القمة الأفريقية: القذافي والبشير أكبر الفائزين والرئيس الصومالي أول الخاسرين

أقرت «سلطة الاتحاد» وتجتمع بداية الخريف لحسم النزاعات.. واقتراح مصري يحول دون انقسام القارة

الرئيس الصومالي شيخ شريف أحمد (يسار) في طريقه للمشاركة في اجتماعات القمة الأفريقية بسرت في ليبيا أول من أمس (إ ب أ)
TT

بعدما أنهت القمة الأفريقية أعمالها، التي عقدت في مدينة سرت الليبية على مدى الأيام الثلاثة الماضية، يقول دبلوماسيون عرب وأفارقة، إن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، والرئيس السوداني عمر البشير، هما «أكبر الفائزين» من نتائج هذه القمة، بينما أخفق الرئيس الصومالي الشيخ شريف شيخ أحمد، في إقناع القادة الأفارقة بتبني مقترحاته لمعاقبة إريتريا، على ما يعتبره «تدخلا سافرا» في الشؤون الصومالية، أو تغيير مهمة قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال، من الحفاظ على السلام إلى صنعه.

وحصل العقيد القذافي، الذي تم منحه مؤخرا لقب عميد الرؤساء الأفارقة، باعتباره أطولهم بقاء في السلطة على مدى نحو أربعين عاما، على نصف انتصار، عندما اتفق القادة الأفارقة على مشروعه الطموح بشأن إنشاء سلطة الاتحاد الأفريقي، التي سيكون لها دور مهم في تنسيق الشؤون الخارجية، وسياسات التجارة والدفاع للقارة.

وأعلن العقيد القذافي، في مؤتمر صحافي عقده مساء أول من أمس، في ختام أعمال القمة الأفريقية، عن عقد قمة أفريقية خاصة بمناسبة العيد الأربعين للثورة الليبية، ستكرس لحسم الصراعات الأفريقية حول الحدود، التي خلقها الاستعمار، والمشكلات التي تركها الاستعمار من بعده. وأعلن القذافي، الذي يترأس الاتحاد الأفريقي منذ مطلع العام الحالي، أن قرارات هذه القمة الخاصة ستكون ملزمة لكل دولة أفريقية، ولكل الأطراف الأفريقية المنشغلة في أي نزاع داخلي أو حدودي، محذرا من أن «من لا ينصاع للإرادة الأفريقية في السلام والاستقرار والصلح والأخوة والوحدة، سيدفع الثمن، لأن أفريقيا لن ترحمه»، على حد تعبيره.

وأكد الزعيم الليبي، أن أهم المقررات التي اتخذتها قمة سرت هي تحويل المفوضية إلى سلطة، وأن أهم مكونات هذه السلطة هي الدفاع المشترك، والسياسة الخارجية، والتجارة الخارجية. وأضاف «أن الشيء الآخر المهم الذي وافقت عليه القمة هو مجلس الدفاع الأفريقي، ووكالة حماية الحدود الأفريقية الخارجية».

وعلى الرغم من معارضة دول كبيرة في القارة السمراء مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا، وعقب مفاوضات شاقة ومضنية، استخدم فيها العقيد القذافي كل مهاراته التفاوضية والبلاغية للتأثير في نظرائه الأفارقة، تم الاتفاق على أن تدخل سلطة الاتحاد الأفريقي حيز التنفيذ، عندما تصادق الدول الـ53 الأعضاء في الاتحاد الأفريقي على المعاهدة المعدلة للاتحاد الأفريقي، المعروفة بالقانون التأسيسي.

وأشار موفد لإحدى هذه الدول، إلى «فخ» نصبه الزعيم الليبي لدفعها إلى الموافقة على مشروعه، فيما أكد موفد آخر أن تنازلات قدمت، لأن «من الصعب على دول ضعيفة وغير مستقرة أن تتصدى لرغبة الزعيم الليبي»، مشيرا إلى أن الدول الكبيرة أو البعيدة جغرافيا عن ليبيا هي وحدها التي أبدت معارضة علنية.

وكادت المناقشات تفضي إلى الرفض المطلق لهذا المشروع، في ظل تخوفات عدد كبير من الدول الأفريقية من تأثير إنشاء السلطة الجديدة على مفهوم ومبدأ سيادتها الوطنية.

لكن العقيد القذافي، الذي ناضل بشراسة من أجل تمرير المشروع، نجح في نهاية المطاف في انتزاع موافقة صعبة على المشروع، بينما تم رفض مقترح ليبيا بشأن إقامة مجلس الدفاع لأفريقيا، لكي يحل محل مجلس السلم والأمن.

وتم الاتفاق على تحويل مفوضية الاتحاد الأفريقي الحالية إلى سلطة، كخطوة أولي نحو تشكيل حكومة الولايات المتحدة الأفريقية، مع منح الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، مهلة ست سنوات للتشاور مع برلماناتها، قبل الالتزام بتسليم سلطاتها إلى سلطة الاتحاد الأفريقي.

