«القاعدة» تزيد من وتيرة هجماتها في شمال أفريقيا.. ومنافسة شرسة بين قيادييها داخل مالي

مسؤولون أميركيون: الهجمات تشير إلى عودة مقاتلين أجانب من حرب العراق

رهينة بريطاني في صورة قديمة يدعي تنظيم «القاعدة في المغرب العربي» اختطافه وآخرين من كندا وأوروبا (رويترز)
TT

قام تنظيم تابع لـ«القاعدة» في شمال أفريقيا بتنفيذ سلسلة من عمليات القتل والتفجيرات وغيرها من الهجمات المميتة ضد مواطنين غربيين وعناصر من الأمن داخل بعض البلدان الأفريقية خلال الأيام الأخيرة وهو ما عزز مخاوف من أن يكون التنظيم الإرهابي قد دخل منعطفا أشد عنفا. ويقول مسؤولون أميركيون وأوروبيون يعملون في القطاع الأمني وفي مجال مكافحة الإرهاب إن الهجمات ربما تشير إلى عودة مقاتلين أجانب من الحرب العراقية، الذين تمرسوا خلالها على مهارات صنع القنابل. ويقول المسؤولون إن هذه الهجمات تعكس تنامي «القاعدة» في شمال أفريقيا، خارج الملاذ الرئيسي للتنظيم في منطقة القبائل الباكستانية. وخلال الأسابيع الستة الماضية، تبنى التنظيم التابع المسؤولية عن مقتل رهينة بريطاني في مالي، وعامل إغاثة أميركي في موريتانيا، ومقتل ضباط بارز في الجيش المالي داخل منزله، وعمل كمين لموكب كان به قرابة أربعة وعشرين من القوات غير النظامية الجزائرية. وخلال العطلة الأسبوعية الماضية، قام مقاتلون من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بالهجوم على دورية للجيش المالي في الصحراء الشمالية بهذا البلد، وأدى ذلك إلى مقتل نحو 12 عشر جنديا وأسر كثير آخرين، حسب ما قاله مسؤولون عسكريون أميركيون. كما قتل كثير من المسلحين. وثمة تعقيد في تقييم التهديد المسلح في شمال أفريقيا، ويقول مسؤولون أمنيون وآخرون يعملون في مجال مكافحة الإرهاب إن التنظيم، الذي يتخذ من الجزائر مقرا له، يشبه عصابة مجرمة تقوم بالحصول على فدية مقابل الغربيين المخطوفين لتمويل عملياتها أكثر من كونه يضم مجموعة من الإرهابيين ذوي توجهات أيديولوجية يلتزمون بها. ويشير مسؤولون آخرون في مجال مكافحة الإرهاب إلى الهجمات على أنها دليل على رغبة التنظيم في توسيع أعمال التمرد على المدى الطويل في الجزائر لتشمل دولا أخرى بشمال أفريقيا وربما داخل أوروبا، حيث يوجد لدى التنظيم مناصرون لوجستيون وماليون. وقال مسؤول فرنسي كبير في مجال مكافحة الإرهاب، شريطة عدم ذلك اسمه لأنه كان يناقش تقارير استخباراتية: «أصبح تنظيم القاعدة أكثر قوة في الجزائر وموريتانيا، ومقتل الرهينة البريطاني والأميركي عبارة عن رسالة بأنهم لا يركزون على قضايا المغرب فحسب، وأنهم الآن جزء من الجهاد العالمي».

وفي الأسبوع الماضي، هدد زعيم جناح «القاعدة» عبد الملك دروكدال بـ«حرب ضروس» ضد فرنسا ردا على محاولة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منع البرقع الذي وصفه بأنه رمز على «العبودية».

وقد كانت الزيادة في أعمال العنف أقل جرأة من الهجوم الذي قام به التنظيم في ديسمبر (كانون الأول) 2007، حيث قام خلاله انتحاريون بالهجوم على مكاتب للأمم المتحدة والمحكمة في الجزائر العاصمة، وأدى ذلك إلى مقتل 41 شخصا وجرح 170 آخرين. ولكن يقول بعض المحللين الاستخباراتيين الأميركيين إن هناك إشارات مبدئية على أن عددا من المقاتلين الأجانب في شمال أفريقيا قاتلوا في العراق يعودون إلى أوطانهم. وقال الجنرال وليامز وارد، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، خلال حديث مع صحافيين الشهر الماضي: «هل هناك تهديد؟ بالتأكيد هناك تهديد».

ولكن، يقول مسؤولون آخرون إن الوضع القائم ربما يعود نوعا ما إلى منافسة شرسة بين قياديين في «القاعدة» داخل مالي، وهما مختار بلمختار وعبد الحميد أبو زيد، وهو الصدام الذي يظهر خلايا جهادية مستقلة يقول عنها مسؤولون في مكافحة الإرهاب إنه من الصعب محاربتها. وتقول لورن بلوتش، وهي متخصصة في شؤون أفريقيا بخدمة البحث بالكونغرس، إن الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة لـ«القاعدة» لا يحتمل أن تحصل على كثير من التعاطف بين سكان دول الحزام الساحلي، وهي الحدود الجنوبية لمنطقة الصحراء الكبرى. وتقول بلوتش «ومع ذلك، فإن المساحات الواسعة في شمالي مالي وموريتانيا والنيغر وجنوبي الجزائر تعتبر صعبة تماما على الشرطة، ولذا فإنه من المحتمل تماما أن نرى أنشطة للجماعات المسلحة في بعض الدول تعتمد على مدى قدرة جيرانهم على التحكم في المناطق الخاصة بهم».

