مستشار خامنئي يتهم موسوي بأنه «عميل لأميركا».. ويطالب بمحاكمته مع خاتمي بتهمة الخيانة العظمى

يزدي لـ«الشرق الأوسط»: تهديدات جنتي وشريعتمداري تعكس عصبية المحافظين لا نحن.. والأمر لم ينته بعد

الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد اثناء إلقائه خطابا عبر التلفزيون المحلي في طهران أمس (أ ب)
TT

فيما يبدو أنه محاولات منظمة لفرض حالة من الحصار السياسي والقانوني والتمهيد ربما لملاحقات قانونية بحق القادة البارزين في التيار الإصلاحي الإيراني، دعا حسين شريعتمداري، مستشار المرشد الأعلى لإيران ورئيس تحرير صحيفة «كيهان» المحافظة، إلى محاكمة مرشح الرئاسة الخاسر، مير حسين موسوي، بتهمة الخيانة العظمى مع الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي، قائلا إن موسوي «عميل أميركي». وهذه هي المرة الأولى التي يصف فيها المحافظون الإيرانيون موسوي بأنه عميل لأميركا. وتأتي اتهامات شريعتمداري لكبار الإصلاحيين في الوقت الذي صعد فيه المحافظون هجماتهم على المعارضة الإصلاحية وزعمائها بسبب الاضطرابات التي تلت الانتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الماضي، إذ قال رئيس مجلس صيانة الدستور، آية الله أحمد جنتي، في صلاة الجمعة أول من أمس، إن الإصلاحيين يتصرفون مثل «المنشقين»، وهو تعبير سيئ السمعة في إيران واستخدامه على منتقدين في الداخل أو قادة الحركة الإصلاحية يشي أن هناك تيارا متشددا داخل النظام يريد من الآن فصاعدا «تضييق أي هامش» للحركة الشرعية للمعارضة الإصلاحية خلال الفترة المقبلة. وقال جنتي «إنهم (المعارضة) لا يعترفون بالقوانين ولا بالمسؤولين عن تطبيقها، فما الذي يسعون إليه؟ أليس هذا الاتجاه معاديا للنظام الحاكم بأكمله؟». وفي مقاله الافتتاحي في «كيهان»، أمس، اتهم شريعتمداري موسوي بـ«قتل الأبرياء والتحريض على الشغب واستخدام بلطجية لمهاجمة الناس والتعاون الواضح مع أجانب ولعب دور الطابور الخامس». وأضاف في مقالته، التي تعبر غالبا عن المزاج العام في النخبة الحاكمة، أنه «يجب محاسبة موسوي وخاتمي في محاكمة مفتوحة على هذه الجرائم البشعة والخيانة الواضحة». كما اتهم شريعتمداري موسوي بأنه «عميل» للولايات المتحدة، زاعما أنه يتحرك في إطار مؤامرات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل ضد إيران. وتابع: «إن الحزب الذي يعتزم موسوي ومجموعته تأسيسه سوف يكون غير قانوني ويجب بالتالي أن يوصف بأنه الطابور الخامس للعدو». قائلا إنه «يهدد الأمن القومي»، وهي التهمة نفسها التي قال محامون إيرانيون إن الادعاء الإيراني سيوجهها إلى موظفي السفارة البريطانية في إيران. وكتب شريعتمداري «تظهر الوثائق والأدلة التي لا يمكن إنكارها أن هذه المهمة (الاضطرابات بعد الانتخابات) وجهت من الخارج. كل ما فعلوه وقالوه يتماشى مع التعليمات التي سبق أن أعلنها مسؤولون أميركيون». ودعا شريعتمداري إلى محاكمة الرئيس السابق محمد خاتمي، الذي ساند موسوي في حملته الانتخابية، بوصفه من الرؤوس المهمة في هذه الأزمة. ومن المعروف أن شريعتمداري من أشد المنتقدين لخاتمي ولشقيقه محمد رضا خاتمي زعيم حزب «جبهة المشاركة» (أكبر الأحزاب الإصلاحية في إيران). وبعد انتهاء ولاية خاتمي قال شريعتمداري إن خاتمي حكم بشكل هدد «أسس الجمهورية الإسلامية»، ولاحقا دعا إلى محاكمته عندما زار خاتمي إيطاليا وصافح هناك سيدات. وتابع شريعتمداري في افتتاحيته «يجب أن تنظر محكمة علنية أمام أعين الشعب في جميع هذه الجرائم البشعة والخيانة الواضحة التي ارتكبتها العناصر الرئيسية التي تقف وراء الاضطرابات الأخيرة، بمن فيهم موسوي وخاتمي». وأضاف «هناك بعض الأسباب وراء تأييد الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، وجميعها جماعات مناهضة للثورة... لموسوي وجماعته ولحشدها جميع قواتها السياسية والإعلامية لتأييد هذه الجماعة». ويأتي ذلك فيما قالت صحيفة «جوان»، وهي صحيفة أخرى متشددة، أن 100 عضو بالبرلمان وقعوا خطابا إلى الهيئة القضائية يطالبون فيه بمحاكمة قادة «الشغب الذي أعقب الانتخابات». وعلى الرغم من أن آخر ظهور لموسوي وخاتمي كان يوم الأربعاء الماضي، عندما أصدرا بيانين نشرا على الموقعين الإنترنتين لكل منهما، أعلنا فيهما مجددا رفضهما للانتخابات ولإعادة انتخاب أحمدي نجاد، قائلين إن حكومة نجاد «غير شرعية»، وإن الانتخابات بمثابة «انقلاب عسكري» خطط له منذ عام، وإنها أضرت بالمؤسسة الحاكمة، فإن قادة الحركة يواصلون الاجتماع لبحث الأزمة. وقال إبراهيم يزدي، زعيم حركة «حرية إيران» ووزير الخارجية في حكومة مهدي بازوركان، أول حكومة إيرانية بعد الثورة، لـ«الشرق الأوسط»، إن الإصلاحيين يبحثون الأزمة وإن خياراتهم مفتوحة، موضحا أن هناك مؤسسات وهيئات داخل النظام يعمل من خلالها الإصلاحيون في إطار رفضهم لنتائج الانتخابات الإيرانية. ونفى يزدي، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من لندن، أن تكون الحركة الإصلاحية تتحرك بعصبية في ضوء الاتهامات المتزايدة لها، خصوصا التي جاءت على لسان جنتي وشريعتمداري، موضحا «نحن لسنا عصبيين أو قلقين مما قاله جنتي أو شريعتمداري. بل بالعكس كلامهما يعكس أن المحافظين هم العصبيون في إيران. على الرغم من أنهم تمكنوا من سحق المظاهرات في الشارع وإسكات الناس. فإن الأمر لم ينته بعد. وما يقولونه الآن يعكس عصبية المسؤولين عن الوضع الراهن». وتابع يزدي «اتهامات المحافظين للحركة الإصلاحية ورموزها بأنهم عملاء لقوى خارجية ليس جديدا. هذا ما نسميه في علم النفس إسقاط. أي إن الشخص يسقط على الآخرين أخطاءه. أي بدلا من أن يقبل المحافظون الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها، يحاولون أن يلصقوا الاتهامات بعدو خارجي ولومهم على ما يحدث في إيران. إذا ادعى المحافظون بعد 30 عاما من الثورة أن 4 أو 5 موظفين يعملون في السفارة البريطانية في لندن يستطيعون التخطيط وتنفيذ حالة من الاضطراب، فهذا اعتراف صريح بأن هؤلاء الذين يحكمون فشلوا خلال 30 عاما. إنها وسيلة لإلقاء اللوم على آخرين في الداخل والخارج بدلا من الاعتراف بمسؤوليتهم عما حدث».

