واشنطن: السياسات الجديدة لمكافحة الإرهاب تبدو قديمة

منتقدو أوباما: أخفق في الوفاء بوعده الانتخابي «إحياء الدستور وحكم القانون»

TT

اتهم المدافعون عن الحقوق المدنية الرئيس أوباما مؤخرا بأنه يؤدي مثل سلفه الرئيس جورج بوش مستشهدين بتقارير حول خطة أوباما لاحتجاز الإرهابيين المشتبه فيهم من دون محاكمة على الأرض الأميركية بعد إغلاق معتقل غوانتانامو.

ولم يكن ذلك سوى الاتهام الأخير ضمن الاتهامات التي يبرهن من خلالها منتقدو سياسة أوباما على أن أوباما قد أخفق في الوفاء بوعده الانتخابي «إحياء الدستور وحكم القانون» وهو ما يثير السؤال التالي: هل أصبح أوباما ـ في القضايا التي تتعلق بمكافحة الإرهاب ـ مختلفا قليلا عن سلفه؟

وتتوقف الإجابة على ما يعنيه أنه يؤدي مثل الرئيس السابق بوش. فقد أصر المسؤولون في إدارة بوش خلال إعدادهم لتقرير حول خيارات التعامل مع المحتجزين، على وجود فارق أساسي بين توجه بوش وتوجههم. فبينما لجأ بوش باعتباره القائد العام للقوات المسلحة لاستخدام القوة المفرطة لكي يتمكن من فرض قيود قانونية خلال الحرب على الإرهاب فإن أوباما يحترم الضبط والموازنة من خلال اعتماده على تشريعات الكونغرس والتزامه بها.

يقول روبرت غيبس السكرتير الصحافي للبيت الأبيض في إجابته على الأسئلة المتعلقة بتقرير الحجز الوقائي خلال الأسبوع الجاري: «في الوقت الذي تدرس فيه الإدارة عددا من الخيارات ـ نطاقا واسعا من الخيارات ـ لم يكن أي من تلك الخيارات يعتمد على نظريات قانونية تفيد بأن لنا سلطة مطلقة لاحتجاز الناس، ولن يستمر ذلك بتلك الطريقة».

ولكن منتقدي أوباما يقولون إن مسألة توافر السلطة التشريعية لسياساته المكافحة للإرهاب هي مجرد نقطة قانونية، كما أن جوهر الخلاف مع توجه إدارة بوش أنها ـ كما يقول منتقدو أوباما ـ تقيد حقوق الأفراد، ولم تغير سياسات أوباما ذلك. فيقول أنتوني روميرو المدير التنفيذي لاتحاد الحريات المدنية الأميركية: «إن الرئيس أوباما يعتمد خطابا مختلفا للغاية، وربما تكون علاقته بأعضاء الكونغرس أكثر تعقيدا، ولكن في النهاية لا يوجد اختلاف كبير بين سياسته وسياسات إدارة بوش». وكانت سياسات بوش تتطور مع الوقت وتتسبب في تعقيد التحليلات التي ترصدها. وقد اختفى تماما معظم الجدل القانوني الذي كان يحيط بجهود إدارة بوش لمنع الهجمات الإرهابية وقتما تولى الرئيس أوباما السلطة في 20 يناير (كانون الثاني). وقد توقف فريق بوش عن استخدام آليات الاستجواب القاسية مثل تقنية التعذيب بالإغراق الوهمي قبل سنوات من تركه لمنصب الرئاسة، وقد أقر الكونغرس في ولاية بوش الثانية تشريعا يضع القوانين الفيدرالية جنبا إلى جنب مع سياسات مثل اللجان العسكرية وعمليات المراقبة من دون تصريح. وكان أوباما قد صوت ـ كسناتور ـ لصالح قانون 2008 الذي يخول برنامج المراقبة واستمر حتى توليه لمنصب الرئاسة، كما صوت ضد قانون 2006 الذي يسمح بوجود اللجان العسكرية ولكن القانون طبق على أية حال. وعلى الرغم من أن أوباما أوقف المحاكمات في البداية، فإنه اقترح إحياءها في شكل جديد.

وقد أثار كذلك أوباما غضب المدافعين عن حقوق الإنسان لمحاربته منع المحتجزين في أفغانستان من حق المثول أمام المحكمة. وأشار ذلك الفريق القانوني إلى أن قانون اللجان العسكرية 2006 يشتمل على فقرة تقول إن مثل هؤلاء السجناء لا يجوز لهم الاعتراض على أمر احتجازهم أمام المحكمة.

