام هو عقوبة مثل تلك الجرائم في القانون الإسلامي الشيعي في إيران.

وقال خامنئي إن هؤلاء المسؤولين عن تنظيم «الشغب» سوف يتحملون مسؤولية «العنف وإراقة الدماء». وقد ساند خامنئي أحمدي نجاد علانية متجاوزا تقليد الجمهورية الإسلامية في سمو المرشد الأعلى فوق النزاعات.

ويقع الحرس الثوري ـ الذي تزايدت قوته بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق في 2001 و2003 على التوالي ـ الآن في موقع يسمح له بالاستحواذ على المزيد من النفوذ في الحكومة. ويعمل الحرس الثوري الذي يتألف من 120 ألف عضو على حماية النظام الإسلامي الحاكم في إيران، كما أن قادته مقربون من القيادات الإيرانية العليا. وفي السنوات الأخيرة، أضاف الحرس الثوري فرقا عسكرية له ووسع عملياته الاستخباراتية كما ساعد على تدريب الميليشيا التطوعية التي يطلق عليها الباسيج واستحوذ على المزيد من السيطرة على الحدود.

يقول المحلل محبيان، الذي ينتقد كلا المرشحين الرئاسيين «نحن الآن في موقف أمني. وذلك يزيد نفوذهم، فمواقف موسوي المتطرفة جعلت من السهل على رجال الجيش التورط في السياسة وهو سوف يؤثر سلبا على الديمقراطية». وقد حطم الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، منافس أحمدي نجاد، والذي كان يؤيد موسوي، يوم الأحد، الصمت الذي التزمه في أعقاب الانتخابات ودعا إلى التحقيق في الشكاوى المتعلقة بفساد الانتخابات، حيث يقول «أتمنى أن يقوم الأشخاص الذين لهم علاقة بتلك القضية بالنظر في الشكاوى القانونية ودراستها بنزاهة وعناية». اشتركت المراسلة كاي ارمين سيرجوي من طهران في إعداد ذلك التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»