ومن المعروف أن صحيفة «كيهان»، التي يعين المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، رئيس تحريرها، معروفة بموقفها المتشدد من الحركة الإصلاحية في إيران عموما والمثقفين والصحافيين والناشطين الحقوقيين المنضمين لها. وقد شنت حملات أخيرا على المحامية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، شرين عبادي، ودعت أيضا إلى محاكمتها بتهمة تهديد أمن إيران للخطر، بعد تصريحات عبادي العلنية حول تدهور حريات الرأي والتعبير خلال سنوات حكم أحمدي نجاد. وأعرب خامنئي صراحة عن تأييده للرئيس محمود أحمدي نجاد منذ انتخابات 12 يونيو (حزيران)، ونفى تهم الإصلاحيين بشأن التزوير في الانتخابات. لكن على الرغم من حملات المحافظين التي تستهدف القتل المعنوي لقادة الإصلاحيين بتهم العمالة والعلاقة بجهات داخلية، فإن أصواتا من داخل التيار الإصلاحي تعهدت بالرد. وخرج آية الله يوسف صانعي، أحد آيات الله الكبار في حوزة قم العلمية ببيان جديد يعلن فيه أن غالبية الإيرانيين «غير مقتنعة» بنتائج الانتخابات الإيرانية بسبب «الغموض» الذي اكتنف الانتخابات، قائلا إن حكومة محمود أحمدي نجاد قد تواجه مشكلات قانونية ومدنية. وحث صانعي، في بيان نشر على موقعه الإلكتروني، ليل أول من أمس، السلطات على عدم انتهاك حقوق الإنسان، في إشارة ـ على ما يبدو ـ إلى طريقة تعاملها مع الاحتجاجات الحاشدة التي اندلعت الشهر الماضي عقب الانتخابات. وقال «أذكركم بأنه لا يمكن لتعليمات أو أوامر أن تكون مبررا لانتهاك حقوق الإنسان وقد يكون ذلك خطيئة كبرى». وقال صانعي «آمل أن يكون الطريق مفتوحا أمام الشعب الإيراني ليواصل احتجاجه القانوني وأن يواصل الشباب على الأخص... نشاطهم بطريقة هادئة وسلمية وناجحة». ورغم إحكام المتشددين سيطرتهم على الأوضاع، فيما يبدو، منذ أخمدت قوات الأمن احتجاجات الشوارع التي اندلعت في الأيام التي تلت الانتخابات، فإن موسوي ومهدي كروبي لم يستسلما. ونددا مرة أخرى بنتيجة الانتخابات يوم الأربعاء وقالا إن الحكومة المقبلة لأحمدي نجاد ستكون غير قانونية.

