المرأة التي تشغل وظيفة «عقل البنتاغون»

ميشيل فلورنوي تتولى مهمة إعداد التقييم الدفاعي لأميركا.. ومهامها تشمل العراق وأفغانستان والقرصنة

ميشيل فلورنوي أثناء المقابلة معها في مبنى البنتاغون (نيويورك تايمز)
TT

لم تعش ميشيل فلورنوي، التي أصبحت السيدة التي تصل إلى أرفع منصب تتقلده إمرأة في تاريخ البنتاغون، طفولة تبنئ بأنها ستصبح مسؤولة عن سياسات الدفاع وتقوم باعادة التفكير في كيفية خوض أميركا لحروبها. فقد كانت والدتها ممثلة ومطربة تعمل في كوباكابانا، الملهي الليلي الأسطوري في نيويورك، وكانت بديلة الممثلة فيفيان بلين في مسرحية “أوكلاهوما” على مسرح برودواي، وكان والدها مدير تصوير في التليفزيون في استويوهات باراماونت السينمائية. وتخرجت ميشيل عام 1979 في مدرسة بيفرلي هيلز الثانوية، وكانت تمضي العطلات الصيفية في لعب كرة الطائرة على الشاطئ بكثرة”، على حد قولها.

ولكن ميشيل فلورنوي، التي التحقت بجامعة هارفارد ثم كلية باليول في أكسفورد، أمضت حياتها المهنية بأسرها مستغرقة في نظريات الحروب وتطبيقاتها، بداية من جدل الحد من التسلح في الثمانينات إلى الاتجاه إلى مكافحة الإرهاب اليوم. وهي حاليا من كبار مسؤولي البنتاغون، حيث تحتل منصب مساعدة وزير الدفاع للسياسات، وتتولى مهمة تعتبر “عقل” المبنى. وتضم حقيبة أوراقها قضايا مثل العراق وأفغانستان وقراصنة القرن الأفريقي، ولكن مهمتها المباشرة هي إعادة تقييم عسكري كبير تحت مسمى، مراجعة الدفاع كل أربع سنوات، وهو التقرير الذي يطلبه الكونغرس من البنتاغون كل أربع سنوات.

ويتضمن المشروع التالي: تقييم التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، واقتراح إستراتيجية لمكافحتها، ثم وضعها حيز التنفيذ عن طريق تخصيص الموارد داخل الفروع الأربعة في القوات المسلحة. والسؤال الرئيسي في تقرير المراجعة هو كيفية تحقيق التوازن بين الاستعدادات من أجل حروب مكافحة الإرهاب في المستقبل، مثل تلك في العراق وأفغانستان، وبين خطط الصراعات التقليدية ضد الأعداء المحتملين المسلحين جيدا، مثل كوريا الشمالية أو الصين أو إيران.

ونظرا لطول مدة الحربين في العراق وأفغانستان لفترة تجاوزت اشتراك الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، تبرز تحد آخر يتمثل في كيفية الإعداد لصراعات قد تشغل القوات الأميركية لمدة عقود.

وقالت فلورنوي التي تبلغ من العمر 48 عاما، في حوار أجري معها أخيرا في مكتب غير مستخدم في البنتاغون (حيث أنه لأسباب أمنية لا يمكن إجراء تسجيلات صوتية في مكتب فلورنوي الفعلي في “الدائرة إيه” في البنتاغون التي يوجد بها كبار المسؤولين، وبذلك لا يمكن إجراء حوار مسجل): “من بين الأشياء التي تعلمناها في الأعوام الثمانية الأخيرة أن بعض المتطلبات الكبرى، وأصعب التحديات، تتطلب عملا متواصلا على مدار الوقت.” وبالفعل تعتبر فلورنوي القوة الدافعة إلى إستراتيجية عسكرية جديدة يمكنها أن تصبح الافتراض الأساسي المحوري الذي يقوم عليه التقرير، وهي مفهوم الحرب “الهجين”، التي ترى الصراعات المقبلة مزيجا معقدا من المعارك التقليدية وحركات التمرد والتهديدات الإلكترونية. وتعلق فلورنوي: “نحاول أن ندرك أن الحرب قد تأتي في صور عديدة مختلفة في المستقبل.” وسيكون التقرير، الذي من المقرر إرساله إلى الكونغرس في بداية العام المقبل، أول نظرة موسعة على الفكر العسكري في الإدارة الجديدة. وتقدم شخصية فلورنوي نافذة على البنتاغون في عهد الرئيس أوباما، فهي بشخصيتها الدقيقة والأكاديمية والمتحفظة تقف في تناقض تام مع أول من شغل منصبها في الإدارة السابقة، دوغلاس فيث، الذي استعان بما يعرف حاليا بالمعلومات الاستخباراتية الخاطئة في تقديم دفاعه المتحمس للحرب على العراق. وفي تشابه مع وزير الدفاع الجمهوري روبرت غيتس الذي تلتقي به يوميا تقريبا، تنتمي فلورنوي إلى اتجاه الوسط الذي يؤيد سياسة دفاع أميركية قوية لكنها أقل عدوانية في الخارج. وقد كانت خلف تطوير إستراتيجية أوباما الجديدة في أفغانستان، والتي دعت إلى زيادة في أعداد خبراء التنمية بالإضافة إلى القوات. وفي أثناء الحملة الانتخابية في عام 2008، كانت واحدة من قلة من الديمقراطيين الذين تحدثوا بإيجابية عن استراتيجية “زيادة” القوات في العراق في ظل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، واصفة إياها بأحد “العناصر الأربعة” التي قللت من العنف في العراق.

