مجتبي خامنئي يسيطر من وراء الستار.. واعتقالات وإطلاق رصاص لتفريق آلاف المتظاهرين

نجاد ردا على المطالبة بمقاطعة حكومته: أعداء إيران «مضطرون» للتعامل معي * ساركوزي: هجوم إسرائيلي على إيران كارثة كبرى

متظاهرون في طهران يحاولون حماية انفسهم من قنابل الغاز أمس فيما بدا إيراني على الأرض متأثرا بالغاز (إ.ب ـ إ.ب.أ)
TT

بالرغم من الانتشار الكثيف لقوات الأمن الإيرانية في ميادين طهران، فإن الآلاف خرجوا أمس في مظاهرات كبيرة احتجاجا على نتائج الانتخابات الإيرانية ولإحياء الذكرى العاشرة للاضطرابات الدامية التي شهدتها إيران عام 1999 بين الطلبة الإصلاحيين وقوات الأمن خلال الولاية الأولى للرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي. وهي الاضطرابات التي شهدت اجتياح قوات الباسيج للسكن الجامعي لطلبة جامعة طهران، مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات. وقال شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» إن المتظاهرين خرجوا يحملون شارات سوداء وخضراء، فيما حمل بعضهم زهورا. وتجمع نحو ثلاثة آلاف شخص في ميدان طالقاني القريب من جامعة طهران وأطلقوا شعارات «أفرجوا عن السجناء السياسيين»، و«الموت للديكتاتور». وقال شهود عيان لـ«رويترز» إن «الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق» الحشد، فيما تمركزت قوات مكافحة الشغب في المنطقة وقوات أمنية بلباس مدني. كما استخدمت الشرطة أيضا الغاز المسيل للدموع لتفريق 200 إلى 300 شخص قرب ميدان انقلاب (أو ميدان الثورة) كانوا يطلقون شعارات مماثلة.

وتحدث شهود عيان عن انتشار كثيف «للشرطة وعناصر أمنيين بلباس مدني» في محيط جامعة طهران. وأضاف الشهود أن متظاهرين أضرموا النار في الكثير من مستوعبات النفايات في ميدان «أزادي» غير البعيدة من جامعة طهران، كما حطموا واجهات مصرف تملكه الدولة. وشوهد عناصر من الشرطة ينتزعون لوحات من سيارات أطلقت العنان لأبواقها احتجاجا.

وفي الأيام الأخيرة وزعت منشورات في طهران تدعو السكان إلى التظاهر إحياء لذكرى الاضطرابات الطالبية في يوليو (تموز) 1999، وللاعتراض على إعادة انتخاب أحمدي نجاد. وكان تحدي آلاف الإيرانيين أمس للحظر المفروض على المظاهرات هو أول مظهر أن الشارع الإيراني لم يتم السيطرة عليه تماما بعد الأزمة، بالرغم من الاعتقالات الواسعة واستمرار قطع الاتصالات، خصوصا الإنترنت وشبكة الرسائل القصيرة. كما أن مظاهرة أمس هي أول تجمع للمعارضين منذ مصادقة مجلس الأوصياء في 29 يونيو (حزيران) على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. وجاءت المظاهرات بعد ساعات من تحذير السلطات من أنه سيتم «سحق» أي مظاهرة جديدة، وجاء التحذير على لسان محافظ طهران مرتضى تمدن الذي أعلن في بيان شديد اللهجة نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أمس: «لم يتم طلب أو إصدار أي تصريح لتجمع أو مسيرة». وتدارك: «ولكن إذا قام بعض الأشخاص بتحركات تتناقض مع المبادرات الأمنية بتأثير من قنوات تلفزيونية معادية للثورة، فإنهم سيداسون بأقدام أبناء شعبنا اليقظين».