وقد نشأت الجماعة في التسعينات لمحاربة الحكومة الجزائرية العلمانية. وعام 2007 غيرت اسمها من «الجماعة السلفية للدعوة والجهاد» إلى «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» (يشير المغرب إلى الجانب الغربي من العالم العربي). وهي تستهدف الأهداف الغربية حتى قبل تغيير الاسم. وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2006، فجرت عناصر مسلحة في الجزائر حافلة تحمل عمالا من شركة تابعة لـ«هاليبرتون» وهي شركة خدمات البترول الأميركية. وبعد ذلك بعام، قتل رجل مسلح سائحين فرنسيين في موريتانيا. وقد بدأت آخر موجة من موجات العنف في أواخر شهر مايو (أيار) عندما قتلت جماعة «القاعدة» إدوين دير، وذلك بعد يوم من الموعد النهائي لتلبية طلباتها. وقد اختطف في 22 يناير (كانون الثاني) مع مواطن سويسري وسائحين آخرين في النيغر وتم احتجازهم في مالي. وقد طالبت الجماعة بإطلاق سراح أبي قتادة، وهو رجل دين فلسطيني ولد في الأردن ومحتجز في بريطانيا، وقد وصفه قاض إسباني بأنه زعيم «القاعدة» في أوروبا، بالإضافة إلى 14 مليون دولار مقابل الإفراج عن دير والمواطن السويسري. بعد ذلك بنحو أسبوعين، قام رجل مسلح شمالي مالي بقتل ضابط استخبارات عسكرية كبير في الجيش المالي الذي ألقى القبض على كثير من أعضاء جماعة «القاعدة» التي تستخدم صحراء مالي الشمالية كقاعدة دعم لها. وخلال أيام، انتقمت قوات الأمن المالية من خلال مهاجمة قاعدة عسكرية بالقرب من الحدود الجزائرية وقتل نحو عشرين من عناصرها، حسبما أفادت تقارير الصحف المالية. وفي 23 من يونيو (حزيران) قتل مسلحون في نواكشوط العاصمة الموريتانية كريستوفر إرفين ليغيت، وهو عامل إغاثة أميركي، فيما قالت عنه السلطات إنها عملية اختطاف غير ناجحة. وفي الجزائر المجاورة وفي الوقت نفسه تقريبا، هاجمت عناصر مسلحة تستخدم قنابل يتم زرعها على جانبي الطرق والبنادق الآلية قافلة لقوات شرطة شبه نظامية على بعد نحو 110 أميال من الجزائر وقتلت 18 عنصرا من قوات الأمن. وقد خاضت قوات الأمن الجزائرية معارك طويلة مع العناصر الإسلامية، لكن المسؤولين الأمنيين يقولون إنهم يقدمون الآن أيضا دعما عسكريا واستخباراتيا لدعم الدول المجاورة الأكثر فقرا مثل مالي التي تلجأ إليها العناصر المسلحة. ويقول جيرمي بيني، وهو محلل أول في «مركز جين للإرهاب والأعمال المسلحة»: «مع تأثير عمليات الخطف على صناعة السياحة في مالي، فإن الدولة بدأت تأخذ الأمر على محمل الجد بصورة أكبر، كما يقدم الجزائريون المزيد من المساعدة».

ويقول الجنرال وارد، وهو قائد أميركي، إنه كرد فعل على عمليات القتل، فإن الجيش سوف يضاعف جهود التدريب من أجل تطوير قدراته على مكافحة الإرهاب. وفي أوروبا، فإن السلطات تراقب جناح «القاعدة» في شمال أفريقيا، وتعبر عن قلقها من التهديدات بمهاجمة الدول الأوروبية التي تنشر قواتها في أفغانستان. ويقول أحد مسؤولي الأمن في بلجيكا، الذي رفض الإفصاح عن هويته: «إن ما نراه هنا هو بالفعل كثير من الدعم اللوجستي من الأفراد الذين ينشطون في المغرب. وهم يجمعون المال ويقومون بتزوير الأوراق ويوفرون ملاذا آمنا. وهم نشطون في تجنيد وجلب الأفراد وإرسالهم من أجل التدريب».

لكن هؤلاء المسؤولين لديهم وجهات نظر متباينة فيما يتعلق بقدرة الجماعة على استهداف مناطق خارج أفريقيا. ويقول أغسطس هانينغ، وهو سكرتير الدولة في وزارة الداخلية الألمانية: «لا نستبعد أن تحاول (القاعدة) مهاجمتنا، وفي هذا الوقت، فإن (القاعدة) في بلاد المغرب العربي ربما ستلعب دورا مهمّا. لكننا نرى زيادة الخطر على المصالح الألمانية في شمال أفريقيا والساحل».

إريك شميت من واشنطن وسعاد مخينيت من فرانكفورت وبرشلونة (إسبانيا).

* خدمة «نيويورك تايمز»