مصادر أميركية: استخدام ورقة سورية للضغط على إيران مغامرة.. وهناك خبايا لا نعرفها

ارون ديفيد ميلر لـ«الشرق الأوسط» : أراد اوباما استراتيجية لإيران ولم يجد فنقل دنيس روس للبيت الأبيض.. ولا أعتقد أن هناك استراتيجية لديه حتى الآن

ايرانية تحمل صورة للخميني خلال خطبة صلاة الجمعة بجامعة طهران امس (أ.ف.ب)
TT

إيران «العصبية».. وأميركا «الحائرة»، يشكلان مصدرا للتوتر في الشرق الأوسط والعالم، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بعملية مضنية وطويلة، وهي محاولة الحوار بعد 30 عاما من القطيعة والهواجس والمؤامرات المتبادلة. وبينما كانت الإدارة الأميركية ترى أن الملف الإيراني سيكون من بين «أكثر الملفات تعقيدا» وأن التقدم فيه سيكون بطيئا، وسيكون عرضه للمد والجزر بحسب التطورات في الشرق الأوسط (حماس وحزب الله وسورية ولبنان والعراق والخليج ومصر على الأخص) وأفغانستان وباكستان وعلاقة أميركا وروسيا والصين، فإن أزمة الانتخابات الإيرانية وما أدت إليه من انقسام داخلي حاد والطريقة التي واجهت بها السلطات الإيرانية المتظاهرين في الشارع، جعلت الملف النووي الإيراني هو «الأصعب والأكثر تعقيدا» على طاولة الدبلوماسية الأميركية. وبالرغم من أن النهج الدبلوماسي المعلن للدول الغربية هو «ملتزمون بالحوار حول نفس القضايا التي تقلق المجتمع الدولي من إيران وهذه السياسة لم تتغير في الوقت الحالي. والدعوة لإيران لاجتماعات 5+1 ما زالت قائمة وفي انتظار الرد» كما قال مسؤول بالبيت الأبيض لـ«الشرق الأوسط»، إلا أن الأمور تحت السطح أكثر تعقيدا مما يبدو. والدعوة للحوار الأميركي المباشر مع إيران تأثرت إلى حد كبير بسبب أزمة الانتخابات الإيرانية وظلال الشكوك في شرعية حكومة محمود أحمدي نجاد.

ويقول أرون ديفيد ميلر، الذي عمل مستشارا لشؤون الشرق الأوسط لـ7 إدارات أميركية وكان نائبا لدنيس روس أثناء توليه ملف سلام الشرق الأوسط في إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، إنه ما زال من المبكر معرفة كل أثار الأحداث في إيران خلال الأسابيع الماضية على الحوار الأميركي ـ الإيراني. ويوضح ميلر لـ«الشرق الأوسط» أن المؤكد في اللحظة الراهنة هو أن أحداث إيران ستجعل أي تقدم في هذا الملف الحساس يتم ببطء شديد، فإذا كانت هناك شكوك وعدم رضاء وهوة من الاختلافات وعدم الثقة في الماضي، فإن أحداث انتخابات إيران عززت هذه الهوة. ويتابع ميلر: «لن نرى أي تقدم يحدث، بالتأكيد ليس قبل أن يقسم الرئيس الإيراني اليمين الدستورية في أغسطس المقبل، كما أن التقدم في المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية سيعتمد على ما سيحدث في الشارع الإيراني خلال الفترة المقبلة. قد يمر وقت طويل قبل أن نرى أي جهد هام أو له معنى من جانب الأميركيين للحوار مع إيران. في رأيي لن يحدث شيء قبل سبتمبر، وربما حتى بعد ذلك بكثير. لعدة أسباب، أولا لأن الأوضاع في إيران ما زالت سائلة، ما زال الوضع يتغير ويتحول، وما زال من غير الواضح بعد التأثيرات أو التغييرات التي أحدثتها انتخابات الرئاسة في إيران على توازن السلطة هناك، وردود الفعل ما زالت تتوالى في إيران. السلطات الإيرانية أظهرت أنها قادرة على سحق المعارضة الإصلاحية المنظمة، لكن خلال هذه العملية كان هناك خسارتان كبيرتان شكلتا دعامة جوهرية للاستقرار في السياسة الإيرانية. الخسارة الأولى أو الضحية الأولى لهذه الأزمة هي مفهوم «عصمة الولي الفقيه»، أي أن الولي الفقيه لا يخطئ ولا يجانبه الصواب. وهذا المفهوم كان أكبر ضحية لهذه الأزمة. أما الضحية الثانية فهي مفهوم الانتخابات في إيران. فالعملية الانتخابية منذ الثورة الإيرانية عام 1979 ساعدت النظام الإيراني على استخدام ذلك كرمز على أن النظام الإيراني ديمقراطي، أو على الأقل جزء منه ديمقراطي في طبيعته. مفهوم عصمة ولاية الفقية ورمزية الانتخابات كانا ضحية أساسية لهذه الأزمة. إذن نحن سندخل حقبة طويلة من المساومة فيما يحاول النظام داخليا أن يعالج معضلة كيف سيتحرك مستقبلا وكيف ستتحرك المعارضة بدورها. هل سنرى مستقبلا مظاهرات عارمة مرة أخرى يوم إدلاء أحمدي نجاد باليمين الدستورية لتولي مهام منصبه كرئيس؟ لن يحتاج الأمر إلى جهد كبير لإشعال دورة أخرى من المظاهرات العارمة».