ويأتي ذلك فيما قال مصدران إيرانيان مطلعان لـ«الشرق الأوسط» إن قادة كبارا في الحركة الإصلاحية وجهوا أصابع الاتهام إلى مجتبى خامنئي، ابن المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي فيما يتعلق بالطريقة التي تمت بها إدارة أزمة الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو (حزيران) الماضي، والطريقة التي تم بها قمع المظاهرات في الشارع بعد الانتخابات. وقال مصدر إيراني في اتصال هاتفي من لندن إن رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني أعرب لمسؤولين كبار في المؤسسة الإيرانية الحاكمة عن غضبه من تدخلات مجتبى خامنئي وقادة عسكريين من الحرس الثوري في الانتخابات الإيرانية، قبل وبعد التصويت. وقال المصدر الإيراني أن رفسنجاني تحدث لمقربين منه وآيات الله في الحوزة العلمية في قم وسياسيين في طهران عن مساعٍ حثيثة بذلت من قبل مجتبى ومكتب المرشد الأعلى لتأمين إعادة انتخاب أحمدي نجاد. فيما أشار مصدر إيراني آخر إلى أن مهدي كروبي زعيم حزب «اعتماد ملي»، الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بالمرشد الأعلى لإيران قبل أن تتدهور العلاقات بينهما خلال السنوات الخمس الماضية، قال لخامنئي: «ابنكم مسؤول عن الانقلاب العسكري في إيران». وتابع المصدر الإيراني: «معروف في إيران أن قوى الأمن والباسيج والحرس الثوري تحت قيادة مجتبى خامنئي. هذا شيء يتردد منذ سنوات، وهذا غير مرتبط بهذه الانتخابات فقط، فخلال انتخابات 2005 كان لدى الإصلاحيين نفس التحفظات والشكاوى، فقد اشتكى رفسنجاني وكروبي لخامنئي من تدخلات ابنه ومن أن الانتخابات زورت على يده ليأتي أحمدي نجاد للسلطة». وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية قد نقلت أمس عن سياسي إيراني مطلع قوله إن مجتبى خامنئي تولى مسؤولية قوات الباسيج التي قامت بقمع المتظاهرين خلال الأسابيع الماضية، وأن هذا أدى إلى غضب مسؤولين محافظين ورجال دين ومسؤولين عسكريين. وأوضح المصدر الإيراني لـ«الغارديان» أن الغاضبين من هذه الخطوة لا يستطيعون أن يواجهوا خامنئي لأن ذلك «سيعمق الانقسام الداخلي ويضعف إيران إقليميا». إلا أن المصدر الإيراني المطلع قال لـ«الشرق الأوسط» إن مجتبى خامنئي يسيطر على قوات الباسيج منذ نهاية فترة محمد خاتمي، وأنه تولى إدارة الأزمة الحالية «بحكم الأمر الواقع وليس بحكم القانون». وتابع: «يتردد في إيران أن سيطرة مجتبى على المؤسسة العسكرية مرتبطة بمحاولات تصعيده ليكون خليفة للمرشد الأعلى. لكنني لا أتصور هذا، لأن مجلس الخبراء هو الذي يختار الولي الفقيه، ومعايير مجلس الخبراء في الاختيار هي المكانة الدينية والثقل بين آيات الله والتوافق على الشخصية. وهذه معايير لا تتوافر في مجتبى. لكن إذا تم فرض مناخ أمني عسكري في البلاد فإن الضغوط قد تغير توجهات مجلس الخبراء. لكن هذا لا يخلو من مخاطر، من بينها إحداث شق في الحرس الثوري، لأن هناك شخصيات في الحرس الثوري ليست راضية عما يحدث. واليوم (أمس)، خروج الآلاف في الشوارع الإيرانية يجعل مؤسسة الحرس الثوري منقسمة أكثر، لأن هناك متعاطفين مع الشارع بين قيادات الحرس». الا أن مصدرا إيرانيا أخر قريب من المحافظين قال: «القائد لا يحتاج إلى قرار لجعل مجتبى مسيطرا على الحرس. فمجتبى لديه مكانته ونفوذه في المؤسسة العسكرية منذ سنوات. كما أن القائد هو رئيس القوات المسلحة وهو الذي يعين رئيس الحرس الثوري ومن يعينهم يضمن ولاءهم للنظام». ويأتي ذلك فيما قال مصدر إيراني ثالث إنه فيما يبدو أن محاولات السيطرة على الشارع تؤتي ثمارها ولو تدريجيا، فإن «حالة من الارتباك» تسود المؤسسة السياسية الإيرانية. وقال المصدر الإيراني من طهران: «التوتر في المؤسسة السياسية سيتواصل لأنه ليس هناك حلول وسطى أو حتى مساومات. المحافظون لم يعطوا الإصلاحيين أي شيء. لم يعترفوا إلا بالحد الأدنى من المخالفات الانتخابية وأغلقوا الملف، ثم تحدث أحمدي نجاد أول من أمس كأن الأزمة كانت عادية ويمكن احتواؤها، كأنه لم يدرك عمق الشرخ الذي حدث. فخرج الإيرانيون في الشوارع خلال خطابه يطلقون أبواق سياراتهم، تماما كما كان يحدث بعد الانتخابات، ويهتفون من فوق أسطح المنازل». وقال المصدر الإيراني حول الدور البارز الذي باتت تلعبه مؤسسة الحرس الثوري في الأزمة الحالية، إن مجتبى خامنئي (المسيطر الفعلي على قوات الباسيج) لعب دورا كبيرا خلال الأزمة الحالية، غير أن الدور الذي لعبه كان من وراء الستار لأنه ليس لديه مسؤولية رسمية. وتابع: «لأن هناك ارتباكا كبيرا داخل المؤسسة السياسية في إيران، نجد أن أهم الوجوه السياسية في حالة انكفاء، فالانشقاق كبير جدا. مع انكفاء وجوه المؤسسة السياسية أخذت المؤسسة العسكرية زمام المبادرة، لأن هناك اعتقادا داخلها بأن الحل الأمني الذي فرض حتى الآن يمكن أن يستمر، وأن الأزمة الحالية حلها سيكون عسكريا ومن قلب المؤسسة العسكرية، إلا أن هذا غير صحيح، فالحل ليس أمنيا، والحل السياسي ما زال بعيدا. هل يستطيع العسكر أن يحلوا الأزمة عبر المؤسسات السياسية؟ طبعا لا، فعلى الرغم من أن الكثير من المؤسسات السياسية في إيران مثل البرلمان والحكومة تتضمن عناصر عملت سابقا في الحرس الثوري، فإن العسكر لا يستطيعون أن يحكموا سيطرتهم على المؤسسات السياسية أو على حوزة قم أو على المثقفين أو على 14 مليون إيراني يشكلون قلب الطبقة الوسطى الإيرانية صوتوا لموسوي باعتراف السلطات الرسمية، بينما العدد الحقيقي للذين صوتوا للإصلاحيين قد يكون أكبر من ذلك بكثير».

