ورشة عمل تسلط الضوء على قصص «منسية» لمسلمي بريطانيا

لإبعاد الشبان عن التطرف والاغتراب

TT

أمضى هارون بن خالد، سنوات مراهقته يخامره شعور بأنه مرفوض من عموم البريطانيين، ليتم استقطابه على نحو متزايد للتطرف الذي تروج له «القاعدة».

العنصريون ينعتونه «باكي»، وهي كلمة مختصرة تشير إلى باكستان، التي جاء منها أسلافه، ويصمونه «بالإرهابي».

لكن الشاب المسلم وجد حلا لاغترابه لم يكن يتوقعه، في اليوم الذي سمع فيه أن الجنود المسلمين وكثيرين منهم جاءوا مما يعرف الآن بباكستان، خاضوا الحرب ضد جيوش النازي، ولاقوا حتفهم في الحرب العالمية الثانية إلى جانب البريطانيين.

وبجرة قلم شعر الشاب العاطل الذي لا ينتظره مستقبل واعد بالانتماء. وبدأ مع مراجعته للوقائع يتخلص من الاعتقاد بأن بريطانيا تحتقره، أو أن القتال مع طالبان في أفغانستان فكرة جديرة بالاهتمام.

وقال الشاب البالع من العمر 21 عاما، الذي كان عضوا في عصابة، الذي أمضى مدة في السجن لإدانته بالاحتيال، في حديث لوكالة «رويترز» أن هذه القصة أثرت فيه «حقا».

ومضى يقول: «إذا كان من الممكن إظهار ذلك لشبان آخرين فإنها قد تحدث فارقا كبيرا».

وهذا «الفارق» قد يتمثل في علاقات أفضل بين الجماعات، التي تضررت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001 على الولايات المتحدة، وخاصة عندما شن أربعة شبان إسلاميين بريطانيين تفجيرات انتحارية في لندن في يوليو تموز عام 2005، مما أدى إلى سقوط 52 قتيلا.

كذلك فإن هذا «الفارق» قد يساعد الأمن بإثناء الشبان المسلمين عن المشاركة في الحرب، التي تشنها طالبان ضد القوات الغربية في أفغانستان، أو عن المشاركة في شن هجمات في الداخل على غرار تفجيرات لندن، أو الهجمات في مدريد في عام 2004، التي سقط فيها 191 قتيلا.

وابن خالد، واحد من عشرات الشبان ممن ينحدرون من أصول باكستانية في مدينة برمنجهام، ثاني كبرى المدن الصناعية في إنجلترا، الذين حضروا ورشة عمل نظمها الأكاديمي جهان محمود، التي تستخدم دور المسلمين في الحرب لإبعاد الشبان عن التطرف والاغتراب.

ويقول جهان، إن الهدف من العرض الذي يقدمه هو التعامل مع فكرة المواجهة الدائمة بين المسيحيين والمسلمين، التي تسعى «القاعدة» لطرحها كحقيقة تاريخية ثابتة.

ومن بين الذين شاركوا في الورشة، سبيل صديق (19 عاما)، الذي اعتاد مشاهدة لقطات فيديو تصور عمليا قطع الرؤوس، التي تنفذها «القاعدة» على هاتفه المحمول، ولا يزال يشعر أن بريطانيا لا تقبله تماما.

وقال الشاب ضخم الجثة، الذي كان عضوا في عصابة، «اعتقدت دائما أننا كنا نتحرك بوازع منا». وكان الشاب يتحدث في مقابلة أجريت معه في حي سباركبروك، الذي يشكل المهاجرون أغلبية كبيرة من سكانه، وهو منطقة سيئة السمعة ذات شهرة في عالم تجارة المخدرات.

ومضى يقول، «تعودنا أن نفكر في طالبان، أعجبنا بهم وأردنا فقط أن نكون مثلهم، لأن الجميع كانوا ينعتون المسلمين بالإرهابيين وكان ذلك يثير غضبنا». وقال صديق، إنه عندما تعرض مركز التجارة العالمي للهجوم «اعتقدنا جميعا أن ذلك جيد، ولكني الآن أرى الأمر بشكل مختلف. الأمر كله خطأ. إنه قتل للأبرياء».