وإذا كانت الإدارة الأميركية حاولت خلال الأشهر الماضية منذ تولي باراك أوباما الرئاسة أن تضع استراتيجية حيال إيران، فإن هذه الاستراتيجية كانت تتمحور بالأساس حول فتح حوار مباشر مع إيران حول القضايا التي تؤثر على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينها العراق وأفغانستان وباكستان وسلام الشرق الأوسط. لكن أحداث انتخابات إيران جعلت جزءا من الاستراتيجية الأميركية حيال إيران ينظر في الأوضاع الداخلية وتوازن القوى الآن بين الإصلاحيين والمعتدلين ومسألة الشرعية، وما الذي يمكن أن يحدث خلال الأشهر المقبلة والأهم تأثير التقارب الأميركي من الحكومة الإيرانية على التوازنات الداخلية في إيران. ويوضح أرون ديفيد ميلر لـ«الشرق الأوسط»: «الإدارة الأميركية تراقب كل هذا عن كثب، وتحاول أن تجمع صورة دقيقة لما يحدث داخل إيران في هذه اللحظة، لكنني لا أعتقد أنهم يعرفون ماذا يجري. ولأنهم لا يعرفون، أعتقد أنهم سيكونون قلقين جدا من عملية التقارب مع إيران في ظل حكومة أحمدي نجاد. ثانيا: إدارة أوباما ستتعرض لانتقادات كبيرة من قبل هؤلاء الذين يرون أن حكومة أحمدي نجاد غير شرعية، وذلك إذا سعت إدارة أوباما للانفتاح على حكومة أحمدي نجاد. ففي رأي هؤلاء من يرون أن حكومة أحمدي نجاد بلا شرعية، وانفتاح إدارة أوباما معها سيؤدي إلى إعطائها شرعية بمجرد الحوار معها. لكن أعتقد أنه مع مرور الوقت فإن هذه المعضلة سيتم تجاوزها لأن أميركا لديها قضايا مع إيران تريد الحوار حولها، منها العراق. من المهم ملاحظة أن الكثير فيما يتعلق بالانفتاح بين أميركا وإيران، يرتبط بما سيحدث في الأشهر الثلاثة المقبلة في العراق. إذا قرر الإيرانيون استخدام ورقة التخريب ليظهروا أن أميركا فشلت في مهمتها في العراق، فسيكون لهذا تأثير هائل على وجهة نظر الإدارة الأميركية حيال طهران. وكما نعلم فإنه عندما يكون الإيرانيون محاصرين وتحت الضغط، فإن رد فعلهم يكون دفاعيا جدا. إذ قد يقررون أن يفسدوا الحفلة في العراق. أعتقد أن النقطة العامة هي أن ما لن يتغير هو حقيقة أن لأميركا قضايا هامة وخطيرة ودواعي قلق كبيرة من إيران، منها الملف النووي والعراق وأفغانستان ولبنان وعملية السلام في الشرق الأوسط، على المسار الفلسطيني وعلى المسار السوري ودعم حزب الله وحماس. وفي وقت ما، ربما في مطلع العام المقبل، سيكون هناك جهد ملموس من جانب إدارة أوباما لاختبار فرضية أن إيران وأميركا لديهما مصالح مشتركة. هذا سؤال وليس لدى أحد الإجابة. أنا لا أعرف إيران لكنني أعرف بلدي أميركا، وأشك في أننا لدينا فكرة جيدة عما يحدث في إيران وحقيقة الوضع الداخلي، وليس لدينا اتفاق واضح حول خيارات التواصل مع إيران. ربما كان لدينا فكرة واضحة حول هذه الخيارات وكيف يمكن التقدم فيها قبل 12 يونيو، تاريخ الانتخابات الإيرانية المثيرة للجدل، لكنني أعتقد أنه ليس لدينا فكرة واضحة الآن حول خيارات التواصل مع إيران».