وتابع المصدر الإيراني: «لأن السياسيين غابوا في اللحظة الراهنة عن الصورة بسبب الارتباك في المؤسسة الحاكمة، لم يعد يظهر سوى بيانات القادة العسكريين من الحرس أو الداخلية الإيرانية، لهذا يسود الاعتقاد أن الحرس أحكم السيطرة على الوضع، لكن هذا غير حقيقي. فما بين اليوم وحتى إدلاء أحمدي نجاد باليمين الدستورية في أغسطس (آب) المقبل، يمكن أن يحدث الكثير جدا سياسيا، لكن الحركية السياسية الإيرانية لا تتم في العلن، بل في السر ومن وراء الأبواب المغلقة. مع مظاهرات الشارع اليوم (أمس) ورد الفعل الشعبي على خطاب أحمدي نجاد، وإذا استمرت المظاهرات وأشكال الاحتجاج في الشارع وحوزة قم، يمكن أن يجد خامنئي نفسه مضطرا إلى اتخاذ قرارات أخرى».

وفي مؤشر على القلق المتصاعد في أوساط المحافظين المتشددين من أن حكومة أحمدي نجاد قد تواجه مشكلات خارجية، نقلت وكالة «إنسا» الإيرانية عن أحمدي نجاد قوله أمس إن «أعداء» إيران «مضطرون» إلى التعامل مع حكومتها. وأضاف أحمدي نجاد أن «أعداء الشعب الإيراني اليوم يشعرون بغضب شديد، لأنه على الرغم من دعايتهم، وصلت الحكومة إلى السلطة مدعومة بـ40 مليون ناخب، ولن تعطيهم أي مميزات. وهم مضطرون إلى التعامل مع هذه الحكومة».

ويأتي ذلك فيما حذر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس من ان اى هجوم إسرائيلي على إيران سيكون كارثة كبرى. وجاءت تصريحات ساركوزي بعد تسريبات عن ضوء اخضر اميركي لإسرائيل للقيام بهجوم على المنشآت النووية الإيرانية وهو ما نفته واشنطن اول من امس على لسان باراك اوباما.