مذكرة التفاهم بين الحكومة اللبنانية ومكتب بيلمار وضعت قيد التنفيذ بعد «تلطيف» بعض نصوصها

5 مؤشرات لقرب انطلاق المحاكمات في ملف الحريري

TT

كثيرة هي المؤشرات والمعطيات والوقائع التي تحصل في لبنان ولاهاي وفي دول أخرى وتوحي أن انطلاق عمل المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري بات قريبا، كما أن المؤشرات نفسها تشي بأن مهمة هذه المحكمة ستكون قضائية جنائية بحتة، لا دور لها إلا كشف من خطط لهذه الجريمة وما لحق بها، ومن دبر وسهل ونفذ، بعيدا عن أي تسييس، وبالتالي هي بعيدة عن أي صفقات سياسية أو ترتيب ملفات سواء في الداخل اللبناني أو في المنطقة ككل. باعتبار أن قرار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي (ممثلا بالدول الكبرى) لا رجوع عنه، وهو وضع حد للاغتيالات السياسية في لبنان، وتأكيد أن زمن الإفلات من العقاب ولى إلى غير رجعة.

وإذا كان الحراك الدائر في كواليس المحكمة الدولية الممهد لانطلاق المحاكمات محاطا بكثير من السرية حفاظا على طابعها المهني وحياديتها، فإن المعطيات والمؤشرات التي تجمعت دفعة واحدة توحي أن بداية هذه المحاكمات هي مسألة أشهر قليلة لا بد أن تسبقها ترتيبات قانونية مع دول معنية بملف الحريري، ثم إصدار المدعي العام الدولي القاضي الكندي دانيال بيلمار قراره الاتهامي. ولعل أبرز هذه المؤشرات هي:

أولا: إعلان مسجل المحكمة الدولية القاضي البريطاني روبن فنسنت من بيروت منتصف الشهر الماضي أنه وقع مع وزير العدل اللبناني إبراهيم نجار مذكرة تفاهم بين الحكومة اللبنانية والمحكمة الدولية بشأن مكتب الأخيرة في بيروت الذي سيكون همزة الوصل بين الدولة اللبنانية ومقر المحكمة في لاهاي.

ثانيا: إعلان مكتب المدعي العام الدولي دانيال بيلمار الأسبوع الماضي أن الأخير وقع في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي مع وزير العدل اللبناني مذكرة التفاهم بين الحكومة اللبنانية والمكتب المذكور بما يسهل عمل هذا المكتب وفريق المدعي العام في بيروت، وذلك بعد ما يزيد على ثلاثة أشهر على تجميد هذه المذكرة بسبب اعتراض فريق الثامن من آذار عليها داخل الحكومة، حيث أكدت مصادر متابعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذه المذكرة بدأ العمل بها منذ توقيعها بين الطرفين.

ثالثا: حضور وفد من المحكمة الدولية من فريق حماية الشهود إلى بيروت أكثر من مرة والشروع في إعداد نظام حماية الشهود مع السلطات اللبنانية، وترافق ذلك مع ما كشفته مصادر رسمية لبنانية أن حوالي تسعين شاهدا من جنسيات لبنانية وغيرها في حاجة إلى حماية مشددة قبل مثول هؤلاء أمام هيئة المحكمة الدولية أو حتى قبل إعلان أسمائهم.

رابعا: مغادرة نائب رئيس المحكمة الدولية القاضي اللبناني رالف رياشي لبنان بشكل دائم وتعليق عمله في القضاء اللبناني ووقف مخصصاته المالية، ومباشرة مهماته في هيئة المحكمة بدءا من مطلع الأسبوع الماضي.

خامسا: الزيارة المرتقبة لرئيس المحكمة الدولية القاضي الإيطالي انطونيو كاسيزي للبنان حوالي منتصف أغسطس (آب) المقبل، والقيام بجولة على دول في المنطقة تشمل سورية والأردن ومصر وإيران لإبرام اتفاقات تعاون بينها وبين المحكمة الدولية بما يسهل تقديم المعلومات والشهود والمشتبهين الذين تطلبهم المحكمة.

وكان الإعلان عن توقيع مذكرة التفاهم بين نجار والمدعي العام الدولي طرح الكثير من التساؤل عن أبعاد تمريرها بشكل سري والكشف عن ذلك بعد حوالي ثلاثة أسابيع من إبرامها، فيما كان يعتبرها حزب الله وبعض المعارضة من المحرمات. وعلمت «الشرق الأوسط» أن توقيع المذكرة جاء بعدما أدخلت اللجنة الوزارية الثلاثية المؤلفة من وزير العدل إبراهيم نجار ووزير الدولة خالد قباني وممثل حزب الله في الحكومة وزير العمل محمد فنيش تعديلات على صياغتها بما يتلاءم والسيادة اللبنانية، ومن دون المس بجوهر هذه المذكرة. وأفادت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» أن مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت في 24 أبريل (نيسان) الماضي اطلع على التعديلات التي أدخلت على المذكرة وأبدى قبوله بها بموافقة كل وزراء المعارضة، وأنه بناء على اقتراح رئيس الجمهورية ميشال سليمان جرى تكليف نجار بتوقيعها مع بيلمار نيابة عن الحكومة اللبنانية لأن ذلك من اختصاص وزارة العدل. وتبين أن وزير العدل وبعدما كلفته الحكومة عاد وأدخل تعديلات جديدة على هذه المذكرة بالاتفاق مع المدعي العام الدولي بحيث أتت منسجمة مع القوانين المرعية وقانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني وبما يضمن سيادة لبنان.

أما الصيغة المعدلة لهذه الفقرة التي حظيت بالموافقة فجاء فيها:

ـ تؤمن النيابة العامة التمييزية والممثلة بالنائب العام لدى محكمة التمييز (...) وفقا للأصول المقررة في القوانين اللبنانية، حصول التنسيق المناسب، بين مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة والوزارات اللبنانية ذات الصلة، والمراجع القضائية اللبنانية والمؤسسات الرسمية الأخرى حسب الضرورة.

ـ تقديم كل الوثائق والإفادات والمعلومات المادية والأدلة التي لها صلة بتفويض المحكمة الخاصة بأسرع وقت ممكن، وجمع أي معلومات وأدلة إضافية، حسية وتوثيقية. وتسهيل الوصول إلى ما يتطلبه التحقيق من أمكنة ومواقع وأشخاص ومستندات ذات صلة. وتسهيل إجراء الاجتماعات واللقاءات مع أشخاص بما من شأنه تمكين المكتب من الحصول على المعلومات والأدلة والإفادات، وكل ما يتطلبه التحقيق من إجراءات وأعمال تساعد على كشف الجريمة، وذلك في بيئة من الأمان والسرية والهدوء.

ـ وجوب تزويد مكتب النائب العام اللبناني مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة، وذلك من دون أي كلفة، بمكتب مناسب للعمل وذلك ضمن بيئة آمنة، سرية وهادئة، ويُضمن عدم انتهاك هذا المكان.

ـ تقديم السلطات اللبنانية ذات الصلة أيضا مواقع بديلة حسب الضرورة وكما هو مطلوب من قبل مكتب النائب العام في المحكمة الخاصة، لإجراء الاستجوابات ولجمع الإفادات التي قد تستلزم تدابير أمنية وسرية خاصة».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن البند الأخير من هذه المذكرة بدأ تطبيقه بحيث وفرت النيابة العامة التمييزية مكانا آمنا لمكتب المدعي العام الدولي. وباشر الأخير إجراء الاستجوابات فيه بشكل سري وبعيد عن الإعلام.