كما أن أوباما استمر كذلك في نهج سياسات أخرى من السياسات التي كان يمارسها بوش وكان القانون التشريعي فيها غير واضح أو غائب، مثل برنامج الاستخبارات الأميركية «التسليم الاستثنائي» الذي بموجبه يتم نقل المحتجزين إلى بلدان أخرى وإقرار امتياز «أسرار الدولة» لإغلاق بعض الدعوات القضائية. (وتراجع حاليا الإدارة كلتا السياستين).

وبعد صراع طويل حول كيفية إغلاق المعتقل الواقع في القاعدة البحرية بغوانتانامو، كوبا، اقترح أوباما نظاما جديدا للحجز الوقائي لكي يتعامل مع الإرهابيين المشتبه فيهم الذين ـ كما يقول ـ تصعب محاكمتهم، ومن الخطر إطلاق سراحهم.ولكن إصرار أوباما على أنه سوف يخلق نظاما للحجز الوقائي فقط من خلال سلطة الكونغرس ربما يطرح معضلة برجماتية لأنه يستطيع الادعاء أن المشرعين قد منحوه ذلك بالفعل.

في عام 2004، أقرت المحكمة العليا بأغلبية خمسة أصوات إلى أربعة أن بوش يستطيع احتجاز ـ لمدة غير محدودة ومن دون محاكمة وعلى الأرض الأميركية ـ رجلا كان متهما بالقتال مع طالبان، واستشهدت بصلاحيات الكونغرس في استخدام القوة العسكرية ضد مرتكبي هجمات 2001 الذي ما زال مدونا في السجلات.

وقد أجرى أوباما بعض التعديلات الكبيرة على سياسات بوش، فقد أنهى أحكام الاعتقال طويلة الأجل داخل السجون التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، وأمر بالالتزام الشديد بقوانين مناهضة التعذيب، كما أصدر كذلك مذكرة قانونية سرية حول الاستجواب.

وقد جعلته تلك التغييرات يتعرض لهجوم اليمنيين، خاصة نائب الرئيس السابق ديك تشيني الذي اتهم أوباما بالتخلي عن استراتيجيات بوش ـ تشيني، مشيرا إلى أن أوباما سوف يتحمل المسؤولية المباشرة لأي هجمات إرهابية.

وقد اعتنق أوباما فرضية تشيني بأنه عامل تغيير وهو ما كان يؤكده خلال حملته الانتخابية. وفي خطاب ألقاه في مايو (أيار) وصف أوباما سياساته بـ«اتجاه جديد يختلف عن الثماني سنوات الماضية».

ويقول المسؤول القانوني في إدارة بوش جاك غولدسميث إن الزعم بوجود اختلاف كبير بين سياسات أوباما المناهضة للإرهاب والسياسات التي اتبعها بوش في نهاية ولايته أمر خاطئ، مضيفا: «هناك جدل مفتعل حول وجود شيء جديد يحدث ولكل من إدارة أوباما وتشيني مصلحة في أن يكون ذلك هو الحال، ولكن ذلك ليس صحيحا. إن جعل الأمر يبدو كما لو أن هناك شيئا جديدا يحدث، يخدم المصالح السياسية للجميع ولكنه في الأغلب ليس إلا عملية تجميل وتزييف لما كان يحدث قبل ذلك». ويقول المحامي بإدارة كلينتون نيل كنكوف إنه حتى إذا كانت سياسات أوباما تبدو مشابهة لسياسات بوش فإن إظهاره الاحترام للكونغرس كان ضروريا حتى لا يقدم سوابق يستطيع الرؤساء القادمون الاستشهاد بها لتمرير بعض القوانين. ولم يكن الرئيس أوباما دائما ملتزما بذلك، فعلى سبيل المثال، ادعى أحقيته ـ خلال التصريح الذي أدلى به بعد إقرار قانون الأسبوع الماضي ـ في تجاهل خمس فقرات في قانون الاعتمادات الذي يتعلق بالمؤسسات المالية الدولية، قائلا إن مثل تلك القيود القانونية «ربما تتعارض مع سلطتي الدستورية في إقامة علاقات خارجية». ويقول جاك بالكين أستاذ القانون بأكاديمية القانون بجامعة ييل إن موافقة أوباما على الخطة المبدئية لسياسات المراقبة والاحتجاز التي ورثها عن سلفه سوف يتردد صداها لأجيال قادمة. وبإعلان موافقة كلا الحزبين عليها، يكون أوباما ـ كما يقول بالكين – قد جعلها ضمن الخصائص الثابتة للحكومة. يقول بالكين: «ما نراه هو نسخة ليبرالية، معتدلة، ديمقراطية من نفس تلك الممارسات الحاكمة».

* خدمة «نيويورك تايمز»