مواقف جنبلاط في موازين الحلفاء والخصوم

بين إعادة التموضع والقراءة الدقيقة للمتغيرات

TT

لم يقابَل التغيير الذي طرأ على المواقف الأخيرة لرئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، بأي انتقاد، لا سيما من جانب حلفائه في «14 آذار». هذا التبدل تمثَّل بأشكال عدّة، منها انتقاده شعار تكتل «لبنان أولا» حين رأى فيه تعبيرا عن «تقوقع وتعصّب ومذهبية»، فضلا عن إعلانه عدم مشاركته في «حكومة فيها كلمة واحدة عن الخصخصة» وصولا إلى إعلانه «تفهُّم هواجس حزب الله». فمن جهة، أبدت أطراف مختلفة في «14 آذار» تفهما لتصريحاته، مكتفية بالقول «إن للنائب جنبلاط طريقة مميّزة في التعبير»، على حد تعبير عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار الحوري الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «النائب جنبلاط رغم كل ما يقول فإنه لا يزال في صلب (14 آذار)، إنما يبقى عليه توضيح كلامه حول رفض الخصخصة لما لذلك من تبعات على باريس 3، وقد أوضحنا له أنه لا تناقض بين شعار (لبنان أولا) و(لبنان العروبي) كما ينص اتفاق الطائف». ورغم أن بعض مسيحيي «14 آذار» طالهم شيء من الانتقاد، لا سيما في مرحلة تأليف اللوائح، فإنهم فضّلوا عدم التحدث عن الموضوع خوفا من «زلّة لسان»، فيما لم يتردّد بعضهم الآخر في القول: «يمون البيك».

في المقابل، بدا موقف عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ألان عون أكثر حذرا، إذ فضّل، في اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط»، «الانتظار وعدم التسرع» في الحكم على مواقف جنبلاط. وقال: «لا نعرف كم تصمد مواقفه، لذلك من الأفضل الانتظار لنرى إلى أين ستفضي وعمَّ تعبّر، عن تحوّل جذري أم ظرفي. هذا ما ستظهره الأيام المقبلة. لنرَ إذا كانت تصريحاته ستترجم في أفعاله. إنما في كل الأحوال، المهم أن يبلغ فريق الأكثرية درجة من الوعي يتخلى فيها عن المنطق التصادمي».

وعمّا إذا كان يرى في مواقف جنبلاط محاولة لأخذ مسافة من فريق «14 آذار» وتحديدا حين انتقد شعار «لبنان أولا»، قال: «التصريحات عن لبنان العروبي وما إلى هنالك من شعارات، لا تهمّنا. ما يهمّنا أن يتصرف هذا التكتل الجديد بدور جيد. لا نعرف حسابات جنبلاط، فما يهمّنا الشراكة التي لا يمكن التعامل معها بشكل انتقائي وتحديدا في الجبل وهو يدرك ذلك جيدا. إنما عدم الانفتاح علينا لا يدعونا إلى القلق، أي أننا لا نحكم على مواقفه لكننا في الوقت نفسه، لسنا في مرحلة انتظار».

