لبنان: الحريري يواصل مساعي التأليف.. وجعجع يؤكد عدم التفريط بنتائج الانتخابات

قيادات مسيحية في «14 آذار» ترفض زيارته دمشق قبل التأليف

TT

استمر «التكتم» سيد الموقف في مساعي تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة التي يتولاها الرئيس المكلف سعد الحريري بعيدا عن آذان الإعلاميين ـ وبعض السياسيين ـ ما رمى بنوع من «الغموض الإيجابي» على الوضع الداخلي اللبناني، فتجنب الفرقاء «الكلام العالي» إفساحا في المجال أمام الرئيس الحريري الذي يجري اتصالات مكثفة محورها عملية التأليف بعد زيارة عائلية سريعة قام بها إلى المملكة العربية السعودية، فيما برز أمس ارتفاع صوت حلفائه المسيحيين في «14 آذار» رفضا لأية زيارة قد يقوم بها إلى دمشق قبل تأليف الحكومة.

وانتقد رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع «بعض من ينادي بضرورة إرضاء بعض حلفاء دمشق أو غيرهم وزيارة الشام بعد كل التضحيات التي بذلت عبر التاريخ وحديثا وبعد نجاة الكثيرين من الاغتيال بأعجوبة»، معتبرا أن «البعض يتصرف وكأنه لم تحصل انتخابات في لبنان إلى جانب تصريحاتهم التي تدل على عدم إجراء هذا الاستحقاق، وأيضا كأن 14 آذار لم تفز في هذه الانتخابات»، مشددا على أن الأكثرية «غير مستعدة للتفريط بنتائج هذه الانتخابات».

واعتبر أن «الوحدة والشراكة الوطنية تجلت من خلال خوض كل اللبنانيين الانتخابات في ظل قانون ودستور وأنظمة واحدة»، لافتا إلى أن «تنفيذ مطالبهم يسفر عن تعطيل النظام الديمقراطي والحياة السياسية، وبالتالي نتائج الانتخابات، إذ نصبح في لبنان آخر لا نعرف إلى أي مكان يؤدي؟». ورأى أنه «إذا لم تعجبهم أو تناسبهم طروحاتنا، فليتصرفوا بشكل ديمقراطي وحضاري وليعارضوا ولكن ليس كما عارضوا في عائشة بكار، بل كما يعارض الناس، أي في المجلس النيابي والمنتديات السياسية والمؤسسات الدستورية». وانتقد بعض من ينادي بضرورة إرضاء بعض حلفاء دمشق أو غيرهم، مذكرا بـ«أننا منذ 30 عاما وأكثر ونحن نناضل كي يصبح لدينا وطن مستقل ودولة قائمة ذات كيان، مؤكدا التمسك بهذا المبدأ». وسأل: «لماذا عند كل حدث في لبنان نراهم يزورون الشام ذهابا وإيابا؟». وقال: «بعد كل التضحيات التي بذلت عبر التاريخ وحديثا، وبعد نجاة الكثيرين من الاغتيال بأعجوبة، ثمة سؤال يطرح: أين أصبحت التضحيات التي بذلت من أجل لبنان؟ كي يأتي من يدعو إلى ضرورة التحاور مع سورية في استحقاق لبناني داخلي، ضاربين عرض الحائط بكل تضحيات شهدائنا، هذا إلى جانب أننا سنفقد المواطن اللبناني أمله بوطن مستقل على المدى القريب».

وكان جعجع قد التقى منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيد الذي قال بعد اللقاء إن «زيارة دولة إلى دولة مطلوبة، فإذا الرئيس المكلف سعد الحريري زار دمشق من خلال قمة لبنانية ـ سورية، أو السوريون زاروا لبنان، فهذا الموضوع مطلوب على خلفية إقامة العلاقات، لا سيما أن هناك ملفات عالقة بين البلدين. ولكن أن يزور الحريري الشام قبل تشكيل الحكومة من أجل تسهيل تأليف الحكومة اللبنانية؛ هذا أمر لا يرضاه النائب سعد الحريري ولا أتصور أن أحدا منا أيضا يقبله».