وقال صانعي «هذا يعني أنهما وكثيرا من الشعب لم يقتنعوا بعد من جراء الغموض في الانتخابات... ومن الممكن أن تواجه الحكومة مشكلات قانونية ومدنية». ورغم هذا التحدي، يقول محللون إن قادة الحركة الإصلاحية لديهم قليل من الخيارات العملية بعدما أقر مجلس صيانة الدستور (أكبر هيئة تشريعية في إيران) يوم 29 يونيو (حزيران) نتائج الانتخابات. وصانعي هو حليف لآية الله العظمى حسين علي منتظري، أبرز رجال الدين المعارضين في إيران. ومنتظري هو مهندس الثورة الإسلامية الذي اختلف مع القيادة الحالية ووضع رهن الإقامة الجبرية في منزله منذ سنوات. وتياره النقدي بات له شعبية في قم، إذ إن واحدا فقط من آيات الله الكبار وجه رسالة تهنئة إلى أحمدي نجاد، فيما تعمد باقي آيات الله الكبار تجاهل إرسال برقيات تهنئة، في تعبير ضمني عن دعمهم لمطالبات الشارع بتوضيحات حول مخالفات يعتقد أنها أثرت على نتائج الانتخابات. ويأتي ذلك فيما قال محمود أحمدي نجاد، في كلمة ألقاها في طهران، أمس، بمناسبة «يوم الصناعة والمناجم»، إن الدول الغربية استغلت الانتخابات الإيرانية لصرف أنظار العالم عن الأزمة المالية الكبيرة التي تمر بها الدول الغربية. وأوضح الرئيس الإيراني أن هذه الدول بذلت «جهودا إعلامية كبيرة» من أجل أن تصور الانتخابات في إيران على أنها كانت أزمة، فيما سعت لصرف الانتباه عن المشاكل الاقتصادية التي تمر بها. يذكر أن الرئيس الإيراني كان قد ألغى مشاركته في القمة الأفريقية الأسبوع الماضي بعد تقارير عن ضغوط داخلية وعدم رضاء أوروبي وأفريقي عن إعلان مشاركته في القمة التي عقدت في مدينة «سرت» الليبية.