ويقول مايكل هانلون، الخبير العسكري في معهد بروكينغز الذي انتقده اليساريون بشدة لتأييده صراحة زيادة القوات بعد القيام بجولة نظمتها الإدارة الأميركية في العراق عام 2007: “لقد كان هناك أشخاص مثلي قاموا بالانتحار سياسيا. ولكن ميشيل كانت بارعة.” وتقول فلورنوي، التي عملت في منصب أدنى في سياسات البنتاغون تحت إدارة الرئيس كلينتون وأحيانا تذكر على أنها مرشحة لأن تكون أول وزيرة دفاع بعد أعوام من الآن، إنها بدأت في الانتقال من كرة الطائرة إلى رفع الأثقال عندما أمضت الصيف في أوروبا في برنامج تبادل طلابي أثناء المرحلة الثانوية. وقالت: “لقد كان ذلك في بلجيكا. وكانت وكأنها تفتح عيناي على بقية العالم.” ودرست العلاقات الدولية في جامعتي هارفارد وأكسفورد، ولكن العامل الآخر الذي جذب اهتمامها إلى سياسات الدفاع، كما تقول، هو زواجها في عام 1990 من سكوت غولد، ضابط البحرية، الذي يحتل المنصب الثاني في وزارة شؤون المحاربين القدامى. وتضيف: “كان الزواج من أسرة عسكرية تجربة مهمة للغاية ومنحتني تقديرا أكبر بكثير للأبعاد الإنسانية في المؤسسة العسكرية.” وكان هناك أيضا والدها، الذي خدم في سلاح المدفعية في الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أنها كطفلة لم تعرف الكثير عن تجربته. فقد انفصل والداها عندما كانت طفلة، ثم توفي والدها عندما كانت في عمر 14 عاما. وانتقلت والدة فلورنوي، التي اعتزلت الفن بعد الزواج، إلى داخل بيفرلي هيلز لكي يتمكن أبناؤها من الالتحاق بمدارسها الحكومية.

وبعد أن كبرت فلورنوي، تقول إنها سمعت حديثا في العائلة عن أن والدها حصل على وسام لمشاركته في الحرب، ولكن “لا أحد يعرف إذا كان ذلك حقيقيا، فلم ير أحد الميدالية، ولم يتحدث هو عنها، ثم توفي.” ولكن في العام الماضي أطّلع زميل في “مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو معهد أبحاث ساعدت فلونوي في إنشائه، على ملف والدها في الحرب، وأعطاها وثائق تحكي قصة مدهشة عن المهام التي قام بها. وتروي فلورنوي: “كانوا يشنون غارة في الليل في ألمانيا، وأصيبت الطائرة في طريق عودتها، وكان القائد ومساعده فاقدي الوعي. ولم يكن هناك من يهبط بالطائرة. ولم يكن والدي قد هبط بطائرة من قبل. ولكنه جلس خلف أجهزة التحكم وتحدث مع برج المراقبة وهبط بالطائرة وأنقذ الطاقم كله.” وحصل على وسام صليب الطيران المميز. وعملت فلورنوي بعد تخرجها في باليول كبيرة محللين في جمعية الرقابة على الأسلحة في واشنطن، وكباحثة زميلة في سياسات الأسلحة النووية في كلية جون كينيدي للحكومة في هارفارد. ولكن كانت أول علامة مميزة لها في مجال الفكر العسكري عندما كتبت تقريرا لاذعا في البنتاغون عن فشل إدارة كلينتون في الصومال في عام 1993، عندما قتل 18 من الجنود الأميركيين في هجوم أعيد سرده في سلسلة مقالات نشرت في فلادلفيا إنكويرر تحت عنوان “سقوط الصقر الأسود”. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أما لثلاثة أطفال تحت عمر 12 عاما، ومستشارة نساء أخريات في البنتاغون. وتقول: “أكثر ما أشعر به هو رغبة السيدات الشابات في الإجادة وهن يعتمدن عليّ إلى حد ما في أن أفتح لهن الأبواب وأن أنير لهن الطريق.” وعلى الرغم من أنها تقول إنها لم تجد أن الجنس يمثل لها “أي صورة من العقبات”، إلا أنه يبدو أن الأمومة لها بعض الآثار المتوقعة. وبدت فلورنوي، التي عادة ما تلزم الدقة في التفاصيل، محرجة عندما لم تتمكن من تذكر عنوان الكتاب الذي تضعه إلى جوار سريرها، وقالت: “أقرأ لمدة خمس دقائق تقريبا قبل أن أخلد إلى النوم.»

* خدمة نيويورك تايمز