ولا تقتصر صعوبة خيارات التواصل مع إيران بعد انتخابات الرئاسة حصرا على الأميركيين، فالأوروبيون أيضا يعانون من نفس المعضلة بالرغم من أن علاقاتهم أقل تعقيدا مع طهران، وبالرغم من أن غالبيتهم لديهم علاقات دبلوماسية مع إيران. وقال مسؤول في الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد إن «الدبلوماسية الدولية حيال التفاوض مع إيران في ورطة ومعضلة حقيقية» بعد أزمة انتخابات الرئاسة. وأوضح المسؤول الذي لا يستطيع الكشف عن هويته: «يمكنني القول بأن الأحداث في إيران أدت إلى تغيير حقيقي في سياساتنا مع أن هذا لم يتبلور بعد. فنحن نريد الحوار مع إيران حول كل القضايا التي تثير قلق المجتمع الدولي، لكننا في الوقت نفسه نريد أن نرسل لطهران رسالة وهي أن الأمور لن تسير بشكل اعتيادي business NOT as usual. فيجب أن نكون براغماتيين، لكن يجب أيضا أن نأخذ الشكوك في النتائج والطريقة التي تم بها منع التظاهرات في الاعتبار عندما نتحدث مع إيران». هذه المعضلة أو الورطة ليس لها حل سهل كما يرى المسؤول البريطاني، فدول 5+1 تريد الجلوس مع إيران في أسرع وقت حول الملف النووي، لأن مرور الوقت يلعب فقط في صالح إيران فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي فالاقتراب من القدرة على بناء سلاح نووي لو أرادت. لكن من ناحية أخرى فتح حوار مع حكومة أحمدي نجاد معناه الاعتراف بشرعيتها، فيما ما زالت المظاهرات في الشارع تحدث كلما سنحت فرصة، وفيما ما زال الانقسام حادا في المؤسسة السياسية في إيران.

وبسبب هذه المعضلة يقول البعض إن «الخيار البراغماتي» الآن هو بدء حوار نووي في إطار 5+1 لضمان عدم خروج البرنامج النووي الإيراني عن السيطرة بدون أن يعني ذلك بالضرورة فتح صفحة جديدة تماما من العلاقات بين إيران وأميركا، بالرغم من أن مسؤولين في إدارة أوباما كانوا جاهزين لتغييرات جذرية في العلاقات مع طهران إذا انتخب الإصلاحيون، وغيرت طهران سياساتها في المنطقة. وفي إطار هذا الخيار البرغماتي، فإن البعض قد يفضل استخدام كل الأوراق المتاحة للضغط الفوري على إيران لإقناعها ببدء الحوار النووي مع مجموعة 5+1، ومن ضمن أوراق الضغط فرض المزيد من القيود المشددة على طهران واستخدام التقارب مع سورية للضغط على طهران.

ويقول أرون ميلر في هذا الصدد: «نعم هناك هذه الفكرة أنه إذا تواصلنا مع سورية، يمكننا بطريقة من الطرق زيادة هامش المناورة والحركة مع الإيرانيين. لكن هذا غير واضح. فلدى سورية وإيران علاقة ممتدة لثلاثين عاما، وهي علاقة استراتيجية أفادت البلدين. وعلى خلافات التحالف بين الدول العربية، فإن علاقة إيران وسورية هي علاقة بين الأقلية العلوية الحاكمة والدولة الإيرانية بأغلبيتها الفارسية. وهي تخدم مصالح الطرفين، وسورية لن تتخلى عن هذه العلاقة بسهولة. أعتقد أننا يمكن أن نرى جهدا جادا أكبر في محاولة التواصل مع السوريين لعدة أسباب، من بينها العراق وملف السلام العربي ـ الإسرائيلي. الأمل لدى واشنطن هو أنه إذا أمكننا خلق مساحة للتعايش بين واشنطن ودمشق، فإن هذا يضع ضغوطا على الإيرانيين لكن هذا كارت، أو ورقة، من الصعب جدا اللعب بها. ولدي ليس شخصيا ثقة في أن إدارة أوباما لديها القدرة للعب هذه اللعبة أو لاستخدام هذا الكارت. أنا هنا لا أنتقد الإدارة الأميركية، لكن هناك الكثير من الملفات بين الإيرانيين والسوريين لا نعرف عنها شيئا. هناك خبايا في هذه العلاقة لا نعرفها، فيما يتعلق بدوافع الطرفين مثلا من فتح الحوار وأعتقد أنها مغامرة غير معروفة العواقب اللعب بورقة سورية للضغط على إيران. يمكننا أن نحاول».