أما مفوض الإعلام في «الحزب التقدمي الاشتراكي» رامي الريّس فرفض في اتصال مع «الشرق الأوسط» اعتبار أن ما طرأ على مواقف جنبلاط «إعادة تموضع» أو «تبدّل». وقال: «إنها إعادة صياغة لطريقة التعبير عن الثوابت السياسية نفسها باتجاه منحى أكثر هدوءا، قياسا بحجم التحديات على المستويين الدولي والإقليمي، ما يحتّم إجراء قراءة دقيقة لهذه المتغيرات وانعكاساتها المحتملة على لبنان». ورأى أن «إعادة القراءة» هي «واجب على كل الأطراف السياسية. أما عدم قيام الأطراف الأخرى بهذه القراءة فلا يعني أننا نحن على خطأ، وبالتالي ليس هناك أي تبدّل أو إعادة تموضع كما يشاع، بل هناك قرار للخروج من القطيعة مع الأطراف الأخرى. وهي العقدة التي تحكمت في نمط العلاقات السياسية في لبنان خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وقد أوجدت مناخات توتر وتشنّج. ويأتي الانفتاح على الأطراف الأخرى على قاعدة أن الحوار يجري بين الأطراف المختلفة وليس بين الأطراف المتفقة». وأوضح أن انتقاد جنبلاط «لبنان أولا» هو «انتقاد للشعار وليس للتكتل نفسه» وأنه يأتي «من باب الحرص على عدم الانزلاق إلى التقوقع، فيما نرى أن تأكيد البعد العربي للبنان، يخفف في مكان ما حدة التوتر المذهبي والطائفي. ونقول لبعض المزايدين إن شعارَي (لبنان أولا) والعروبة لا يتناقضان، وأول من رفع هذا الشعار كان القائد كمال جنبلاط». وتمنّى على الجميع «فهم المواقف التي يعبّر عنها الحزب التقدمي الاشتراكي وارتباطها بما يحصل على المستوى الإقليمي أكثر من أن يكون الهدف الدخول في سجالات مع أطراف داخلية سواء كانت من ضمن الصف الواحد أو من الجهات المقابلة». وأكّد أن مسيحيي «14 آذار» ليسوا محطّ انتقاد من جانب جنبلاط، وقال: «إذا كان من انتقاد، فإنه كان في مرحلة تأليف اللوائح قبل الانتخابات ذلك أنها أتت على حساب التنوع في (اللقاء الديمقراطي). إنما هذه الصفحة انطوت وقمنا بواجبنا الوطني لحماية وحدة (14 آذار). أما التصريح الذي صدر عن (النائب عن حزب الكتائب) سامي الجميل حول رؤيته للحرب، فأوضحنا أن لكل طرف وجهة نظره ولا مصلحة لفتح هذه الصفحة. وقد حصلت اتصالات بيننا وبين الكتائب وعولج الموضوع». وفي ما يخصّ الانفتاح على «حزب الله» لفت إلى أنه «سابق لمرحلة الانتخابات واللقاء الذي عُقد بين النائب وليد جنبلاط و(الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله تم الاتفاق عليه قبل الانتخابات، إنما اتفق على تأجيل عقده إلى ما بعد الانتخابات، لئلا يفسَّر بشكل مغاير لما هو عليه. ذلك أن هناك حاجة إلى رصّ الصفوف، لا سيما مع تصاعد التهديدات وتصريحات نتنياهو (الذي هدد قبل أيام بأن مشاركة [حزب الله] في الحكومة اللبنانية المقبلة ستجعلها مسؤولة في نظر إسرائيل، عن أي إطلاق نار من جانب الحزب ضد إسرائيل). إذ لا نريد أن يتحوّل لبنان بوابة لتفجير المنطقة من خلال التحضير لعدوان إسرائيلي ضدّه. وهذا يوجب تأطير كل الطاقات على المستوى الداخلي، لزيادة قدرات لبنان الدفاعية والحد من الانقسام الداخلي من أجل تحقيق هذا الهدف. وهذا موقف الرئيس المكلف (تأليف الحكومة) النائب سعد الحريري». وعمّا إذا كان الانفتاح على حزب الله سيتحول انفتاحا على المعارضة، قال: «ليس هناك خطوات أخرى في اتجاه بقية أطراف (8 آذار)»، مؤكدا أن «لا تحضيرات لعقد أي لقاء مع التيار الوطني الحر الذي يبدو أنه وضع جدول أعمال لكن نجهل لماذا. لقد أعلن أن أبواب (مقر النائب ميشال عون) الرابية مفتوحة وإن شاء الله تبقى مفتوحة، لكنّ أحدا لم يطلب موعدا».