ورأى سعيد أن «على فريق 14 آذار أن يبرز أمام اللبنانيين والعالم العربي وكل المجتمع الدولي قدرته على حكم البلاد وإدارة شؤونه، لا سيما أن هناك أمورا كثيرة عالقة على المستوى الداخلي، منها السلاح والحوار مع الأطراف التي تستمر في استخدام السلاح والعنف لتحسين ظروف مفاوضاتها في الداخل، فضلا عن الالتزامات اللبنانية مع المجتمع الدولي وفي مقدمها القرار 1701 وكل القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، ناهيك عن الملفات العالقة بين لبنان وسورية، ومنها ترسيم الحدود، بدءا من مزارع شبعا، وموضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، الذي هو بإمرة سورية، وموضوع المعتقلين في السجون السورية، وإعادة النظر في المعاهدات التي كانت قائمة خلال مرحلة وضع يد سورية على لبنان». وقال إن «فريق 14 آذار يتمثل اليوم بالنائب سعد الحريري كرئيس مكلف، وعلى هذا الفريق أن يطرح برنامج حكم، وأن يقول للبنانيين إنه قادر على إدارة شؤون البلاد ومعالجة كل المشاكل العالقة». وأضاف: «الانتصار والتكليف أصبحا وراءنا، إذ نحن في موقع نقول للبنانيين من خلاله إننا لا نريد الاصطدام مع أحد، ولكن لدينا ثوابت ورؤية سياسية لن نتخلى عنها، خصوصا في مسألة السلاح، ولو أننا لا نريد الاصطدام مع أي فريق داخلي في لبنان ونسعى إلى الحوار للتوصل إلى مساحات مشتركة من أجل حل هذه المشاكل، بالإضافة إلى الأمور العالقة أيضا مع الجانب السوري وموقع لبنان من المبادرة العربية للسلام التي هي مطروحة يجب أن تكون في تصور فريق 14 آذار». وعما قالته أوساط الحريري لجهة أن باب التنازلات سيكون مفتوحا في تأليف الحكومة، قال سعيد إن «موقع الرئيس المكلف سعد الحريري يتطلب سياسة اليد الممدودة إلى جميع الأفرقاء والسعي إلى تسويات وتدوير زوايا مع الجميع. إنما هناك سقف سياسي لا أحد يستطيع أن يتخطاه والرئيس الحريري حريص عليه مثلنا، وهذا السقف هو برنامج 14 آذار الذي يرتكز على اتفاق الطائف من جهة، وعلى القرار 1701 من جهة أخرى، إلى جانب المبادرة العربية للسلام». واعتبر عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا أن «الحكومة لم تتشكل حتى اللحظة، لأن الأفرقاء الإقليميين يتدخلون في عملية التشكيل، ولا يمكن بعد الانتخابات أن نقبل بعودة السوري إلى التدخل في أمور لبنان، ويبدو أن النظام السوري يخيرنا بين الثلث المعطل ونسيان كل ما كان خلال المرحلة السابقة بشكل كلي وكامل، واللافت أن هذه عودة إلى التدخل في الشأن اللبناني الداخلي وإن كان ليس هناك من تدخل عسكري سافر على هذا الصعيد». وأكد أنه «لا يمكن تجاوز المواضيع العالقة مع سورية بدءا بموضوع المفقودين وترسيم الحدود وغيرهما، ونحن نريد علاقات جيدة مع السوريين ولكن بعد تجاوز الخلافات، لكن المطلوب من الدول الخارجية أن تساعدنا على التفاهم مع سورية ولا تتدخل في شؤوننا الداخلية»، معتبرا «أن زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري لسورية قبل تأليف الحكومة، ستكون تنازلا، ولكن لا أحد يطرح عليه مثل هذا الأمر».

وفي المقابل، رأى عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ياسين جابر أن «رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري متكتم جدا حيال تشكيل الحكومة وهناك القليل من التسريب، وربما هذا الأمر يساعد على الإسراع في نضج الطبخة الحكومية». ولفت إلى وجود حركة إقليمية كبيرة، لا سيما على الساحة السعودية ـ السورية، آملا أن «يؤدي هذا التقارب إلى انعكاس إيجابي على مساعي تأليف الحكومة وعلى تأمين الاستقرار على الساحة اللبنانية الذي طال انتظاره». وحول إمكان إعطاء ضمانات في الحكومة قال جابر إن «كل الأمور ممكنة إذا كان هناك اتفاق على الثوابت الأساسية»، لافتا إلى أن «هناك بحثا في الخطوط الرئيسية، كهيكلية الحكومة وسياستها، فيما البحث في التفاصيل سيأتي في فترة لاحقة».