وفيما ما زال من المهم الانتظار لمعرفة كيف ترى طهران وتقيم خطوات التقارب الأميركي مع سورية، فإن هناك شيئا واحدا مؤكدا، وهو أن إيران تشعر بالقلق بالفعل، ليس فقط من إرسال سفير أميركي وسعودي لدمشق، بل أيضا من «البرودة» التي أظهرتها واشنطن حيال الحوار المباشر ووجها لوجه بين طهران وواشنطن بعد أزمة انتخابات الرئاسة في 12 يونيو (حزيران) الماضي. وبرزت بتلك البرودة بعد تصريحات باراك أوباما يوم 26 يونيو الماضي، والتي قال فيها: «لا نعرف كيف سيتأثر أي حوار محتمل بيننا وبين الإيرانيين إلى أن نرى ما الذي سيحدث داخل إيران»، وبينما جمد أوباما عمليا الحوار المباشر مع طهران إلى أن تنجلي الصورة في طهران، موضحا في الوقت ذاته أن الحوار الجماعي في إطار 5+1 سيستمر، فإن القلق تسرب إلى طهران. وكان لافتا إلى أن محطة «برس تي في» الإيرانية أظهرت عصبية واضحة من ضياع فرصة فتح حوار مع أميركا، إذ شنت هجوما على دنيس روس واتهمته بأنه رأس الحربة في لوبي صهيوني يعادي طهران.

وربما زاد العصبية الإيرانية قرار نقل روس من الخارجية الأميركية إلى البيت الأبيض، وهو القرار الذي تزامن مع أزمة الانتخابات الإيرانية والمظاهرات العارمة التي شهدتها إيران.

لكن هل نقل روس من الخارجية الأميركية إلى البيت الأبيض له دلالة خاصة فيما يتعلق بالاستراتيجية حيال إيران؟ الإجابة باختصار: نعم. ويوضح ديفيد ميلر: «الرئيس الأميركي أراد استراتيجية حول إيران، ومع مرور الوقت لم يشعر بأن استراتيجية قدمت له. استراتيجية تربط لبنان بالعراق وأفغانستان وباكستان وسلام الشرق الأوسط مع إيران. أراد أوباما استراتيجية تجعله قادرا على فهم الروابط بين هذه الملفات، تتضمن سيناريوهات مختلفة. مثلا تأثير الانسحاب الأميركي من العراق على الانفتاح الأميركي مع طهران. دنيس شخص ذكي جدا، ويفكر بشكل استراتيجي وما يقوله له معنى. هذا شيء يريده أوباما شخصيا».

ويتابع ميلر: «سأكون أمينا معكم لقد عملت مع دنيس روس لفترة طويلة ولدي احترام كبير له. ودنيس يميل إلى أن يرى الأشياء من خلال حقبة التسعينات أثناء عملية السلام في الشرق الأوسط عبر منظور مؤيد لإسرائيل. لكن فكرة أن عودة دنيس للدبلوماسية الأميركي تعني أن السياسة الأميركية ستتغير أو دنيس هو المشكلة الآن أو أنه يمثل إسرائيل غير صحيحة. فالكثير يعتقدون أن دنيس هو المشكلة. وهذا منطق سخيف لأن الشخص الذي يضع السياسة الخارجية هو رئيس أميركا فقط لا غير. وبالتالي أرى انتقال دنيس إلى البيت الأبيض دليل على أن الإدارة تريد استراتيجية. وحتى الآن لا أعتقد أن أوباما يرى أن لديه استراتيجية حول إيران».