ولا يزال صديق، يعارض التدخل الغربي المسلح في البلدان الإسلامية.

ولكنه يقول، إن شعوره بالانتماء لبريطانيا وكراهيته لـ«القاعدة» حقيقي، وينبع من محاضرة جهان، التي أظهرت أن «ما فعله أجدادنا كان من أجل البلد».

وهو يرغب فقط في أن يعرف البريطانيون البيض هذا التاريخ أيضا. وقال باش ارات نجيب، وهو عضو مجلس شاب من بلدة وست بروميتش القريبة، إن ورشة العمل التي نظمها جهان اتسمت «بتجاوب كبير» بين الشبان، الذين يشعرون باغتراب، الذين يعمل معهم، وكثيرون منهم من أصول باكستانية أو بنغالية. ويسأل كثيرون منهم مرارا لماذا لم يتلقوا هذه المعلومات عن الحرب في المدرسة.

وقال: «الرؤية التي يتلقونها في المدرسة هي أن ألمانيا في جانب وبريطانيا في الجانب الآخر، والأميركيون يأتون في نهاية المطاف».

وأضاف، «لم تكن لديهم صلة ببريطانيا، رغم أنهم ربما يكونون قد ولدوا هنا. ولكن قصة الجنود تعطيهم إحساسا بالانتماء. إنها تقدم المكون المفقود الخاص بالتعلق بالبلد».

وتحكي الورشة كيف تطوع الجنود في جيش الهند، التي كانت آنذاك مستعمرة بريطانية، وحاربوا في شمال أفريقيا وإيطاليا.

وازداد حجم الجيش الهندي من 299 ألف جندي في عام 1939 إلى 2.5 مليون جندي في عام 1945، حيث شكل المسلمون ثلث هذا العدد في كل مرة.

ومعظم المجندين المسلمين جاءوا مما يعرف الآن بباكستان.

وإجمالا قتل 87 ألف جندي من جنود الجيش الهندي في الحرب، طبقا لتقديرات لجنة جريفز للحرب في الكومنولث.

وتستحوذ الدراسة التي أعدها جهان على الجمهور، رغم أنها تركز على مقتل 5500 من جنود الجيش البريطاني في إيطاليا، لأنها تقدم توزيعا للقتلى المسلمين طبقا للمناطق التي جرى تجنيدهم منها في الهند البريطانية، ثم تتبع الصلات بين التجمعات الباكستانية البريطانية اليوم والمناطق التي تم التجنيد منها.

ويجد المسلمون الشبان تماثلا بشكل خاص مع ما توصل إليه جهان من أن 90 جنديا من أصل 122 جنديا دون الثامنة عشرة قتلوا في إيطاليا كانوا مسلمين. ومن بين هؤلاء المسلمين ثلاثة قتلوا في الخامسة عشرة، هم أمير خان من أتوك، وجولاب خان من روالبندي، وميان خان من كوهات.

وتحدث جهان في محاضرة ألقاها في جامعة أوكسفورد في أبريل (نيسان) الماضي، عن «الحاجة الملحة لاستعادة إحساس بالهوية وتقدير الذات لمسلمي بريطانيا الشبان اليوم».

وقال: «إذا عرف المزيد عن مساهمة هذا العدد الكبير من الجنود المسلمين في الجيش الهندي البريطاني، فإن ذلك سيساعد على استعادة إحساس بالفخار، ويقوي الروابط الاجتماعية بين الجماعات المختلفة في المجتمع البريطاني، ويحول فكرة الإرث المشترك إلى سلاح مفيد ضد الظلم».

والورشة ممولة من برنامج حكومي يسمى «المستقبلات الإيجابية» يدعم المبادرات المحلية لمساعدة الشبان الذين لا يشعرون بانتماء، والمعرضين للمخاطر.