وعلى غرار مفوضية الاتحاد الأوروبي، منحت السلطة الجديدة للاتحاد الأفريقي صلاحيات التعامل مع الأمور المتعلقة بالسلام والأمن والسياسة الخارجية وتنسيق الدفاع في القارة، إلى جانب الإجرام العابر للحدود، بالإضافة إلى تنسيق مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي خلال المفاوضات الدولية. وستمثل السلطة الجديدة الدول وتتحدث باسمها في مجال السياسة الخارجية المشتركة، بينما سيتعين عليها تنسيق ومتابعة وتطوير إجراءات منع وإدارة وفض النزاعات، وتنفيذ السياسة الأفريقية المشتركة للدفاع والأمن، بالإضافة إلى استراتيجيات تعبئة الموارد الضرورية لدفاع القارة وبموجب الاتفاق الذي جرى في قمة سرت، فإن هيكل المفوضية سيتكون من رئيس ونائب رئيس و9 أمناء ومنسق للدفاع المشترك، بينما سيقرر الاجتماع المقبل للمجلس التنفيذي في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وضعها المالي.

وحصل الرئيس السوداني عمر البشير على دعم أفريقي وإقليمي مهم للغاية، عندما رفض القادة الأفارقة في ختام قمتهم مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضده مؤخرا، حيث اعتبرت القمة أن السلام يجب أن يسبق أي عمل دولي ضد الرئيس البشير. وقال رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، إن القادة الأفارقة يرفضون رفضا باتا جهود محاكمة الرئيس السوداني، معتبرا «ليس هناك موقف جديد حول المحكمة الجنائية الدولية. وأن الموقف الأفريقي لا يزال هو ولم يتغير، وهو أنه يجب السماح بتحقيق السلام في دارفور، قبل التوصل إلى أي قرار ضد البشير».

وفيما يتعلق بالصومال، فقد أخفق الرئيس الصومالي الشيخ شريف شيخ أحمد، في ثاني مشاركة له في اجتماع أفريقي، على هذا المستوى، في قناع الدول الأفريقية بمعاقبة إريتريا، بسبب شكواه المستمرة من دعمها للمعارضة، التي تسعى للإطاحة به، ماديا وعسكريا، وعدم اعترافها بالسلطة التي يترأسها مذ مطلع العام الحالي. وقال مصدر أفريقي شارك في اجتماعات قمة سرت لـ«الشرق الأوسط» إن ليبيا عارضت المشروع الذي تبنته منظمة دول الإيقاد، ورفضت تمرير قرار يفرض عقوبات معينة على نظام حكم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، الذي تربطه علاقات قوية ووطيدة للغاية مع العقيد معمر القذافي. وأوضح المصدر أن الليبيين عبروا عن انتقادهم لهذا المقترح، خشية أن تكون له انعكاسات سلبية على دول أفريقية أخرى مثل السودان، حيث تلعب إريتريا دورا مهما في دعم نظام البشير. وعوضا عن قرار أفريقي بمعاقبة أسمرة، فقد اكتفت قمة سرت بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات عليها، معربة عن «الدعم التام» للحكومة الانتقالية في الصومال، التي تسعى من أجل البقاء في مواجهة الإسلاميين المتطرفين. ووجه الاتحاد الأفريقي، الذي يضم 53 عضوا، «نداء» إلى مجلس الأمن «ليتخذ تدابير فورية، بما فيها فرض منطقة للحظر الجوي وغلق المرافئ البحرية للحيلولة دون دخول عناصر أجنبية إلى الصومال».

وفي تصريحات للمحررين الدبلوماسيين بمقر وزارة الخارجية المصرية أمس، أوضح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، أن التوازن الأفريقي «الحكيم» بين اعتبارات تحقيق السلام في دارفور من جانب، ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت هناك، هو الذي حدا بالقادة الأفارقة إلى رفض التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، نظرا لعدم الاستجابة لمطالبهم المتكررة لمجلس الأمن الدولي، والمحكمة الجنائية الدولية، بتفعيل المادة 16 من معاهدة روما المنشئة للمحكمة، لتعليق أمر ملاحقة الرئيس السوداني عمر البشير. وقال أبو الغيط أمس، إن القمة الأفريقية قبلت مقترحا مصريا توفيقيا للتغلب على المصاعب، التي جابهتها القمة وكادت تفشلها بسبب الخلافات بين المعسكر المنادي بسرعة تحقيق الوحدة الأفريقية من خلال التنازل عن سلطات سيادية للدول الأعضاء، مثل العلاقات الخارجية والدفاع من جانب آخر، وقال أبو الغيط إنه طلب من القمة الاكتفاء في المرحلة الحالية بتنسيق السياسة الخارجية وتنسيق سياسة الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء، بدلا من انقسام القارة لمجموعتين تتحركان بسرعتين متباينتين، حسبما تردد فى أروقة القمة. وأضاف أبو الغيط، أن مصر أيدت قرار القمة بإنهاء تعليق مشاركة موريتانيا في أنشطة الاتحاد الأفريقي، بعد التوصل إلى حل للأزمة الموريتانية باتفاق كافة الأطراف، على إجراء الانتخابات لاستعادة الشرعية الدستورية بالبلاد، واتصالا بذلك، أشار وزير الخارجية كذلك، إلى التزام مصر الكامل بتعزيز جهود حفظ السلام القارية والدولية، وهو ما انعكس في اتساع حجم مساهمة القوات المصرية في عمليات حفظ السلام في أفريقيا في دارفور والكونغو الديمقراطية وكوت ديفوار.