وفيما يقول ميلر إن أوباما يعتقد أنه «ما زال بلا استراتيجية» فيما يتعلق بإيران، فإن مسؤولا في البيت الأبيض يوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه لا ينبغي انتظار خروج بيان رسمي من الإدارة الأميركية يعلن «هذه هي استراتيجيتنا حيال إيران». ويوضح المسؤول الأميركي: «الاستراتيحية حيال إيران مسألة عضوية organic تتأثر بسلوك إيران وسياساتها والأطراف الإقليمية والدولية، وهي عملية مستمرة ومتحولة. فاليوم هناك وقائع وتغييرات لم تكن موجودة قبل 3 أشهر». ويتابع المسؤول الأميركي: «نقل روس من الخارجية للبيت الأبيض لأن المسؤولين في الإدارة شعروا بأنهم يمكن أن يستخدموا موهبته في مجلس الأمن داخل البيت الأبيض أكثر من مكانه في الخارجية الأميركية. ففي منصبه الجديد سيكون لروس دور تنسيقي أوضح وأكبر في القضايا الاستراتيجية المتداخلة من إيران إلى باكستان والشرق الأوسط وآسيا. كما أن وجوده في البيت الأبيض سيمكنه من التنسيق بين القنوات المختلفة للسياسة الخارجية الأميركية. وقبل هذا سيكون على اتصال مباشر مع الرئيس. الانتقال تنفيذ لأمر واقع فدنيس روس كان في البيت الأبيض غالبية الوقت في كل الأحوال. وجوده في البيت الأبيض لتسهيل اتصالاته مع الرئيس حول إيران».

وفيما ما زالت الأحداث في إيران تتطور واستراتيجية واشنطن حيال طهران تتبلور، فإن السؤال المطروح هو: ما هو المطلوب من دنيس روس في هذه اللحظة؟ يوضح ديفيد ميلر: «عندما تبدأ تنفيذ استراتيجية حول قضية ما فإنك تحتاج لأن تفهم التداعيات المترتبة على هذه الاستراتيجية فيما يتعلق بقضايا أخرى. هذا لا يعني ربط القضايا ببعضها بعضا من الناحية السياسية، لكننا يجب أن نربطها من الناحية التحليلية. على سبيل المثال ما هو تأثير الانتخابات الإيرانية على السياسة الإيرانية حيال العراق؟ شخص ما يجب أن يفكر في هذا. هذا ما تعنيه الاستراتيجية بمعناها الواسع وهذا هو المطلوب لتطوير استراتيجية. ودنيس ماهر جدا في هذا، وهذا بصراحة ما تحتاجه السياسة الأميركية في هذه اللحظة. لكني أريد أن أوضح أن تبني أي رؤية، هو قرار الرئيس الأميركي. لأنه في النهاية عليه أن يأخذ توصيات كل مستشاريه، ويقرر ما هو الأفضل لمصالح أميركا. لا أعتقد أن الأمر لغز أو معقد جدا لهذه الدرجة، لكنه من الهام أن يكون لدينا استراتيجية، ودنيس ماهر جدا في هذا، ولهذا أخذه أوباما للبيت الأبيض».

ولا دليل أكبر على رغبة الإيرانيين في الانفتاح على أميركا من أزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية نفسها. فأحد الأسباب الأساسية وراء تمسك المحافظين بالسيطرة على الرئاسة، مع سيطرتهم على البرلمان، هو أن لا يتركوا ملف الانفتاح مع أميركا في عهدة الإصلاحيين «لأن خامنئي لا يثق في الإصلاحيين» . وقال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط»، متسائلا: «هل كان خامنئي سيترك الإصلاحيين يجنون ثمار الانفتاح على أميركا، فيما يعتقد المحافظون أن الأرضية التي مهدت لهذا الانفتاح هو سياساتهم المتشددة خلال حكومة أحمدي نجاد؟ الإجابة طبعا لا». لكن أزمة الانتخابات عقدت خطط المحافظين وجعلت حكومة أحمدي نجاد متشككة في أن الانفتاح عليها سيكون كاملا مما دفعه للقول أول من أمس: أعداء إيران سيضطرون للتعامل مع حكومتها. وكما تبحث أميركا كل خياراتها في التعامل مع إيران، تبحث إيران كل خياراتها في التعامل مع أميركا. لكن مصدر الخوف أن الذين يتحدثون في إيران الآن هم العسكريون لا السياسيون، وهم إن تعرضوا للضغط فإن ردة فعلهم تكون قاسية وقد تعيد العلاقات مع واشنطن إلى ما قبل نقطة الصفر خصوصا إذا تعمدوا «تخريب» ما تحاول واشنطن إنجازه. ويقول المصدر الإيراني في هذا الصدد: «داخل المجموعة المسيطرة في الحرس، هناك تلك الجدلية: إذا خربنا لواشنطن ما تحاول فعله سيتغير أوباما حيالنا.. وإذا لم نخرب لماذا يحتاج إلى الحوار معنا؟».